بين ألعاب الفيديو.. التلفزيون.. الأنترنت.. والشارع هكذا يقضي أطفال الجزائر عطلتهم غياب برنامج للعطلة يضع أطفالنا في مواجهة عنف التكنولوجيا وجد الأولياء أنفسهم أمام موقف لا يحسدون عليه، فمع حلول العطلة الصيفية، وانتهاء الموسم الدراسي، عليهم أن يرضخوا لطلبات أبنائهم خاصة فيما يتعلق بالتمتع والتسلية التي أصبحت تتلخص في وسائل التكنولوجيا من ألعاب الفيديو والأنترنت والتلفزيون، إذ لا يمكنهم أن يصدوا أبناءهم عن حقهم في الترفيه والتمتّع بعطلتهم، وفي المقابل، فإنهم لا يقبلون أن يترك الأمر للطفل ليقضّي كامل وقته أمام تلك الأجهزة التي تحمل صوراً من العنف والخوف المغلّف بحكايات الأطفال وأحلامهم الصغيرة. تقف العديد من العائلات عاجزة عن وضع حد للتحرر الذي يجتاح أبناءها فور حلول العطلة الصيفية، فالأطفال يفرضون عليهم التمتع الكامل بحقهم في التسلية والترفيه عبر مختلف وسائل التكنولوجيا، ورغم موجة القلق التي تجتاح الأولياء من الإدمان الكبير لهذه الوسائل التي تحوّلت إلى وسائل تكريس للعنف لديهم، إلا أنه لا خيار لديهم، في ظل انعدام، وسائل ترفيه أخرى وإمكانيات مادية من أجل السفر والخروج في رحلات بحرية وترفيهية.. فهذه الحيرة الجماعية التي يشترك فيها كل الآباء والأمهات حين يتعلّق الأمر بما يحمله التلفزيون والألعاب الإلكترونية من صور، حيث يقول سلمان الراجحي، وهو مدرّس ابتدائي: (المسألة أخطر ممّا نعتقد أو نخمّن). ففي رأيه، إن (عدم مراقبة الأطفال وهم يتابعون البرامج التلفزيونية، مثلاً، يمكن أن يخلّف مآسي لا يمكن أن نتنبّأ بها، وهذا ما يحتّم علينا كآباء وأمهات تحمّل مسؤوليتنا كاملة وممارسة أشكال من الرقابة المباشرة وغير المباشرة على أبنائنا). ويرى الراجحي أنّ ابتعاد الأطفال عن المطالعة وقراءة القصص، كما كانت الأجيال السابقة، يعدُّ من أهم أسباب انصهارهم في الصورة التي يشاهدونها وليس ما يقرأونه. ويشدد على ضرورة أن يعيد الأهل إلى الكتاب قدسيته، وأن يوفّروا حوافز لأبنائهم بغية تشجيعهم على المطالعة والغوص في الأوراق التي تحمل تخمة من المعلومات، وفضلاً عن الصور التي تنشّط خيالهم وتجعلهم يفكرون ويبحثون... ويسألون. مباريات المصارعة تنافس الرسوم المتحركة يقسّم أهل الاختصاص الطفولة إلى مراحل متعددة، البداية من مرحلة المهد، أي أن يكون عمر الطفل من 0 إلى سنتين، ثم الطفولة المبكّرة من سنتين إلى 6 سنوات، فالطفولة الوسطية التي تمتد من سنّ السادسة وحتّى التاسعة، أمّا الطفولة المتأخرة، فهي من التاسعة إلى الثانية عشرة، لتأتي بعدها مرحلة المراهقة المبكّرة، ويكون عمر الطفل فيها من 12 إلى 15 سنة. وأخيراً المراهقة المتوسطة من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة. ولكل مرحلة عمرية مشاكلها وطرق التعامل معها ومعاجلتها. ويرى خبراء في علم النفس أنّ التلفزيون يعد من أهمّ الوسائل التي قد تؤثر سلباً في الأطفال، إذ (يفرز تأثيرات عدة على سلوك الطفل بشقيّها الإيجابي والسلبي). وفي هذا الإطار، أثبتت دراسات أن الصور والمضامين التي يبثها التلفزيون، فضلاً عن بقية وسائل الاتصال المشابهة، قادرة على ترسيخ أفكار الطفل وتوجهاته وتصرّفاته حاضراً ومستقبلاً. فلكلّ مرحلة عمرية من مراحل الطفولة خصائص وملامح معينة). فثمة إجماع على أن للبرامج التلفزيونية تأثيراً قويّاً ومباشراً على تربية الصغار وتنشئتهم، فضلاً عن تحديد ملامح مستقبلهم من خلال التأثير على ميولهم. وهذا ما جعل لاعبي كرة القدم أو مغنّيي الراب أو المغنين في برامج صناعة النجوم، مثلاً، هم المثل الأعلى الذي يقتدي به الطفل اليوم. ويمكن للبرامج الوثائقية المتعلقة بالطبيعة والحيوانات والاختراعات والاكتشافات، كما لبرامج الرسوم المتحركة، أن تكون من أكثر ما يستهوي الأطفال ويستحوذ على اهتمامهم، ففيها من الصور والمعلومات المفيدة ما يمكن أن يشحذ ذهن الطفل ويحفزه على التخيّل والتحليق بعيداً بأفكاره في المنحى الإيجابي الخلاّق. وفي المقابل، أصبحت البرامج التي تحمل كمّاً من العنف، مثل رياضة المصارعة الحرة التي تبثّها فضائيات عربية وأجنبية كثيرة، وكذلك بعض أفلام الرسوم المتحركة، تستهوي عدداً كبيراً من الأطفال في مرحلة عمرية متقدمة نسبيّاً، إذ يحاول بعضهم تقليد ما يشاهدونه ويطبقون بعض الحركات أو التصرفات التي قد تؤذي من يمارسها، ولو من باب التجربة. إلى ذلك، فإن للصورة الإعلانية والتلفزيونية تأثيراً غير عادي في بناء شخصية الطفل. وفي هذا السياق، يلفت متخصصون إلى أنّ تلك الصورة وأثرها في نفسية الطفل أفرزت ظواهر كثيرة مقلقة تتطلب تدخلاً عاجلاً وعلاجاً سريعاً، مثل الانحراف والإدمان على التدخين والمخدرات في سنّ مبكرة نسبيّاً، ما يجعل إمكانات الاندماج في النسيج المجتمعي صعبة جدّاً، بالنظر إلى عدم تكيّف الطفل المنحرف مع متطلبات المجتمع الذي يعيش فيه، والذي يفرض أنماطاً معينة من السلوك السويّ، وهو ما لا يملكه أصلاً أو أضاعه في زحمة الصور العنيفة التي ترسّخت في ذهنه عبر السنين. الأطفال يحصدون ما يزرعه التلفزيون صراخ بلا سبب، تكسير الألعاب وتحطيم أغراض منزلية، تصرفات عدوانية تجاه الأقران... أفعال تصدر عن الأطفال، ما يوقع ذويهم في حيرة من أمرهم، لكن المتخصصين يرون أنها ردود فعل لما يشاهده هؤلاء الأطفال في وسائل الإعلام أو في حياتهم اليومية، فالمشاجرات بين الأبوين، وضرب الزوج زوجته أمام الأبناء، الألعاب القتالية على الأنترنت أو تلك التي تتوافر على أقراص مدمجة (سي دي)، واللحظات القتالية في برامج الأطفال، أو مسلسلات الكبار التي يتاح للأطفال مشاهدتها... وغيرها، تؤثر في سلوك الأطفال في صورة مباشرة. ترى الدكتورة سلوى المآخذي، أن الأطفال أكثر عرضة للتأثر بكل ما يحيط بهم من صور، وأنهم يتأثرون بها ابتداء من أيامهم الأولى في الدنيا، وتقول: (يتأثر الطفل بالصورة والألوان منذ الأيام الأولى، وتلفت انتباهه الألوان البراقة أكثر من غيرها، وكلما كبر، كان تأثره أكبر). وتؤكد المآخذي أن للصورة دوراً مهماً في بناء شخصية الطفل، وكلما كانت الصورة أكثر عنفاً وتعرض لها الطفل فترة أطول، كان تأثيرها على سلوكه وأفكاره أكبر وأخطر في ردود فعله التي قد تكون عنيفة في شكل قد يفاجئ والديه. في المقابل، كلما كان الطفل يشاهد على التلفاز أو وسائل الإعلام الأخرى صوراً جيدة، بعيدة من القتال والعنف، فإنه ينشأ شخصية سوية ومستقرة. وتضيف: (الطفل الذي يرى مشاهد جيدة للطبيعة والسلام تكون له فرص أكبر في أن يكون طفلاً سوياً، بخلاف الطفل الذي اعتاد مشاهدة صور العنف والقتال والدمار). وترى المآخذي أن التأثر يكون أكبر لدى الأطفال عندما يشاهدون ذويهم أو الأشخاص في محيطهم يتعاملون بعنف مع بعضهم بعضاً، أو تتوافر وسائل العنف في المنزل تحت أنظار الأطفال، وبالتالي، (تكون قابلية الطفل للعدوانية أكبر تجاه الآخرين كلما كان قريباً من صور العنف أو توفر السلاح في متناول يده)، بحسب تعبيرها. فهذه المناظر تؤثر على سلوك الأطفال، وبخاصة من تترواح أعمارهم بين الولادة و8 سنوات، وهي الفترة العمرية التي تعرف بمرحلة الطفولة المبكرة. ففي هذه المرحلة، يعتمد ذهن الطفل على الصورة وكل ما يدور حوله، والتي تعتبرها المآخذي (أخطر مراحل الطفولة التي تتشكل فيها شخصية الطفل). خيال... وتقليد تعتمد بعض البرامج الخاصة بالأطفال على الخيال، وتورد أحداثاً يتخيل الطفل أنها حقيقة يمكن تطبيقها على أرض الواقع، مثل إمكان أن يعود المرء إلى الحياة بعد مقتله. وتحذر الدكتورة عفاف الحيمي، أستاذة علم الاجتماع، من خطورة المسألة، مشيرة إلى وقوع حوادث مأسوية بسبب محاولة الطفل تقليد ما شاهده على التلفزيون، وخصوصاً أن ما يقدم يخدع مخيلة الطفل الصغير في السن، فيعتقد أن استخدامه السلاح لن يتسبب في مقتل أحد وكل من سيصاب سيعود إلى الحياة مجدداً). وتحض المآخذي الوالدين على ضرورة توضيح ما يحدث (على الشاشة) للطفل، وإخباره بما يتناسب مع بيئة الطفل وقدراته، أن ليس كل ما يشاهده حقيقة. وتضيف: (المسؤولية تقع في صورة أساسية على عاتق الذين يتولون رعاية الطفل، في توضيح الفارق بين الواقع والخيال. ومع نموه ونضوجه سنة بعد أخرى، سيدرك الطفل ذلك). وتشير المآخذي إلى أن التصرفات العنيفة التي تصدر عن الأطفال، أو شعورهم بالقلق وعدم الأمان وعدوانيتهم في التعامل مع أقرانهم، والصراخ من دون سبب، وقلة النوم، وتحطيم الأشياء والألعاب، والفزع، وغيرها، كلها دلائل على أن الطفل يعيش حالاً انفعالية سلبية، نتيجة ما يحيط به من مؤثرات. وينصح المتخصصون بإعادة تأهيل الأطفال الذين يتعرضون لمشاهد العنف والدمار، لا سيما إذا عايشوها في صورة مباشرة، أو شاهدوها على وسائل الإعلام لفترات طويلة، وذلك لتجنب تأثر سلوكهم وتعاملهم مع محيطهم مستقبلاً، ولضمان نشوء جيل مستقر وسليم. بين عالم "الكرتون" والحقيقة التأثيرات السلبية لمشاهد العنف على الأطفال التي يشاهدونها عبر التلفاز أو المواقع الإلكترونية لم تعد تقبل الشك، لكنّ المشكلة الأكبر في الجزائر، تكمن في عدم وجود رقابة على طرق عرض مشاهد العنف والقتل على القنوات الفضائية، بحيث تُعرَض المشاهد الدموية على الشاشات، كما هي، بكلّ تفاصيلها الدقيقة، ما يثير إزعاج الكبار قبل الصغار، مع إضافة تعليقات مقدّمي النشرات الإخبارية التي تتضمّن كلمات تحمل جرعة عالية من الإشارات إلى العنف والقتل. وتلفت المستشارة الاجتماعية ليلى كرم، إلى أنّ (بعض الأهالي يتخاذلون من ناحية حماية أطفالهم من مشاهد العنف التي تعرضها المحطّات الاخبارية، باعتبار أنّ الأطفال يشاهدون الأفلام الكرتونية التي تتضمّن مشاهد عنف أيضاً، ما يعني أنّ عليهم التكيّف مع الواقع). لكنّ المستشارة الاجتماعية، تنقد هذه النظرة الخاطئة، لأنّ الطفل حين يشاهد (الكرتون) (الرسوم المتحركة) يعرف أنه في عالم افتراضي، أما حين يرى مباشرة جثة أو مشهداً دموياً جداً، فذلك له تأثير مختلف تماماً. ط المستشارة الاجتماعية بين التعرّض للصور والفيديوهات العنيفة والسلوك العدواني الذي يظهر جليّاً عند كثيرين من الأطفال في المنزل أو في المدرسة، ويُلاحظ، أكثر فأكثر، إقبال الأولاد على الضرب والشتم، بالإضافة إلى التكلّم عن مواضيع تتجاوز أعمارهم، مثل القتل والحروب. وتضيف في هذا السياق، إنّ (التلفاز لديه القدرة على تضخيم الأمور إلى درجة كبيرة وطبعها في الذهن، في شكل يجعل الأطفال يعيشون المشاهد التلفزيونية وكأنّها حقيقة قريبة منهم). أمّا الحلول التي تقترحها المستشارة الاجتماعية، فتشمل الرقابة الأسرية على البرامج التلفزيونية التي يشاهدها الطفل والمواقع الإلكترونية التي يدخل إليها، بالإضافة إلى تنمية قدرات الطفل على التعامل بعين ناقدة مع وسائل الإعلام والمشاهدة السليمة للبرامج، مع التركيز على المساحة الزمنية اليومية المخصّصة لمشاهدة التلفزيون بعيداً من الأوقات التي تعرض فيها نشرات الأخبار أو البرامج السياسية التي تشهد مجادلات طويلة ويمكن أن تُعرض خلالها مشاهد العنف. الرقابة تنعدم في العطلة سنوات طويلة انشغل خلالها علماء الاجتماع وعلم النفس بالتنديد بما يتعرض له الأطفال من عنف وقسوة، سواء عبر شاشة التلفزيون أم عبر ألعاب الفيديو أو الهواتف أو ال (بلاي ستايشن)... وغيرها. وخلال تلك السنوات تأرجح الأهل بين المنع والمنح، فالمهتمون منهم بصحة أطفالهم النفسية وتركيبتهم الاجتماعية، ظلوا يجاهدون ضد مدّ العنف الآتي إليهم عبر الشاشات، مرة بأسلوب الحجب ومرة بطريقة التنبيه ومرات بالعصا والجزرة، ومن الأهل من لم يجد الوقت أو الجهد، أو ربما ضنّت عليه ظروف الحياة بالوقت والجهد ليعي خطورة ما يتعرض له الأطفال من عنف، ومدى جاذبيته. أما الصغار أنفسهم، فإنهم (كغيرهم من فئات البشر) يجدون أنفسهم واقعين بين شقي رحا الممنوع والمرغوب، يذعنون للأهل حيناً ويراوغون حيناً آخر، ويعتريهم الشوق وحب الاستطلاع دائماً. ليس هذا فقط، بل لم يعد التلفزيون وحده المتهم بنقل العنف إلى داخل عقول الأطفال، ومن ثم وجدانهم وتكوينهم النفسي، بل إن مجريات الحياة اليومية أصبحت تضمن نقل هذا العنف مباشرة إلى الصغار من دون وسيط. تقول هاجر (38 سنة)، وهي أم لطفل في السابعة من عمره، إنها كانت تبذل جهوداً كبيرة لتجنيب صغيرها متابعة مشاهد العنف التي باتت وجبة يومية في نشرات الأخبار وغيرها من البرامج. لكن جهودها بدأت تتضاءل، مع شعور الطفل بمشاعر الاحتقان المتزايدة بين المواطنين في الشارع. وتشرح: (أثناء عودة ابني من المدرسة يشاهد الكثير من (الإشكالات) بين الناس لأتفه الأسباب. وقبل أيام، كنت قد وعدته بأن أصطحبه إلى مركز تجاري شهير، وقبل أن نصل بدقائق عرفنا أن معركة عنيفة اندلعت هناك وجرى تهشيم واجهات المحال التجارية. العنف إذاً أصبح يدق بابنا من دون استئذان). يقول الباحث في علم الاجتماع محمد غالب، إن (ما يحدث اليوم يدفعنا إلى التفكير خارج الأطر التقليدية، من حيث توجيه عبارات النصح والإرشاد السابقة التعليب عن ضرورة مراقبة الأهل للأبناء أثناء مشاهدة التلفزيون، أو ألعاب الكومبيوتر، أو ما شابه، فالعنف الذي كان حكراً على نوعية أفلام بعينها، أو يأتي موسمياً عبر نشرات الأخبار، أو معروفة أسماؤه من خلال ألعاب إلكترونية افتراضية، بات واقعاً ملموساً اليوم). مشاهد الحروب تسبب 40% من حالات الاكتئاب حذرت أخصائية نفسية من تأثير تغطية القنوات الفضائية للحروب على الأطفال تحت ال18 سنة الذين يشكلون في السعودية أكثر فئة بالمجتمع .. وتقول الاختصاصية النفسية، إن تواصل عرض مشاهد الحروب والصراعات الدائرة في المنطقة العربية، من خلال مختلف القنوات الفضائية، يساهم في رفع نسبة العدوانية لدى الأطفال عصبيي المزاج من ذوي الطبيعة العدوانية مما يؤدي لتفاقم هذه الحالة حين يصبح الطفل شاباً إن لم يتم علاجه في المراحل الأولى من الحالة. وأضافت أن هذه المشاهد تزيد حالة الأطفال عصبيي المزاج من ذوي الطبيعة العدوانية سوءاً، وترتفع نسبة العدوانية لديهم، لأن الطفل العدواني بطبيعته لا يهاب المخاطر، وغير واعي الضمير أو مدرك للأخطار المحيطة به، مما يؤدي إلى حالة غياب الشفقة عنده مصحوبة بحالة من التلذذ عند الإقدام على تعذيب حيوان أو أحد أقرانه في السن أو بمشاهدته لمناظر التعذيب والعنف أو الدمار أثناء مشاهدته التغطيات التلفزيونية للحروب. وتؤكد نفس المتحدثة، أن هناك أثراً نفسياً سلبياً على جميع المشاهدين لهذه المشاهد التي تبثها الفضائيات للدمار ومناظر الجثث أثناء تغطيتها للحروب، موضحة اختلاف حجم التأثر من شخص لآخر، (فمن الطبيعي وجود الرحمة والرأفة عند عموم البشر بالتفاعل مع رؤية أطفال يموتون والتأثر بتلك المشاهد) - وتضيف: (كما أن هناك أناساً يتأثرون تأثيراً مؤقتاً لحظة المشاهدة، وبمجرد أن يأتي اليوم الثاني يزول هذا التأثر مضيفة أن هناك أيضاً أناساً يبقى تأثرهم ويتفاقم مع مرور الوقت لدرجة أنها تتوقف كل مجريات حياته اليومية بشكل كامل وهذا غير طبيعي أن تتوقف حياة الشخص اليومية بسبب مشهد تلفزيوني عابر. إذ يسترسل الطفل في التفكير والتخيل ويقارن هذه المشاهد بما سيحدث لأبنائه وأسرته انطلاقاً من هذا المشهد لفترة طويلة ليسيطر عليه ويتعامل مع أموره اليومية المستقبلية بموجب انطباعاته عن هذا المشهد، وتأتي أعراض التأثر على شكل حالة فوبيا (خوف مبالغ فيه) من الدم، أو الناس الأغراب الذين قد يقومون بزيارة عائلة هذا الطفل في منزلهم مثلاً، أو الخروج من المنزل، أو إصابته بنوبات هلع نتيجة للأصوات العالية مثلاً، أو التبول الليلي اللاإرادي، أو الانعزال عن عائلته وأقرانه في السن، وقلة النشاط العام، وعدم التفاعل مع المجتمع كاللعب مع أصدقائه، وقلة الشهوة للطعام، وتؤدي هذه الحالات إلى الاكتئاب إن لم يتم علاجها في مراحلها الأولى.