أقرّ البرلمان التركي تعديلا مثيرا للجدل على طريقة عمل الجيش التركي وعقيدته العسكرية التي استندت منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة على (صيانة الجمهورية التركية وحمايتها)، وهي العقيدة التي اعتمد عليها جنرالات تركيا في تبرير انقلاباتهم المتعددة على مدى عقود من القرن الماضي. وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم قد تقدم بطلب لتعديل المادة 35 من قانون عمل الجيش الذي صدر بعد انقلاب عام 1960، في خطوة تسعى لحرمان العسكر في تركيا من تبرير الانقلابات العسكرية بعدم قدرة السلطات المدنية على الدفاع عن المبادئ الدستورية. وتحد الصيغة الجديدة التي جرى التصويت عليها من مجال تدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية، محددة دورها ب (الدفاع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج)، والردع الفاعل والمشاركة في العمليات الخارجية التي يقرها البرلمان، بدلا من "صيانة الجمهورية التركية وحمايتها". وتم إقرار التعديل بدعم أحزاب المعارضة باستثناء حزب العمل القومي الذي اعتبر أن هذا التعديل سيعقد مهمة الجيش في مكافحة التمرد الكردي المستعر في جنوبي البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتسبب حتى اليوم بمقتل عشرات الآلاف من المواطنين والعسكريين الأتراك. وأقر النواب بشكل نهائي النص الجديد مساء أول أمس في تصويت على مجمل مشروع القانون الذي يشمله، ومن المنتظر أن يصادق عليه رئيس الجمهورية ليدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. ويندرج تعديل المادة 35 في إطار رغبة النظام السياسي التركي في الحد من نفوذ الجيش في الحياة السياسية. وقد أجرى الحزب الحاكم منذ توليه الحكم عام 2002 عدة إصلاحات في هذا الصدد، خاصة وأن فصل الجيش عن السياسة يعتبر من أهم أسس الديمقراطية الغربية، وتحقيق ذلك من شأنه تسريع مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وابتداء من عام 2007 ألقي القبض على المئات من ضباط الجيش ومن بينهم عدد من المتقاعدين، وحوكموا بتهم التآمر على النظام التركي. جدير بالذكر أن الجيش التركي كان قد نصب نفسه حاميا للمبادئ الجمهورية، وقام بعدة انقلابات عسكرية عام 1960 و1971 و1980، وأجبر عام 1997 حكومة نجم الدين أربكان الإسلامية التوجه على الاستقالة. وفي سياق مغاير ذكر مراقبون أن عملية السلام التي تجريها السلطات التركية مع منظمة حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من ستة أشهر (دخلت مرحلة حرجة) بتعيين جميل بايق رئيسا للمجلس التنفيذي لاتحاد الجماعات الكردية التي تندرج تحتها المنظمة الانفصالية. ونقلت عدة صحف تركية عن مصادر مطلعة في تصريح صحفي قولها إن (بايق الذي تولى مهمته الجديدة في المنظمة الانفصالية بأمر من الزعيم المحبوس مدى الحياة عبد الله أوجلان من الممكن أن يتسبب في ظهور عوائق ومشكلات في طريق استكمال عملية السلام). وأرجعت المصادر ذلك إلى (تأييد بايق الكفاح المسلح بدلا من النضال السياسي، وإلى صلته الوثيقة مع كل من إيران وسوريا وكذلك مع منظمة (أرجينيكون) الإرهابية).