بقلم: الدكتور مصطفى يوسف اللداوي لم يكن العدو الصهيوني يتوقع أن المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك من الأسلحة ما تهز به كيانه، وتروع سكانه، وترهب قادته وجنرالاته، وتجبرهم جميعاً على اللجوء إلى الملاجئ والطوابق الأرضية، وسط صراخٍ وعويلٍ وبكاءٍ ونشيجٍ وهلع، واستغاثةٍ مبحوحةٍ تبحث عن الأمن والحماية والأمن والسلامة، فقد أجبرت صواريخُ المقاومة الإسرائيليين كلهم، في الجنوب والوسط وأيضاً في الشمال على تحسس رؤوسهم، وتوقع الموت الذي يلاحقهم، فلا حصون تحميهم، ولا جيش يقوى على الدفاع عنهم، فقد أصبح لدى المقاومة ما يخيف ويردع، وما يزلزل ويدمر، وما يرعب ويرهب، ولم يعد الفلسطينيون يكتفون بتلقي الضربات، وإحصاء الشهداء، ورصد آثار الخراب والدمار، وانتهاء العدوان انتظاراً لآخر يبدأ من جديد. هذا زمنٌ آخر، ورجالٌ آخرون، ليس فيه استخذاءٌ ولا ذل، ولا خنوعٌ ولا هوان، ولا قبولٌ بالمهانة والاعتداء، ولا استسلام لموازين القوى ومعايير الظلم والبغي والعدوان، وليس فيه استغاثة بالغرب وطلب العون من الولاياتالمتحدةالأمريكية، إنه زمن الربيع العربي، الذي تقرر فيه الشعوب، وتستجيب لهم الحكومات، وتخضع لإراداتهم رقاب القادة والرؤساء، فمن ساند الحق سَلِمَ وغَنِمَ، ومن عارض وتآمر خَسِرَ وغَرِمَ، وشواهد الأيام قريبة، لم يعلوها الغبار بعد، ولم تطوها الشعوب من ذاكرتها، والقدرة على إعادتها موجودة، وإرادة الأمة على تكريسها حاضرة قوية، فطريق العزة تصنعه المقاومة، وتُرسمُ خطوطُهُ نيابةً عن الأمةِ في غزة، هذه الخاصرة التي ظن العدو أنها خاصرةٌ رخوة ضعيفة، فإذا بها صخرة صماء لا تتحطم، وجوزة من أرض الوطن لا تنكسر. لم يتوقع الإسرائيليون حكومةً وجيشاً ومواطنين أن المقاومة الفلسطينية قد اشتد عودها، وقوي ساعدها، وأصبحت ترمي عن قوسٍ واحدة، سهاماً قاتلة، ولهباً محرقاً، وترد الصاع بالصاع، فلم يعد كفها يواجه المخرز، بل أصبح لها مخرزاً حاداً تغرسه في العيون، وصاروخاً يصل إلى عمق الكيان الصهيوني، يصيب بنيانهم، ويدمر مؤسساتهم، ويقتل جنودهم ومستوطنيهم، فلم تعد القدس عن صواريخ المقاومة بعيدة، إنها أقرب إلى صواريخ المقاومة قربها إلى قلوبهم ونفوسهم، وباتت تل أبيب تحت مرمى النيران ودك الصواريخ، فلم تعد مدينتهم المدينة الآمنة الهادئة، التي تنام على ريش النعام ووسائد الحرير، فقد أغلقت دور اللهو فيها أبوابها، وصحا السكارى من سكرتهم، ورحل الباحثون عن المتعة، والساعون إلى الفتنة عنها، إنها مقاومة الشعب الذي يرفض أن يكون ذليلاً، والذي أقسم أن يكون عزيزاً، ثائراً من أجل كرامته، منتفضاً من أجل حريته، مضحياً في سبيل وطنه وسلامة أبنائه، أبياً لا يقبل أن يهان، ولا أن يصعر خده فيُمْتَهنُ. إنه فجرٌ جديد تصنعه صواريخ الفجر القادمة إلى غزة من عمق الأرض الإسلامية، الصواريخ التي حملها رجالٌ مخلصون، وأتى بها مجاهدون مقاتلون، ومنهم من ضحى بحياته بينما كان يقوم بهذا الواجب، وينفذ هذه المهمة، وهو يعلم أنه يقوم بأعظم عمل، وأسمى غاية، فقد انشغلت المقاومة بالردع، وعملت من أجل تحقيقه وتغيير موازيين القوى ومعايير المواجهة، فامتلكت السلاح الرادع، والآخر المدافع، وغيره الهجومي الصادم، إنها صواريخ فجرٍ وزلزالٍ وحجارة السجيل، التي يرهبها العدو ويخشاها، فهو يدرك أنها صواريخٌ مزلزلةٌ مدمرة، تستطيع أن تصل، وتقدر على الإصابة، ومنها ما يتسلل عبر القبة الفولاذية الخلبية إلى عمق الكيان، فيصيب الأهداف التي انطلق إليها، فلا تقيهم منها مظلة ولا تحميهم خيمة، ولا تقوى بطارياتهم التي يفتخرون بها على اعتراض الصواريخ الصغيرة والكبيرة، فكلها بات يصل، وأغلبها أصبح يصيب ويدمر ويقتل. ما كان العدو الصهيوني يتوقع أن المقاومة الفلسطينية قادرة على اتخاذ قرارٍ باستهدافِ القدس وقصف تل أبيب وأسدود وغيرها، فهو وإن كان يعتقد أن المقاومة باتت تمتلك أسلحة جديدة وصواريخ قادرة على تهديد أمنه ودك وسطه وشماله، فقد كان يشك في قدرتها على اتخاذ القرار وتنفيذه، ولم يكن يتوقع أن قيادتها شجاعة وقادرة، وهي حرة وكريمة، قرارها ينبع من إرادة شعبها وأمتها، وأنها غير مرتهنة إلى أنظمة وحكومات، وأن أحداً لا يقوى على منعها أو ردها وكبح جماحها، فلا أوامر تنتظرها، ولا توجيهات تستجيب إليها، وأن ما اعتاد عليه الكيان الصهيوني مع الأنظمة العربية لا ينطبق على المقاومة، التي تعتقد يقيناً أن الموت بعزٍ وكرامة، خيرٌ ألف مرة من العيش بذلٍ ومهانةٍ، وقد علموا أن العدو لا يردعه غير القوة، ولا يوقفه غير البأس، ولا يخيفه غير الدم، وقد أصبح لزاماً عليه أن ينسى قطعة الزبد الطري التي اعتاد أن يقطعها بسكينٍ، فالفلسطينيون ليسوا قطعة من الزبد أو الجبن الطري، إنهم خلقٌ جديد وإرادة أخرى، وقد أصبح العدو يدرك هذه الحقيقة ويخشاها. فجرٌ جديد يرسمه رجال فلسطين، يصنعونه بإيمانهم وإرادتهم وتصميم أمتهم، اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه، فهو سبحانه وتعالى لن يتركهم، ولن يترهم أعمالهم، ولن يتخلى عنهم، ولن يتركهم وحدهم في مواجهة أعتى أعداء البشرية، فهو الذي يكلأوهم ويحفظهم، ويشملهم برعايته ورحمته، وها هم قادة العرب والمسلمين يفدون إلى غزة، يلتمسون فيها العزة، ويقدمون بين يدي أهلها فروض الانتماء والانتساب إلى هذه الأمة، فنحن أمةٌ مجاهدة، نعتز بالمجاهدين، ونفخر بالمقاتلين، ونرفض أن ننتسب إلى القاعدين المتخاذلين، وإنما انتسابنا إلى الأبطال المجاهدين، الذين يحملون راية الأمة وعلم الوطن، يزرعونه بعيداً فوق كل ربوة، وعلى قمة كل جبل من أرضنا العربية.