الهجرة غير الشرعية واحدة من أبرز وأهم آفات العصر التي يعرفها العالم بأسره وهي تعرف بأنها دخول شخص أجنبي إلى التراب الوطني بطريقة سرية أو وثائق مزورة بنية الاستقرار أو العمل، وبحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي وإطلالها على البحر الأبيض المتوسط وكذا قربها من القارة الأروبية فإن الجزائر تعتبر بوابة القارة الإفريقية، وهذا ما جعلها حلما بالنسبة للأفارقة الراغبين في تحقيق أمانيهم خارج بلدانهم وهذا هروبا من الفقر والجوع ومختلف المشاكل الأخرى. ولا تعتبر ظاهرة الهجرة غير الشرعية ظاهرة جديدة على الجزائر ذلك لأن الجنوب الجزائري كان قد عرفها منذ سنوات الاستقلال الأولى بسبب عوامل التصحر والجفاف الذي تعاني منه الدول الإفريقية خاصة مالي والنيجر. وتعد ولاية تمنراست بحكم مساحتها الشاسعة وتموقعها على الحدود الجنوبية مع كل من مالي والنيجر المنفذ الرئيسي للأفارقة المهاجرين نحو الأراضي الجزائرية. تعود أسباب الهجرة غير الشرعية نحو الجزائر إلى عدة عوامل منها العوامل الطبيعية والاجتماعية، حيث تلعب الطبيعة القاسية من مظاهر التصحر والجفاف المتسببين في نقص الغذاء، دورا أساسيا في ظهور البدو الرحل الماليين والنيجريين بحثا عن أماكن أخرى تتوفر فيها متطلبات العيش، وكذلك ما يساعد على نزوحهم إلى الجزائر هو قيام التوارق الجزائريين بممارسة التجارة التشكيلية وربط علاقات مع الأفارقة، ما يكرس هذا النشاط كتقليد ويزيد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتشجيعها واستقرار عائلات الأفارقة منذ سنين طويلة والتي هربت من الجوع والتصحر، ولوجود قرابة عائلية أو عرقية للفارين الجدد لتلك العائلات، حيث تقدم لهم المساعدة والإيواء وتقدر هذه الفئة ب 5 آلاف شخص يمارسون الحرف الفنية التقليدية وبيع الأعشاب التقليدية وممارسة الشعوذة، كما أن التضامن الإنساني للجزائريين تجاه هؤلاء نتج عنه هجرة قبيلتين بأكملهما إلى تمنراست وهما قبيلة (التواج) وقبيلة (بني إسحاق)، حتى وصل الأمر إلى أن عددا كبيرا من تلك العائلات المالية والنيجرية استفادت من الجنسية الجزائرية وذلك منذ مطلع السبعينيات عند قيام السلطات المدنية بضبط قوائم وسجلات الحالة المدنية حيث سجل عدد كبير من ذوي الجنسيات المالية والنيجرية، وبالتالي استوطنوا وأصبحوا جزائريين. أما فئة أخرى من المهاجرين فتتخذ من الجزائر منطقة عبور، فكل الرحلات تتم على متن السيارات السياحية، والشاحنات الصغيرة، وهذا بمساعدة المرشد السياحي (دودو) ومن أصل إفريقي (دولة البنين) وهو مقيم منذ سنوات بالحدود الجنوبية للجزائر، كما أنه أحد المتعاملين مع المهاجرين الذين لا يملكون وثائق وأوراقا قانونية وتبدأ مساعدة هذا الأخير من منطقة اغاديس التي تبعد عن الجزائر ب 600 كلم، وتستغرق رحلتهم ثلاثة أيام وفي بعض الأحيان أكثر إضافة إلى أجرة تنقلهم مع هذا المرشد تكون معتبرة مقارنة بالآخرين، حيث تقدر ب 25 ألف أورو وهو المبلغ الذي يطابق أكثر من مليوني دينار جزائري، أما التخطيط للهجرة إلى إسبانيا تقدر قيمتها ما بين 1500 و 160 دولار، وبهذا تعد منطقة تمنراست محطة للعبور واستقرار الأفارقة، فحسب إحصائيات فهناك 48 جنسية إفريقية مهاجرة بولاية تمنراست. وتحمل الهجرة غير الشرعية عدة آثار غير محمودة على الأمن القومي في الجزائر على مختلف المستويات الاقتصادية الاجتماعية والأمنية، فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي تؤثر الهجرة غير الشرعية على الاقتصاد الوطني بإخلالها بالتنظيم المصرفي من خلال خروج الأموال خارج البلاد، كما يتم نهب الآثار والتحف التقليدية القديمة، إضافة إلى ارتفاع نسب البطالة لدى سكان المناطق الجنوبية الأصليين نتيجة لمزاحمة المهاجرين الذين يمثلون يدا عاملة رخيصة، كما أن المهاجرين لم يؤثروا فقط على الاقتصاد أو على الجانب الاجتماعي، بل أنهم كانوا أيضا وسيلة لنقل الأمراض الخطيرة مثل السيدا، حيث أن ولاية تمنراست تحتل الصدارة في نسبة الإصابة بهذا الوباء الخطير نظرا لكثرة المتوافدين الأفارقة إليها، مع العلم أن عددا من العنصر النسوي الإفريقي يمارس الرذيلة في الجزائر كوسيلة لجمع المال من أجل التوجه إلى الخارج، وحسب تقارير ودراسات فقد تأكد أن خُمس الأفراد الحاملين لفيروس السيدا وحوالي مليون إفريقي معرضون للموت من هذا الوباء الخطير من جراء تنقله عن طريق الأفارقة الممارسين للدعارة في الجزائر. من جهة أخرى فإن المهاجرين الأفارقة الذين لم يتمكنوا من مغادرة الجزائر، اختاروا الحصول على عمل من طرق مشبوهة مثل السرقة وتنظيم جماعات أشرار وتكون الفئة الأكبر منهم من الشباب من مالي والنيجر، والقلة الأخرى من الجنسيات الأخرى، وهي الفئات التي تم إحصاء عدد قليل من الجرائم التي قامت بارتكابها. كما أن الهجرة غير الشرعية تمس بسيادة الدولة التي تقوم على حدود واضحة لدولة ذات سيادة، ومن هذا المنطلق فإن وحدات الدرك الوطني تجندت لمواجهة هذه الظاهرة بكل ما لديها من إمكانيات ووسائل خاصة من طرف حراس الحدود وذلك من خلال تنظيم انتشار يكفل مراقبة جيدة وواسعة للحدود برغم شساعة الشريط الحدودي خاصة في المنطقة الجنوبية حوالي 1200 كلم مربع، كما تدعمت قوات الدرك الوطني بوسائل حديثة أكثر فعالية وذلك لأجل تكثيف المراقبة في مواجهة هذه الظاهرة بغرض الحد منها، وإن كان القضاء عليها نهائيا يتطلب تضافر الجهود الدولية في استئصال الهجرة غير الشرعية او بمعالجة أسبابها أو الدوافع إليها.