مباريات كرة القدم، المسلسلات المدبلجة، والأغاني الغربية، هي من بين اهتمامات أطفال 2011، أو هذا ما لاحظناه ونحن نسأل البعض منهم، وقليل من هؤلاء من أجابنا بأنه يشاهد الرسوم المتحركة، وإلاّ فليست، بالطبع، تلك التي تعرض على القنوات الوطنية، بل على القنوات العربية، وخاصّة الفرنسية. فهل المشكل في الرسوم المتحركة، أو الأطفال، أو أوليائهم، أو الزمن؟ م. مهدي سؤال يبدو ثانويا للبعض، وهاما للبعض الآخر، من حيث أنّ للرسوم المتحركة أهمية قصوى في تربية الطفل، وتنمية قدراته الفكرية، وتعليمه، بل ومده بالأخلاق، والتربية، وأكثر من ذلك تنمية لغته، وغير ذلك من المور التي لا يغفل المختصون في التحدث عنها، والتذكير بأنّ الرسوم المتحركة هي أهم برنامج يمكن للإنسان أن يطلع عليه، يكون ذلك في فترة محدودة من فترات حياته، صحيح، ولكنها فترة هامّة، وفترة حسّاسة بالنسبة له، وهي فترة التلقي، ولهذا، فانه حتى الكبار يتذكرون جيدا، وربما بأدق التفاصيل بعض الرسوم المتحركة التي شاهدوها والتي أثرت فيهم، وهم صغارا، وشعوريا، أو لا شعوريا، جعلتهم يغيرون بعض تصرفاتهم، جعلهم يحلمون، ويتمنون، وربما يختارون مهنة مستقبلية، أي أنها قد غيّرت حياة الكثيرين، ومن المفروض أن يكون ذلك التغيير إلى الأفضل، حيث أن الرسوم المتحركة، وفي كل بقاع الأرض هي وسيلة هامة للتربية، ويحرض مخرجوها على حشوها بالمبادئ الأساسية، والرسائل التوجيهية، ولو أنّ لكل مجتمع مبادئه الخاصّة به، إلاّ أنّ هناك مبادئ متّفق عليها لدى الجميع، كالخير، والعلم، والأمانة، وهو ما نلاحظه إذا عُدنا إلى بعض الرسوم القديمة، مثل الغابة الخضراء، والتي بطلها سنان، وإلى سالي، والفهد الوردي، والسنافير، وحتى كابتن ماجد، وغيرها، ولكن هل لا تزال الرسوم المتحركة تلعب نفس الدور؟ وهل لا يزال التلاميذ يركضون بعد ساعات الدراسة في العودة إلى منازلهم لمشاهدة هذه السلسلة او تلك؟ في مدرسة عين الله 2 التقينا ببعض التلاميذ لدى خروجهم بعد انتهاء الدروس، سألناهم عن الرسوم المتحركة المفضلة لديهم، بعضهم تحمس للرد، مثل سيد علي، 10 سنوات، الذي قال دون تردد: "أحب رسوم المونغا الفرنسية" ويقصد تلك المترجمة إلى الفرنسية، وعن المسلسلات التي تبث على القناة الوطنية يقول: "لا أشاهدها لأنهم دائما يُكررون نفس الشيء، هناك". سعد لاعب كرة السلة، وهناك رسوم عن السيارات الصغيرة دائما يعيدونها حتى حفظناها، أما المونغا فهي أحسن" أما رضوان، 9 سنوات، فقال: "الزهرة البيضاء، وسحر الحب هما المفضلان لدي" يتحدث عن مُسلسلين تركيين، وعندما سألناه عن سر متابعته لهما، يجيب: "أخواتي في البيت يتابعن هذه المسلسلات، ولا يتركنني أشاهد ما أحب، ولكن مع الوقت صرت أتابعها أنا أيضا، وأتحدث عنها معهنّ، والجميل فيها أنها يبثونها مساء، ويكون لدي الوقت لمشاهدتها". وعما إذا كان يحب الرسوم المتحركة يقول: "ليس كثيرا، كنت أشاهد بوكيمون، ثم كثرت الأجزاء، فاختلط عليّ الأمر، ولم اعد أتابعه، ثمّ إنّ أسرتي كلها تتابع تلك المسلسلات التركية والسورية، وهي حقيقة ممتعة، ويمكن أن نمضي الوقت الكثير من مشاهدتها، وحتى أمي التي تحدد لي وقتا لكل شيء، للدراسة ، والأكل، والنوم، لا تفعل عندما يتعلق الأمر بتلك المسلسلات" قال لنا رضوان هذا، ولكن هناك من يعتبر الرسوم المتحركة تسلية لا تعني شيئا، مثل عمار، 11 سنة، والذي يقول:"لقد كبرت على الرسوم المتحركة، وأنا لا أشاهد إلا المباريات الكروية، لأنني رياضي، ويهمني أن أرتابعها". عيسى، 10 سنوات، من جهته قال: "لا تهمني الرسوم المتحركة، بل إنني متابع للأفلام الجديدة، والتي فيها إثارة، وتشدني إلى شاشة التلفزيون، وأحفظ أسماء كل الممثلين، والمخرجين، ويمكن أن اذكرها لكوم، خاصة وأنني كنت اعمل في الصيف مع أخي، والذي يملك محلا لتأجير وبيع أقراص الأفلام، وهو الأمر جعلني أهتم أكثر بهذا الميدان، ولكن، مع ذلك، يحدث لي أن أشاهد رسوما متحركة، ولكن إن كانت قد أثارت ضجة، وتابعها الكثيرون، فأراها فقط من اجل التسلية". لم نبرح المدرسة إلا ونحن نأخذ رأي المدرسة نادية صبيطي، والتي تمتهن التعليم منذ أزيد من خمس عشرة سنة، أخبرتنا عن الظاهرة: "يمكن أن نصنف تطوّر الرسوم المتحركة إلى ثلاثة مراحل، وهذا ليس تصنيف علمي، ولكنه اجتهاد شخصي، إذ أنني احسب أن البداية كانت مع الرسوم المتحركة المدروسة، والتي كانت تبث لكي تهذب وتربي، وحتى وان كانت تجارية، إلاّ أنها كانت تمر على هيئات رقابة، وهو الأمر الذي جعلها ذات قيمة عظيمة، ثم جاءت ظاهرة أخرى وهي المونغا، خاصة تل ك المحرضة على العنف، ثم صارت محرضة على كل الآفات السيئة، بل ولم تعد لها حدود أصلا، مثل "دراغون بول زاد" بداية التسعينات، والذي برأيي كان رائد الفساد في هذا المجال، فبالإضافة إلى تحريضه على العنف، فإنك إن شاهدته فلا تجد له معنى، فكل شخصية من شخصياته لها طبيعتها وتكوينها، وأيضا هناك الأشرار، وحتى الأخيار ليسوا إلا مجرمين، وأشخاصا عنيفين، وحتى سيناريو الرسوم ليس فيه معنى، حيث أنه خيالي فوق اللازم، ولا يربي ولا يهذب، ولا شيء، بل لا يفعل سوى إفساد الذوق، وإذا تحدثنا عن مرحلة ثالثة، فإننا نقول أنها تلك التي واكبت غزو الفضائيات، وفي عصر رأسمالي صار فيه كل شيء عبارة عن سلعة، وتجارة، وفان الأعمال التجارية غزت حتى الرسوم المتحركة، فصرنا نرى تلك المونغا قد تطورت وصارت بدون معنى ولا فائدة، ترتكز، خاصّة، على الصورة، والتقنيات الحديثة، والدهشة، أما السيناريو، والرسائل التي من المفروض أن تكون موجهة فلا وجود لها، وهو الأمر الذي جعلها أعمال سخيفة ينفر منها حتى الطفل". وعن التناقض بين قولها أنها أعمال تجارية، وفي نفس الوقت ينفر منها الأطفال تقول: "أي أنها أعمال تثير ضجّة لوقت محدد، ثمّ تختفي إلى الأبد، وخاصة من ذاكرة الطفل، وخاصة الأعمال بتقنية الأبعاد الثلاثية السخيفة، والرسوم المتحركة التي لا يتذكرها الطفل عندما يكبر ليست رسوما تستحق الاهتمام، وبالنسبة لتجربتي كمعلمة، فأستطيع أن أقول لك أنّني عايشت فرات كان فيها الطفل يتجه إلى البيت مسرعا لكي يشاهد الرسوم المتحركة، أما الآن فلاحظت أنهم اتجهوا إلى الأعمال الخاصة بالكبار مبكرا، ورغم أنني أحثهم على مشاهد الرسوم المتحركة، ولو أنها تافهة، إلا أن لهم ذوقا مميزا، ويستطيعون التفريق بين ما جيد ورديء، وهو الأمر الذي افقدني حتى الحيلة في إقناعهم". كان موقف الأستاذة عدوانيا اتجاه هذه الأعمال الجديدة، ولكن هناك من يعتبر أن الكبار عادة ما يعتبرون أن فترة طفولتهم هي الأحلى، ويرون أنّ كلّ شيء كان جميلا فيها، حتى لو كانت البلد في حرب ودمار، وعندما يكبرون تبدو لهم الرسوم المتحركة سخيفة، ولا يحنون إلاّ لتلك التي شاهدوها في صغرهم، ولهذا لا يمكن أن يروا العالم بعين الطفل، تماما مثلما قال لنا الدكتور أمحند كسايس، والذي يعتبر رأيه مهما من حيث انه طبيب أخصائي نفساني، وقد عالج حالات لأشخاص لم يكبروا بشكل عادي، ومن بين الأشياء العادية التي يجب على الطفل أن يمر بها، يقول محدثنا، أن يشاهد الرسوم المتحركة، ويضيف:"لا بدّ على الطفل أن يعيش فترة طفولته كما يجب، أي أن يلعب، ويتعلم، ويقوم، ربما، بحماقات، وكذلك أن يشاهد الرسوم المتحركة، والتي تعتبر هي أيضا شيئا هاما، ستقول لي أنّ الرسوم المتحركة لم تكن من قبل، وسأقول أنّ الطفولة التي يحياها الطفل لا بدّ أيضا أن تكون مناسبة للعصر الذي يعيش فيه، وفي العصر الذي نعيش فيه للرسوم المتحركة أهمية قصوى، بل فوائد كثيرة لا سبيل لحصرها، غير أنّ الملاحظ أن الكثير من الأطفال يعزفون عن تلك الرسوم، البعض منهم يعتبرها حماقة، وآخرون يفضلون المباريات، والمسلسلات، ولكن المذنب ليست تلك الرسوم بحد ذاتها، فبطبيعة الحال نحن ككبار لا يمكن أن تروق لنا، وأنا الذي انتمي إلى الجيل الثالث تقريبا، منذ أن بلغت سن الرابعة عشر لم أعد أشاهد تلك الرسوم، وكنت أعتقد أنها حماقة، ولكنها كانت تعجب أطفال تلك الفترة، وهكذا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ اللوم يقع على الأولياء، مثل الطفل الذي حدثتني عنه، والذي يتابع المسلسلات مع أخواته، كما يوجد بعض الأولياء من يمنع تلك الرسوم على أبناءه بحجة أنها سخيفة، وغير مفيدة، وهو أمر غريب، وهناك، بالعكس من ذلك، من لا يهتم بما يشاهده ابنه او ابنته، ولكن يهتم بمن يصاحب، ولكن هذه أهم من تلك، وأكثر خطرا على الابن، إن كان يشاهد مسلسلات فاسدة، أو تحرض على الفساد، وهو ما يحدث، للأسف".