بقلم: بدر السلام موفق إرهاصات: إن الطائفية هي ناتج طبيعي للفيف البيولوجيا والموروث الجيني والثقافي والديني للشعوب التي تعد نفسها قوالب جاهزة للانحياز الطائفي كونها (طوائف)... وهي السمة الأبرز لتاريخ الأمم الطويل..ولولاها لكان الناس أمة واحدة... حين انتقل نبينا عليه السلام إلى جوار ربه ترك أمة إسلامية واحدة متحدة..أما اليوم فنحن فرق شتى، يكفر بها بعضها، ويستأثر بالحق فئة على آخرين.. ويستعدي أحدنا الآخر (المسيحي أو اليهودي) على الذي نراه منا أحيانا وأحيانا لا نراه... إن الحديث عن الطائفية في عالمنا العربي المسلم لا يجب عليه إغفال التاريخ أو الاكتفاء بمعطيات الحاضر أو العودة -فقط- خطوة واحدة أو خطوتين للوراء... الشيعة يرون أن الأمويين هم من أنتج الطائفية (الإسلامية )، وقد يذهبون أقدم من ذلك إلى (السقيفة).. بينا يرى السنة (الصفويين) بتلك العين.. ويرمونهم بذات الجريرة..وربما بنوع من الإيغال في القدم سنستحضر شخصية مثيرة للجدل لا دليل على وجودها رغم اشتهار أمرها (عبد الله بن سبأ)) الذي في الغالب أنتجه خيال سيف بن عمر -وهو رجل ضعيف متروك الحديث -. إن سيف بن عمر والموقف من أحاديثه مثال ممتاز لنظرية (الحق الطائفي) التي يرافع لها كل فريق... ومن العجائب أن تجد الشيعة يستشهدون بأنه (ضعيف متروك الحديث يروي الموضوعات عن الثقات، سيف الزندقة، وليس بشيء..) عند أئمة السنة حين لا يتوافق ذلك مع طرحهم للتاريخ وجاءوا بقول ابن حبان والحاكم والنيسابوري وابن معين وابن أبي حاتم وأبي داود والإمام النسائي...وسائر من ضعفه... وحين يقع في ما يوافق هوى في أنفسهم، قالوا لمن ردّ الاستشهاد به، هو ((أخباري عارف)) وجاءوا بقول الذهبي وابن حجر... وينطبق الأمر على العقل السني الذي أوجد جوابا بسيطا للمعضلة التي طرحها اعتماد بعض رموز التأريخ الثقات على مروياته كالطبري -مثلا-..ومن جملة ذلك أنه المصدر الوحيد لمروية ((عبد الله بن سبأ))...قالوا هو((ضعيف في الحدث...قوي في التاريخ))..ولعمري كيف يكون الرجل صدوقا حين يروي عن آحاد الناس ثم يكذب حين يروي عن محمد وصحبه؟..فإن كان صادقا في الأولى فأحرى أن يكون صادقا في الثانية، وإن كان كاذبا في الثانية (رواية الحديث) فما أحرى أن يكون كاذبا في الأولى((التأريخ))... وهكذا فإن العقل الطائفي يجعلك متلقيا لمعطيات طائفتك غير مخير في الاستنتاج رغم توافر كل معطى وإجماع أكثر أهل العلم على ديدن الرجل ومذهبه..بل قد يتهم رجل بالتشيع إذا وقع في بعض مروياته وقالوا ((كيف ينسب للزنادقة وهو هتك سرّهم)) يعنون عبد الله بن سبا..فانظر- رحمك الله- كيف ردوا شهادات ثقات العلماء باستنتاج مبتذل وتفكير ممجوج ومنطق سقيم لاعتبارات طائفية.. وهكذا يكون هذا الرجل عدلا عندما يخدم الهوى وغير ذلك حين لا يتفق مع رؤية مذهبية أو اصطفاف عقدي..أو مذهبي.. إن (عبد الله بن سبأ) أو (ابن السوداء) إن صح وجوده بهذا الاسم -لإمكانية صحة اضطلاع آخرين بدوره - يعد أحد صناع الطائفية في الإسلام بامتياز..وهو كما جاء في مرويات بعض من أهل السنة والشيعة _أنفسهم- يهودي متأسلم..وقد أمر علي كرم الله وجهه بقتله (ملحوظة :إن بعض ما قرأته عن معتقدات الشيعة ومن كون الإمام المهدي سيحكم بالتوراة (يحتاج توضيحا إماميا)، كما لا يخفي تساؤلا سنيا مشروعا عن أثر هاته الديانة أو هذا الرجل(أو غيره) في ذلك المذهب...). الحق أن مرويات من باب حدثنا فلان (مجهول الحال) عن رجل من أهل مصر.. لا تمنح أبدا الحصانة للسند الشيعي في باب الرواية..ما فتح الباب لفرص تباعد عقدي عن الأنا الآخر (السنة) مع تقادم الأزمان وتناوب الحدثان.. لست بصدد نقد منهج التعديل والجرح عند الطائفتين..،ولكن كلاهما أقصى مبدئيا الآخر، رغم أن أهلنا السنة قرروا اعتبار شهادة الصدوق مع الإقرار بصلاح حاله ولا يضعفه ميله للبدعة...ولكنه للأسف مبدأ لم يعمل به...،ولكن لا مناص من القول أن ثمة صلة واضحة بينه وبين (مسألة خلق الطائفية والتفكير الطائفي)... من الأمور التي لا تجعل العقل منضبطا بقواعد الحق الطائفي ما يعود لهالة القداسة التي أحطنا بها اجتهادات علمائية لزمانها ومكانها...وهكذا قد يقدم كلام عالم جليل على حديث صحيح بذات الدعوى أو يحال بين العقل والتاريخ، فيحرم القوم مناقشة ما شجر بين الصحابة ،أو الجمع بين حديث صحيح ونتائجه (يرحم الله عمار..)..بدعوى الخوف من الفتنة..(وقد وقعوا فيها)).. إن إخضاع العقل للطائفية وتصنيف التاريخ والرجال على أساسهما، مهد لنشأة مدرستين لكل منها رجالها وثقاتها ومعاييرها ومناهجها وسياساتها ثم قامت لها دول وأنظمة ورعى كل مصالحه باسم الإسلام.. من السهل اليوم عند كل مجادل بصير بمذهب الآخر أن يجد من النصوص ما يذهل مناظره من مدرسته نفسها التي تتناقض مع تيار عام للمذهب، وربما كانت أقوى من المتداول سندا ومتنا وأكثر انسجاما مع القرآن نفسه أو مع اللغة العربية...التي تم إخضاعها -هي نفسها- لاعتبارات الطائفة... فقد ينعى عربي شيعي على ألباني سني قلة علمه باللغة في تفسير مسألة من المسائل أو تصحيح نصّ من النصوص (وكلاهما فحل في مذهبه)) بحجة العجمة، وقد يحدث العكس...فلطالما رميت النصوص الشيعية عن آل لبيت بضعف اللغة وقلة الرصانة ما لا ينسجم مع بلاغة الأئمة... وهكذا فإن صناع الطائفية (ونختصر هنا المسألة في التشيع الإمامي والتسنن طلبا للاختصار) نجحوا في تأسيس مدرسة فكرية تامة التمايز مستغلين العاطفة نحو آل البيت من جانب الشيعة أو القومية العروبية كما فعل الأمويون أو القرابة من رسول الله كما فعل بنو العباس ((تالله ما فعلت أمية عشر ما فعلت بنو عباس))-وهنا يجب التنويه إلى أن الدعوى العباسية كانت شيعية بالأساس مع توضيح أن التشيع تلك الأيام كان شيئا مغايرا لمفهومه اليوم-...لدعم مراكز سياسية..أو استئصال شأفة خصم، فكم من صحابي قضى لأنه رفض لعن علي أو البراءة منه..ولا تجد اليوم من يتحسر على دم ذلك الصحابي ممن يقيمون مذهبهم على حب الصحابة رغم ثبات الدليل بأنه إنما استشهد لهذا السبب..-هنا يقف العقل البسيط حائرا من العقل الطائفي -.. الحق أن للعقل الطائفي تجليات غريبة كثيرة ليس أقلها مطالبة الأمامية (المكفرين للزيدية) بدماء من خرج من آل البيت نصرة لله ورسوله..الذين كانوا في جملتهم محبين للصحابة أو غير مبغضين لهم فضلا عن أن يذموهم (وهو أبرز وجوه الخلاف بين الفرقتين)..وباسم - هذا الدم- قتل الشاه إسماعيل الصفوي أمه السنية ومئات الآلاف من مسلمي إيران السنة وكانوا أكثر أهل البلد...وبذات الحق الطائفي تمنع إيران إلى اليوم قيام مساجد سنية...وترفض بموجبه الاعتراف بإسلام إيراني آخر غير الإمامي...،وبذات الحق لا تقيم السعودية لمواطنيها الشيعة وزنا وتستهزئ بهم وبمذهبهم وبعلمائهم جهارا نهارا...كما تعتبر البحرين مواطنيها الشيعة قطيعا من الغنم... ((يتبع))