قال الله تعالى "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مسالما، لا يؤذي أحدا بلسانه أو بيده، فعن ابن علي رضي الله عنهما قال سألت أبي عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصنع؟ فقال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، يطوي عن أحد منهم بسره وخلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة. وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم بإنسانيته في كل شئ حتى مع الأطفال والحيوانات والنبات، فعن «أنس بن مالك» رضي الله عنه قال "ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولا عجب في هذا فالنبي الكريم هو رحمة للعالمين، فعن «الحسن بن علي» رضي الله عنهما أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال "لا والله ما كان يغلق دونه الأبواب ولا يقوم دونه الحجاب ولا يعزي عليه الجفاف ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزا، من أراد أن يلقي نبي الله لقيه"، فهكذا كانت صفات الرسول الكريم، حيث لا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضي له حاجته، وكان يعامل الخدم معاملة حسنة، فعن «أنس» رضي الله عنه قال "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط وما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته"، وعن «أنس» رضي الله عنه قال "خدمت النبي صلي الله عليه وسلم عشر سنين فما بنى سبة قط ولا ضربني ضربة ولا انتهرني ولا عبس في وجهي ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدر شئ كان". عدله وإنسانيته عامل الرسول عليه الصلاة والسلام الرقيق معاملة حسنة وأمر بعتق الرقاب وتحرير الإنسان، كما أمر بحقوق المرأة، فعن «أنس» رضي الله عنه قال كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له «أنجشة»، فاشتد في السياقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أنجشة رفقا بالقوارير". كان الرسول الكريم في منهجه ذا فكر نير، مستنير في معاملته للبشر جميعا، حيث قضي حياته مجاهدا لحرية الرأي والكلمة والأخلاق الحميدة، فعن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم «الحسين بن علي» رضي الله عنهما وعنده «الأقرع بن حابس»، فقال "إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا"، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "من لا يرحم لا يرحم". إن النبي عليه الصلاة والسلام هو الرحمة المهداة والنور الساطع، هو شمس في سماء الأنوار وقطب في فلك الأخلاق، فهو على الخلق العظيم، حيث قال الله سبحانه وتعالى فيه "وإنك لعلى خلق عظيم"، وعن «عائشة» رضي الله عنها قالت "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة قط ما لم تكن حرمة من محارم الله، وما ضرب بيده خادما ولا امرأة قط"، فالرسول الكريم لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صاخبا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، وإن صفات هذا النبي الكريم كما قال «الحسن بن علي» رضي الله عنهما "سألت عليا رضي الله عنه كيف كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال؛ كان سكوته علي أربع؛ على الحلم والحذر والتقدير والتفكير، فإما تقديره في تسوية النظر والاستماع بين الناس، وإما تفكيره فيما يبقي ويفني، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شئ، وجمع له الحذر في أربع؛ أخذه بالحسني ليقتدي به وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاد الرأي بما يصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة".