الدّعوة إلى الله رسالة وأمانة، وقبل هذا وذاك فهي عبادة لها أصولها وضوابطها، ولعلّ ممّا يحزّ في نفس كل متتبّع لواقع الدّعوة في هذا الزّمان، أنّ كثيرا من إخواننا وأحبابنا الكتّاب والدّعاة، قد حادوا عن نهج القرآن ونهج النبيّ الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الترفّق والتلطّف بالمخدوعين والمغرّر بهم من ضحايا الطّوائف والفرق التي تفرّقت بها السّبل والأهواء يمنة ويسرة، وخصوصا طائفة الشّيعة الإمامية الإثنا عشرية. * * حاد كثير من إخواننا الدّعاة عن النّهج القرآنيّ والنّبويّ، وأظهروا الحقّ في معرض الإذلال، وحاكموا المخطئين قبل دعوتهم، ونظروا إليهم نظرة ازدراء واحتقار، وانشغلوا بفضح انحرافاتهم والتّشهير بأخطائهم عن واجب دعوتهم ورفع غشاوة الشّبهات عن أعينهم. وكانت النتيجة أنّ كثيرا من أولئك المخدوعين ثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وأصبح من العسير على العلماء والدّعاة المتلطّفين محوها مع ظهور فسادها. ولعلّ هذا من أعظم الإثم عند الله جلّ وعلا: "وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " النّحل: 94 . * فكيف نريد للمخطئين أن يفيئوا إلى الحقّ والصّواب إذا كنّا نحن الذين ندعوهم لم نلتزم ما أمرنا الله به من الترفّق والتلطّف واللّين في دعوتهم؟. كيف وقد ألقينا قول ربّنا جلّ وعلا: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" النحل: 125؛ كيف وقد ألقينا هذه الرّسالة الربانية العظيمة وراءنا ظهريا؟. * ولعلّ من أروع اللّطائف القرآنية أنّ الآيتين السّابقتين (94 و125) وردتا في سورة النّحل، وفي هذا إشارة لطيفة أنّ الدّاعي إلى الله ينبغي أن يكون كالنّحلة ينتقي أطايب الكلام، كما تنتقي النّحلة أطايب الزّهر والثّمر، وينبغي أن يخرج من فمه ما هو شفاء للعقول والأرواح، كما تخرج النّحلة من بطنها ما هو شفاء للنّاس. * فإلى كلّ إخواني وأحبابي المشاركين في منتديات الأنترنيت، والمهتمّين بكتابة المقالات، إلى إخواني وأحبابي الذين تحمّلوا أمانة الدّعوة إلى الله في هذا الزّمان، وجعلوا همّهم فضح ومحاكمة الشيعة، وجنحوا إلى استعمال العبارات الجارحة والقادحة، واختاروا لغة اللّعن والطّعن في حقّ المخدوعين والمغرّر بهم من أتباع هذه الطّائفة، فتسبّبوا في إصرارهم على أخطائهم، وزيادة عداوتهم لأهل الحقّ. * إلى هؤلاء الأحبّة أهدي هذه الإشارات: * 1 . اعلموا أيها الأحبّة أنّ من أعظم الذّنوب عند الله جلّ وعلا أن يكون صاحب الحقّ سببا في صدّ النّاس عن الحقّ، وسببا في إصرار المخطئين على أخطائهم. * يقول أبو حامد الغزالي (عليه رحمة الله) في بعض كتبه:"أكثر الجهالات إنّما رسخت في قلوب العوام بتعصّب جماعة من جهلة أهل الحق؛ أظهروا الحقّ في معرض التحدّي والإذلال، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التّحقير والازدراء، فثارث من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وتعذّر على العلماء المتلطّفين محوها مع ظهور فسادها (الاعتصام للشّاطبي: 03/231). * 2 . المفترض أيها الأحبّة أن يكون همّ صاحب الحقّ هداية النّاس لا فضحهم، وإعانة المخطئ على نفسه وشيطانه، لا إعانة النّفس والشّيطان عليه فيزداد إصرارا على خطئه. * قدوتنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ناوأه كبراء قريش وبهتوه وآذوه، ولكنّه لم يهتمّ أبدا بفضح دخائلهم وكشف أفعالهم لأتباعهم. بل كان يقول: "اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون". * لا ينبغي أبدا لصاحب الحقّ أن يفرح بأخطاء النّاس لأجل أن يشهّرهم بها، وإنّما ينبغي له أن يتمنّى السّداد والصّواب والهداية لكلّ إنسان في هذه الدّنيا. * يُروى عن نبيّ الله عيسى (عليه السّلام) أنّه قال: "لا تنظروا في عيوب النّاس كأنّكم أرباب، انظروا فيها كأنّكم عبيد، إنّما النّاس مبتلًى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية". * 3 . الحقّ ثقيل على النّفوس فلا ينبغي أبدا لحامله أن يزيده ثقلا بفظاظته وغلظته. * 4 . ينبغي لصاحب الحقّ أن يترفّع عن لغة الطّعن واللّعن، رحمة بالمغرّر بهم من الأتباع، بل ورحمة بالمتبوعين، لأنّ الذي هدى العلاّمة البرقعيّ، والعلامة شريعت سنكلجي، والعلاّمة إسماعيل آل إسحاق الخوئيني، والكاتب والأديب الكبير أحمد الكسروي، وغيرهم من علماء الشّيعة الذين عرفوا الحقّ ورفعوا راية التّصحيح في الوسط الشّيعيّ؛ الذي هدى هؤلاء قادر على أن يهدي السّيستاني والكوراني والفالي والمهاجر، وغيرهم. نسأل الله الهداية للجميع. * 5 . إذا كنّا مطالبين أن نحسن إلى غير المسلمين من اليهود والنّصارى والبوذيين والملحدين غير المحاربين، رجاء أن يسلموا، فمن باب أولى أن نحسن إلى المخطئين من الشّيعة رجاء أن يَحسن إسلامهم. * 6 . نعم، إنّ قلوبنا لتتألّم لحال المغرّر بهم من الشّيعة حينما يغلون في القرابة ويسبّون الصّحابة، ولكن لا ينبغي أن يحملنا هذا على اليأس من هدايتهم بالتي هي أحسن، فالله جلّ وعلا يقول عن الذين ادّعوا له الولد سبحانه والذين بهتوا أنبياءه وقتلوهم، يقول عنهم: " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (المائدة: 13). * 7 . نحن لا ندعو الشيعة إلى مذهب ولا إلى طائفة؛ لا ندعوهم ليكونوا سلفيين ولا إخوانيين ولا تبليغيين، وإنّما ندعوهم للخروج من ضيق الطّائفة إلى رحابة الإسلام، من التعلّق بالمخلوقين إلى التعلّق بالخالق، من حياة القلوب الملأى بالضّغينة إلى حياة القلوب النقية والألسن الطّاهرة. * لو عاش المسلم حياته كلّها لم يسمع بحسن البنّا ولا بابن عبد الوهّاب ولا بابن تيمية ولا حتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين، ومات على التّوحيد والسنّة وقلبه نقيّ لإخوانه المسلمين، ما ضرّه ذلك أبدا. * 8 . لا ينبغي أن ننظر إلى الشّيعة على أنّهم أصحاب مؤامرة، بل ينبغي أن ننظر إليهم على أنّهم ضحايا مؤامرة عمرها 14 قرنا من الزّمان؛ مؤامرة بدأها اليهوديّ عبد الله بن سبأ أسوة بسلفه (بولص) الذي حرّف النّصرانية، وتوارثتها الخلايا الباطنية جيلا بعد جيل؛ مؤامرة هدفها القضاء على عقيدة التّوحيد التي تمثّل مصدر عزّ المسلمين ومكمن قوة هذا الدّين. * 9 . عوامّ الشّيعة يحبّون أهل البيت، ولكنّهم من جهة يجهلون أنّ المحبّة عبادة لها ضوابطها ونواقضها، ومن جهة أخرى يجهلون أنّ أعلام أهل البيت كانوا أهل توحيد وسنّة واتّباع، لذلك ينبغي أن تتركّز جهودنا فيما يأتي: * أ)- إخراج النصوص المبثوثة في مصادر الشيعة والمروية بطرقهم والموافقة لما عند أهل السنّة في أبواب العقائد والإتباع وأبواب الفقه وغيرها. فمِن أجلّ نعم الله جلّ وعلا على عباده أنّه جعل في كلّ مذهب باطل ما يدلّ على بطلانه، وما يدلّ معتنقه على الحقّ. * كثيرة جدا هي أقوال أعلام أهل البيت الصادقة، والمنثورة في مصادر الشّيعة، والتي يحرص علماؤهم على إخفائها أو تأويلها أو حملها على التقية، لذلك ينبغي إخراجها وعرضها على عوامّ الشّيعة، مع بيان أنّها النصوص الموافقة لكتاب الله ولسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ولحقيقة عقائد ومواقف أعلام أهل البيت، ولما روي عنهم من طرق أهل السنّة. * ب)- لفت نظر عوامّ الشّيعة إلى أنّ محبّة أهل البيت عبادة لها ضوابطها، ولها نواقضها، محبّتهم ينبغي أن تقود إلى اتّباعهم واقتفاء آثارهم، لا إلى تقديس ذواتهم، محبّتهم لا يجوز أن تكون فوق محبّة الله (جلّ وعلا) ومحبّة رسله وأنبيائه (عليهم السّلام)، ولا يجوز أن تقود إلى إهمال حقّ الله الأعظم في أن يُدعى ويلجأ إليه ويستغاث به وحده. * ج)- تصحيح تلك النّظرة الخاطئة التي علقت في أذهان عوامّ الشيعة، والتي مفادها أنّ أهل السنّة لا يحبّون أهل البيت ولا يتّبعونهم. فأهل السنّة يتقرّبون إلى الله بمحبّة أولئك الأخيار واتّباعهم، إذا تحدّثوا عن أبي بكر وعمر وعثمان، تحدّثوا عن عليّ والحسن والحسين، وإذا تحدّثوا عن عائشة وحفصة، تحدّثوا عن خديجة وفاطمة، وإذا تحدّثوا عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل والثوري والأوزاعيّ، تحدّثوا عن الباقر والصادق والكاظم، وهكذا، ... * الفرق بين أهل السنّة والشيعة في موقفهم من أهل البيت، أنّ الشّيعة لا يتحرّون الصحة في الأخذ عنهم، بينما لا يقبل أهل السنّة كلّ ما يروى عن أولئك الأخيار، وإنّما يأخذون ما صحّ عنهم، مما يوافق كتاب الله وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ويرفضون ما خالفهما، ممّا وضعه أهل الفتنة والكيد لادّعاء عداء مكذوب بين أهل البيت والصّحابة، وللفتنة بين المسلمين. * د)- إخراج النّصوص الكثيرة التي روتها كتب الشّيعة، والتي يشتكي فيها أعلام أهل البيت من كثرة الكذب عليهم، ويوصون من حولهم بمحاكمة ما يروى عنهم إلى كتاب الله (جلّ وعلا) وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). * ه)- الإشهار لدعوات التّصحيح التي انطلقت في الوسط الشيعي في إيران والعراق، وإعادة بعث تراث دعاة التصحيح وإخراجه لعوام الشيعة ليكون عونا لهم على معرفة الحقّ، فلا ينبغي أبدا أن تذهب جهود أولئك الأعلام الذين سخّروا أقلامهم وأفنوا أعمارهم وتحمّلوا كلّ صنوف التّضييق لأجل أن يعيدوا قطار التشيّع إلى السكّة الصّحيحة، لا ينبغي أبدا أن تذهب جهودهم سدى. ينبغي أن نبعث تراث أولئك الأعلام، من أمثال: شريعت سنكلجي، أبي الفضل البرقعي، أحمد الكسرويّ، إسماعيل آل إسحاق الخوئينيّ، موسى الموسويّ، حيدر علي قلمدران القمّي، أسد الله خرقاني، حجّة الله نيكوئي، عبد الوهّاب التكابني، مصطفى الحسيني الطّبطبائي، ... * 10 . في مقابل التلطّف مع الشّيعة ودعوتهم بالتي هي أحسن، فإنّه لا ينبغي أبدا أن نقرّهم على أخطائهم، أو أن نجاملهم على حساب الحقّ، لأنّنا إن فعلنا ذلك فإنّ حالنا ستكون كحال الطّبيب الذي يطمئن المريض ويمنع عنه الدّواء، ويوهمه بأنّه سليم معافى، حتى لا يصدمه بالحقيقة، بل الواجب علينا أن ننصحهم ونبيّن لهم خطأ ما هم عليه بالتي هي أحسن، ف"الدّين النّصيحة"، والمثل العربيّ يقول: "أخوك من صدَقك لا من صدّقك".