يعتبر شهر رمضان بالنسبة للبعض فرصة لا تعوض لجني بعض النقود، خاصّة بالنسبة للأشخاص الذين لا يملكون عملا، والنسوة الماكثات بالبيت، واللائي يحاولن أن يساعدن أسرهن في جمع بعض المال، ونحن على أبواب عيد ودخول دراسي. مصطفى مهدي لعل ارتباط مناسبات رمضان ثم العيد ثم الدخول المدرسي هو أهم ما جعل بعض النسوة الماكثات بالبيت يفكرن في العمل، وفي جني بعض الأموال خلال الشهر، خاصة وان ذلك لا يكلفهن سوى صنع بعض الحلويات والأطباق التي يبعنها فيما بعد لأشخاص يقدمونها للزبائن في الأسواق، حتى أنّ بعض البيوت ولكثرة مثل تلك الأعمال فيها تحولت إلى ورشات، خاصة إذا كان في البيت أكثر من أسرة، أي أكثر من امرأة ماكثة بالبيت، وبالتالي أكثر من حرفة، وهو ما وقفنا عليه ونحن نزور بعض العائلات العاصمية، والتي تفننت في أعداد مختلف الحلويات والأطباق الموسمية، والتي يكثر عليها الطلب خلال شهر رمضان. زرنا عائلة تنسي ببلدية الشراقة، التي تتكون من الأب والزوجة والجد ثم الأولاد الأربعة، أما الأم فأبت خلال شهر رمضان من هذه السنة إلاّ أن تعمل وتساعد زوجها على مصاريف المنزل، رغم أنها لم تفعل ذلك من قبل، إلا أن التجربة التي وقعت بها الأسرة السنة الماضية جعلتهم يحتاطون هذه السنة، فقد لاقوا صعوبات كثيرة في توفير أموال للمناسبات الثلاث التي أتت دفعة واحدة، والتي أخلت بمصروف البيت تقول لنا حورية عن الوضع:"في السنة الماضية لم نحسب حسابا لما ينتظرنا بعد شهر رمضان، حتى أننا ومع نهاية العيد وجدنا أنفسنا عاجزين عن تغطية مصاريف الدخول المدرسي بالنسبة لأولادنا، والذين لا يزالون صغارا، أي أنهم غير قادرين حتى على تحمل المسؤولية لوحدهم، أما هذه السنة فقد قررت إن اعمل بالبيت كما تفعل جارتنا، والتي تصنع بعض الحلويات الرمضانية لتبيعها، ورغم أنها تعمل كثيراً، إلاّ أن الطلبات لا تنتهي ما جعلها تقترح علي أن أساعدها في ذلك، خاصة وانه مشهود لي الطبخ، فرحبت بالفكرة، بل فرحت به كثيرا، فانا ابقي بالبيت طيلة اليوم ولا شيء لي افعله سوى الطبخ، فلما لا اصنع أشياء مفيدة، فقبلت، وصرت اصنع الديول وحتى "المحاجب" الذي اكتشفت أن الكثير من الأشخاص يقبلون عليه خلال شهر رمضان، فهو يباع مثله مثل المأكولات الرمضانية، وحتى الآن تمكنت من أن ادخر بعض الأموال حتى نمضي المواسم الثلاث بسلام". أمّا الحاجة ربيعة، فرغم أنها تجاوزت السبعين من العمر، إلا أنها مع ذلك لا تزال نشيطة، وبقيت تعمل في صنع الحلويات في رمضان وفي غير رمضان، لكن لشهر رمضان نكهة خاصة، كما انه يمكنها من أن تعد وجبات أخرى غير تلك التي تعدها في باقي أشهر السنة، وتضيف:"أدرك أن رمضان اليوم غير رمضان السنوات الماضية، وانه فقد في عصركم الكثير من ذوقه، لكنني مع ذلك أحاول أن اصنع في البيت جوا رمضانيا جميلا، خاصة بالحلويات التي اصنع، والتي ابقي جزءا منها لأسرتي، فيما أبيع كميات لابن الحي الذي يبيعها في السوق، ورغم أن أحفادي يلمونني على أنني حولت البيت إلى ورشة طيلة أشهر السنة، إلاّ أنهم لا يفعلون خلال شهر رمضان لأنهم يدركون أن ذلك سيعطي نكهة خاصة للشهر، وسيجعلنا نستلذ به". فعلا إنّ تحويل البيت إلى ورشة قد يزعج أفراد العائلة، خاصّة إن لم تكن بحاجة ماسة إلى النقود، أي أن يتحول العمل بالبيت إلى هواية أكثر منه ضرورة ماسّة، مثلما تفعل بهية، والتي، ومع اقتراب شهر رمضان، تقبل على صنع الحلويات والوجبات المختلفة، تقول لنا:"أكثر ما يعجبني في رمضان، وما اشتاق إليه بعد العبادة واكتساب الأجر والثواب، أن اعمل على صنع الحلويات، فقد كنت في أسرتي وأنا صغيرة فتاة فقيرة، وكنا، أنا وأمي، لا بد أن نعمل حتى نعيش، ورغم أن حالتنا اليوم تحسنت إلى أن عادة العمل في رمضان لم تفارقني، فاصنع القطايف والخبز التونسي والديول وكل ما يباع في رمضان، وهو ما يثير استياء زوجي الذي صار غير مسموح بدخوله إلى المطبخ، فانا انثر مواد العمل هنا وهناك، ولا اسمح له بالاقتراب منها، كما انه يعجز عن مقاومة رائحة الحلويات التي تجعله يفقد صبره".