بقلم: محند أزواو* نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.. جُعنا أم شبعنا.. أصحاء أم مرضى.. تقدمنا أم تخلفنا.. هذا هو ديننا الحق، نبقى ثابتين عليه، مستمسكين بحبله، ميتين إنشاء الله عليه (1). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. الفرد الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفؤا أحد.. وأشهد أن محمد عبده ورسوله.. بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين العاملين، وحسرة على الكافرين. وبعد: هذه عصارة تجربتي في النصرانية التي أنقذني منها الرحيم بعباده، وهداني بفضله لكي أنعم بدين الإسلام.. دين نصبت له اليهود والنصارى العداوة والبغضاء.. وأعلنوا عليه حملة التشكيك والتشويش والتشويه، حسدا من عند أنفسهم.. {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].. سأحاول بتوفيق من الله أن أرسم لك أيها القارئ الكريم صورة عن أسلوب من أساليب المنصرين في دعوتهم وكيف يستطيع المسلم أن ينجو من قبضتهم بإذن المولى سبحانه (2). لأنني أعتقد أن هذه النقطة التي أنا بالصدد التحدث عنها هي أصل عظيم يغيب عن الكثير ممن تنصر أو ممن يكتب عن هذه القضية عموما. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. أهمية العلم والرجوع إلى العلماء: يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: (باب العلم قبل القول والعمل: لقول الله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] فبدأ بالعلم وأن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وقال جل ذكره: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]، وقال: {وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43]، {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10]، وقال: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) و(إنما العلم بالتعلم)، وقال أبو ذر: (لو وضعتم الصمصامة على هذه -وأشار إلى قفاه- ثم ظننت أني أُنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها)، وقال ابن عباس: {كونوا ربانيين} [آل عمران: 79]: حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره). فهذه الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة وأقوال الصحابة واضحة الدلالة على وجوب العلم والتعلم والتفقه في الدين، وتُظهر جليا فضل وقدر العلماء العاملين وأهمية الرجوع إليهم في كل الأحوال. وعرفنا أيضا خطورة الجهل وعاقبته المشؤومة على العبد في الدنيا والآخرة، وكذا تعطيل العقل عن أداء وظيفة البحث والتحقيق وتدبر آيات الله المقروءة والكونية. فإذا أدركت هذا وتيقنت منه، عرفت مبدئيا عظمة الإسلام؛ إذ هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي يدعوك إلى إعمال العقل والتبصر قبل القيام بأي عمل تعبدي. ففي أركان الإسلام أوله: التوحيد الذي هو أصل بناء دين العبد المسلم. لذلك يأمرنا الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}[محمد: 19]؛ فقبل الصلاة والزكاة والصوم والحج.. وكذا المحبة والخوف والرجاء أو التوبة أو الخشوع أو البكاء... وغيرها من الأعمال الظاهرة والباطنة، لابد للعبد أن يعلم: لمن يتجه بكل هذه العبادات؟ لأن الإنسان مجبل على عبادة الله عز وجل، ولهذا الغرض خلقنا؛ يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].. والشيطان اللعين دائما في المرصاد يريدك أن تشرك بالله.. وأن ينال من عبادتك لكي تفلس وتشقى في الدنيا والآخرة. فهذا أيها القارئ الكريم أصل عظيم وجوهري، يريد الله عز وجل منك أن تعرفه وتتمسك به إذا أردت النجاة الحقيقية والسعادة السرمدية. فالعلم الشرعي هو الأصل والمنطلق؛ وما أصابنا من محن وفتن إلا بالبعد عن العلماء الربانيين والعزوف عن الأخذ عنهم، والتكاسل عن طلب العلم وهجرانه.. فاختفى العلماء الذين يكشفون سبل العلم النافع وطرق العمل الصالح، وذاع صوت السفهاء الضالين المضلين.. وانتشر الجهل.. وضعف الإيمان.. وتفشى الفسوق والفجور.. وانفصمت العقيدة والسلوك.. وافتقدت القدوة.. وذاع سوق النفاق.. فأخذت الغثائية مكان الربانية التي هي من بين أعز وأغلى ما أمرنا الله عز وجل به نحن معشر المسلمين: (وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]. فإذا كان هذا هو حالنا أو على الأقل حال بعض أفراد أمتنا.. ومع هذه العولمة الجارفة التي لم يكن الفرد المسلم أو البيت المسلم مستعدا لها ولما تحمله من نيران فتن الشبهات والشهوات؛ لا تبقي ولا تذر.. أبهذا نستغرب كيف تدك حصوننا الحضارية؟.. أنتسائل بعدئذ كيف نُضرب في صميم عقيدتنا وديننا؟ فلا غرابة أن الجاهل يتلاعب به الشيطان والأهواء.. ويتمكن منه عدوه ويذله. ولنقرأ هذا الكلام للإمام البشير الإبراهيمي رحمه الله الذي عَلم عِلم الكتاب فسبق.. يرسم لنا صورة تطير منها الألباب وتجعل المرء ينبهر من سعة أفق هذا الرجل ونفوذ بصيرته، يصف الداء ويكشف عن الدواء ببيان شاف وراق؛ فيقول رحمه الله: (.. ولو أن للدعوة المحمدية عُشر ما للدعوة المسيحية من أسناد وأمداد، وهمم راعية، وألسنة داعية، لغمر المشرقين، وعمر القطبين، ولو أن دينًا لقي من الأذى والمقاومة عُشر ما لقي الإسلام لتلاشى واندثر، ولم تبق له عين ولا أثر، وإن من أكبر الدلائل وأصدق البراهين على حقية الإسلام بقاءه مع هذه الغارات الشعواء من الخارج ومع هذه العوامل المخربة من الداخل، وإن هذه لأنكى وأضر، فلكم أراد به أعداؤه كيدًا تارة بقوة السيف، وتارة بقوة العلم، فوجدوه في الأولى صلب المكسر، ووجدوه في الثانية ناهض الحجة، وردوا بغيظهم لم ينالوا خيرًا؛ ولكنهم عادوا فضللوا أبناءه عنه، ولفتوهم عن مشرقه، وفتنوهم بزخارف الأقوال والأعمال ليصدوهم عن سبيله، وإن أخوف ما يخافه المشفقون على الإسلام جهل المسلمين لحقائقه وانصرافهم عن هدايته، فإن هذا هو الذي يُطمع الأعداء فيهم وفيه، وما يُطمع الجار الحاسد في الاستيلاء على كرائم جاره الميت إلا الوارث السفيه...) (3). الله أكبر !.. تعلموا من العلماء ثم اعملوا تفلحوا.. قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع غوغاء أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق) (4) . فاختر لنفسك ! خطورة البحث عن الله والعقيدة بتقديم العاطفة والهوى: (النصرانية لا يقبلها عقل ولا منطق؛ كيف تقبلتها إذن ؟؟).. سؤال كثير ما يطرح علي. وهنا مربط الفرس، هنا الفارقة بين دعوة الإسلام الحقة ودعوة النصرانية الباطلة وحتى كل طوائف الضلال. المنصرون يخترقوننا من هذا الباب ويتسللون إلى قلوب الشباب -بالخصوص- عن طريق العواطف، لذلك تجدهم (المنصرون) لا يحبون (بل يخافون- مجادلة المسلم الواعي العارف للتوحيد وإفلاس عقيدتهم.. أما المسلم الجاهل فهو قرة عينهم وجل همهم. أقول، إن المنصرين يُركزون على العواطف وإثارة الأهواء.. فهي ليست دعوة بالمعنى الذي تكون كسلعة تعرض للمشتري، بل تتعدى ذلك إلى حيلة وإعتداء على حرية الشخص في اختيار هذا المعتقد.. وأجترئ القول بأن المنصرون -بحكم تجربتي مع القوم ومعرفتي ودراستي لأساليهم- يمارسون غسل الدماغ. إنّ الاعتقاد في النصرانية يتمثل في الإيمان الأعمى ! فالواعظ النصراني يجمّد أو يخدر عقلك، ويركز على العواطف فقط. و أعتقد بعمق أنه بهذه الوسيلة أيضا تستقطب الطوائف الكثير من الأتباع: الأهواء تُعمي والعقل يُبصر! أيّة عقيدة تستخدم العواطف و تُغذيها، تثير الأهواء فتُعمي العقل، و كثيرا ما ينهزم العقل -الفاقد لمناعة العلم- للعواطف والأهواء إلا من رحم ربك! فيصبح الشخص الذي يتعرض لمثل هذه العملية الجراحية مستعد لتفريغ عقله أو غسل دماغه وتنفيذ كل ما يُملى عليه، مثل الإنتحارات الجماعية التي شهدتها أوروبا أواخر القرن الماضي و في أنحاء العالم. دين الإسلام يأمر فيه المولى عز وجل بإعمال العقل والاعتقاد بالدليل، ويحذر من التقليد الأعمى وإتباع الظنون وما تهوى الأنفس؛ يقول تعالى: {أفلا تعقلون}[البقرة :44]، {أفلا تتفكرون}[الأنعام:50]، {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]، ويقول سبحانه: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}[محمد: 19]، ويقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]، { قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة}[يوسف: 108] وغيرها كثير. أين النصارى من مثل هذه الآيات؟ فشتان بين دين الإسلام المبني على صحيح المنقول وصريح المعقول، وبين دين النصارى الذي لا حجة لهم فيه ولا سند إلا الأذواق والعواطف والظنون والطبول، محصورين في عمى الأهواء، وجعلوا الشك والعقل عدو لهم بعد الشيطان {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى منَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]. {إِنّهُمُ اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مّهْتَدُونَ} (الأعراف: 30) . خوارق وحقائق والنّصارى ضلّوا وأضلّوا كثيرا من النّاس بما يسمونه (الخوارق باسم عيسى (عليه السلام)) والرؤى والأحلام، في حين المستفيد الوحيد من عملهم هو الشيطان ! هذه الخوارق توجد حتى في الديانات الأخرى، حتى في الإسلام، وحتى عند المشعوذين ! لكن ينبغي على النّاس أن يأخذوا حذرهم منها؛ فإنّ الدّجّال -مثلا- سيقوم بأعمال عظيمة ليفتن ويضل كثيرا من الناس، فهل هذا يدل على أنه هو الحق. وعليه، فإنّ الخوارق -كالطيران في الهواء والمشي على الماء وغيرها كثير- ليست سندا لمعرفة الحق. ولفهم هذه القضية جيدا ولمزيد من التوسعة في هذا الموضوع، أرشد القارئ الكريم إلى كتاب ابن تيمية (رحمه الله) "الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان"، فقد فصل في الموضوع وبين كيف يتلاعب الشيطان بالناس ويفتنهم في دينهم، نسأل الله العافية. والقرآن جدّ واضح حول هذه المسألة، فعيسى (عليه السلام) يقوم بالمعجزات، لكن بإرادة وبإذن الله، مثله مثل الرسل الذين جاؤوا من قبله، يقول تعالى: (وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لآية لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49]. وكتابهم المقدّس يثبت لنا ذلك، فعيسى (عليه السلام) يقول: (أمّا إذا كنت أطرد الشياطين بإصبع الله) (لوقا11: 20)، يعني (عليه السلام) بإذن الله سبحانه. هذا وهي أيضا شهادة الناس في عصر عيسى (عليه السلام): (يا معلم، نعلم أنّك جئت من الله معلما، لأنّه لا يقدر أحد أن يعمل ما تعمل من آيات إلا إذا كان الله معه) (يوحنا 3: 2)، و أيضا: (نحن نعلم أنّ الله لا يستجيبُ للخاطئين، ولكنّهُ يستمعُ لمن يتّقيه ويعملُ بإرادته، ولم يسمع مدى الأجيال أنّ أحدا فتح عيني مولود أعمى! فلو لم يكن هو من الله، لما استطاع أن يعمل شيئا) (يوحنا 9: 31-33). قبل أن يُحيي عيسى (عليه السلام) لعازر، دعا الله أوّلا طالبا منه أن يستجيب له (يوحنا11: 41-42). لأن عيسى (عليه السلام) لا يستطيع أن يفعل أيّة معجزة بدون إذن من الله، أليس هو (عليه السلام) القائل: (أنا لا يمكن أن أفعل شيئا من تلقاء ذاتي) (يوحنا 5: 30). هذا، وإن المعجزات لا تجعل من عيسى (عليه السلام) إلها، لأن جميع الأنبياء والرسل (عليهم الصلاة و السلام) من قبله ومحمد (عليه الصلاة و السلام) من بعده، جاءوا أيضا بمعجزات التي هي في الحقيقة سند من الله سبحانه لإثبات نبوتهم وإقناع الناس بالهدى والحق. فخلاصة ما أريد تمريره لأخي القارئ هو أن الحقائق الشرعية مبدئيا لا تعرف بالعواطف والأذواق والخوارق والمنامات، فليس كل ما زين للنفس وبدا لها مليح تلهث وراءه.. ولكن بالعلم المدجج بالدليل تميز بين الغث والسمين. قال محمد بن سيرين -رحمه الله-: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). ومن شبابنا من يبحث عن الإسلام بمشاهد قنوات أهل الباطل من المنصرين، وبسماع وقراءة خصوم الإسلام وحاقديه (وأنى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك، أم كيف تؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم) (5) فياله من بحث أعرج ! هذا القرآن كلام ربنا وهذه سنة نبينا كفى بهما دليلا ومرشدا لمعرفة الحق وإدراك الصواب.. ومن ابتغى الهدى في غيرهما أضله الله. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. لستم على شيء ! ضاع ميراث التوحيد عند النصارى لأنهم ورثوا عقائد وضعية فاسدة لا علاقة لها برب السماء والأرض، ولا بدين إبراهيم أو عيسى (عليهما السلام) و لكن من بولس (6) و أمثاله الذين خرّبوا و شوّهوا وأدخلوا الوثنية في دين عيسى (عليه السلام) فضلوا وأضلوا. يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]، ويقول أيضا: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف: 40]، ويقول سبحانه أيضا: {اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلََهاً وَاحِداً لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ}[التوبة: 31]. في أحد الأيام كنت متدبرا في شأن النصارى وعقيدتهم الفاسدة ودينهم المنحرف، قلت في نفسي: "النصارى جعلوا التثليث وحلول اللاهوت في الناسوت مكان التوحيد ! و تخلصوا من الشريعة وأحكامها باسم الخلاص بالإيمان ببنوة وألوهية عيسى (عليه السلام) وحمله-زعموا-لأوزارهم! وجعلوا عبادة الصليب مكان رحمة الله الواحد الغفار! فماذا بقي من دينهم ؟!!! فأجبت نفسي: (لا شيء ! والله، القوم ليسوا على شيء). وما إن قلت هذا، حتى ذكرني الله سبحانه بقوله تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المائدة: 68]. سبحان الله! وكأنها أول مرة أقرئها. فهرولت إلى مكتبتي أنظر تفسير هذه الآية عند ابن كثير فأقرأ: "{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ} أي: من الدين"(7) سبحان الله ! كم كلفني من السنين لمعرفة هذه الحقيقة البسيطة.. يا من وسوس له الشيطان، قف مكانك ! رب العزة فضح لك أمر هذا الدين: هو لاشيء.. سراب وخراب ! فكيف يطمع فيه قلبك ؟ ويا نصراني ! لست على شيء من الدين ! افتضحت ! يديك صفر من الدين ! أنت مفلس وهالك لا محالة ! ويحك أنقذ نفسك من شبكة الشرك والضلال ! أسلم تسلم ! تب وعد إلى دين الحق، قبل أن يهجم عليك ملك الموت وأنت على هذا الحال ! إلينا.. إلينا ! مع زمرة المسلمين الموحدين لله رب العالمين ! اعلم، أعزّائي القرّاء، أنّه لم يبقى شيء من النصرانية أو الرسالة الأصلية لعيسى (عليه السلام) إلا إتباع الظنون وما تهوى الأنفس ! هذا، والنصرانية بكل مذاهبها وعقائدها: كالتثليث، وتأليه المسيح (عليه السلام)، الصلب وغفران الذنوب وغيرها، هي عبارة عن إلغاء وهدم لشريعة ولوحي الله عزّ وجل والأنبياء !!! فلقد أصبحت منذ أمد بعيد وسيلة استغلال في يد البشر لتحقيق أطماع معظمها شريرة ! والتاريخ في القديم وفي الحاضر قد أثبت هذا، وحتى في المستقبل. وأصبح أيضا مجال كبير للاستثمار والأعمال لجني الملايين وأكل أموال الناس بالباطل باسم العقيدة ! وأما أتباع مختلف الطوائف النصرانية، فهم محصورون في خطاباتهم ومواعظهم عن محبة إله لا وجود له ! يُطمئنون بعضهم البعض في النهار بسرد أحلام نسجها لهم الشيطان في الليل ! للابتهاج الروحي، يصنعون لأنفسهم الألغاز والغموض ليشعروا بأنفسهم أنهم صنف عجيب ! الترانيم والأناشيد البريئة والموسيقى الحلوة التي تُثير الصدى في كنائسهم.. كلها هنالك لتعمل عملها في إثارة الأهواء لتُموه وتلقي الستار على حيرة العقول والشك في عقيدة التثليث، وخرافة ألوهية المسيح (عليه السلام)، وإفلاس الكتاب المقدس ! فالله الكريم الرحمان أسأل، أن يُنقذ هؤلاء القوم.. وأن يهديهم إلى الإسلام.. إلى نور التوحيد، دين جميع الأنبياء (عليهم الصلاة و السلام)، آمين. (سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) [الصافات: 180-182].