تمتاز النفس المثالية بتمتعها بحس إنساني يقظ وضمير متفتح يميل إلى التعاطف والرحمة، وينفر من القسوة والشدة، وهذه النفس تتخذ من الصدق رمزاً لها ومن الأمانة والأخلاق الفاضلة شعارا نبيلا لها، فالمسلم الملتزم شديد الخوف من الله رقيق القلب يخشع في الصلاة متفتح العاطفة سريع التفاعل والتعاون في مجالات البر والإحسان إلى الآخرين يسرع إلى إنقاذهم في شدائدهم، ويهب إلى مواساتهم في محنهم لا يقسو عليهم. يقول الشيخ فرحات المنجي، من علماء الأزهر الشريف: تحدث القرآن عن النفس المثالية في قوله تعالى:(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) سورة البقرة الآية 207 .أخبر الله تعالى في هذه الآية عن هؤلاء الموفقين الذين باعوا أنفسهم وبذلوها طلبا لمرضاة الله ورجاء لثوابه لأنهم بذلوا حياتهم لله الرؤوف بالعباد الذي من رحمته ورأفته أن وفقهم لذلك، حيث قال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) أي أنهم شروا أنفسهم وبذلوها طلباً للشهادة في سبيل الله فنالهم الفوز والتكريم من الله عز وجل وهذه من صفات المؤمنين الحميدة. نزلت هذه الآية في صهيب عندما أراد الهجرة من مكة إلى المدينة حتى يكون في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت له قريش: يا صهيب قدمتَ إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبداً. فقال لهم: أرأيتم إن دفعتُ إليكم مالي تخلُّون عني؟ قالوا: نعم. فدفع إليهم ماله فخلوا عنه فخرج حتى قدم المدينة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ربح صهيب ربح صهيب). وقال بعض العلماء إنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله دليلا على المؤمن الذي يبذل كل شيء في سبيل الله حتى نفسه، وهذه قمة المثالية في الإنسان الذي يبيع نفسه لأجل ما وعد الله به المجاهدين في سبيله. صفاتها ومن صفات النفس المثالية الأمانة والخلق الفاضل والإخلاص في العمل عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث وحفظ الأمانة وحسن الخلق وعفة مطعم) وعن أبي هريرة قال: بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدِّث إذ جاء أعرابيٌ فقال: متى الساعة؟ قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) وهناك أثر مروي عن الله تعالى في حديث قدسي: (الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). والانتصار على شهوات النفس من صفات النفس المثالية قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) سورة آل عمران الآية 14. وجاء في السيرة أن المغيرة قال: بعث عمر جيشاً فحاصروا أهل حصن وتقدم رجل من بجيلة فقاتل فقتل فأكثر الناس فيه يقولون: ألقى بيده إلى التهلكة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: كذبوا أليس الله عز وجل يقول: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد). إسوة حسنة والإسلام يحرص على أن يبلغ الإنسان الكمال المقدَّر له بتوجيه تصرفاته وأقواله وأفعاله وأفكاره وفق المنهج الذي جاء به الإسلام وتحقق ذلك كله في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أمرنا الله تعالى بالتأسي به (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقوام هذه المثالية الاعتدال والشمول والمقصود بالاعتدال عدم الإفراط والتفريط وإعطاء كل ذي حق حقه وقال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وقيل: (خير الأمور أوسطها). والاعتدال مطلوب حتى في العبادات، وتعذيب الجسد ليس من منهج الإسلام وليس من المثالية المطلوبة في المؤمن لأن مثالية الإسلام يمكن بلوغُها بنهج معتدل وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه فقالوا: يا رسول الله إنه نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال عليه الصلاة والسلام: (مروه فليتكلم وليقعد وليتم صومه) وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون (فإن لأهلك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقا فصم وافطر وصلِّ ونم). والنفس المثالية ليس معناها حرمان الإنسان نفسه أو جسده من الطيبات والمتع الحلال وليس من منهج الإسلام في بلوغ الكمال، وإنما منهجه في الاعتدال فإذا وجد الإنسان أو تيسر له شيء من الطيبات بطريق الحلال تناوله وأخذه وإذا لم يجده لا ييأس وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) فالمطلوب لبلوغ الكمال تقوى الله وليس تحريم الطيبات وحرمان الجسد أو النفس منها. والمثالية تتصف بالشمول لأن الإسلام يريد من المؤمن أن يبلغ الكمال المقدر له في جميع شؤونه ويبلغ فيها المستوى العالي من الكمال ولذلك فهم الصحابة مثالية الإسلام فلم تأسرهم عبادة ولم تقيِّدهم عادة وإنما تقلبوا في جميع العبادات والأحوال وبلغوا فيها المستوى العالي من الكمال. * الاعتدال مطلوب حتى في العبادات، وتعذيب الجسد ليس من منهج الإسلام وليس من المثالية المطلوبة في المؤمن لأن مثالية الإسلام يمكن بلوغُها بنهج معتدل وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه فقالوا: يا رسول الله إنه نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال عليه الصلاة والسلام: (مروه فليتكلم وليقعد وليتم صومه) وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون (فإن لأهلك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقا فصم وافطر وصلِّ ونم).