في هذه الأيام المباركة - التي تُظهر لغيرنا من الأمم تميُّز دينِنا وخيرية أمتنا - تُحلِّق الروح في سماء الطُّهر، بيد أن سعادتها بسموِّها لا تَكتمِل وهناك على الأرض من يفتقد الابتسامة؛ لضيق ذات اليد، ووطأة الظروف، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفاوت دخل الفرد بطريقة لا تتناسَب وما يبذله من جهد، وأسباب أخرى كثيرة تمثِّل آفات اجتماعية خطيرة، ما يَنبغي لنا أبدًا كمسلمين غضُّ الطرف عنها وكأنها لا تخصُّنا، فكلنا إلى الله راجع لا محالة، ومحاسَبٌ بلا شك، والكيِّس الفَطِن من عمل لمثل هذا اليوم. ويأتي إنفاق المال ابتغاء مرضاة الله - دونما رياء أو مباهاة، أو منٍّ أو أذى - من أوسع الأبواب لرسم بسمة على شفاه بائسة أو مُداواة جرح - والجروح كُثر - من جراح المَحرومين. إن أجمل ما في رمضان هو إحساس القادر بغيره، فلك أن ترى ما يُحدِثه الجوع بك وغيرُك يجوع كرهًا، فنحن في الصيام نعيش ظرف الحاجة تطبيقًا لفريضة، فما بالنا بمن يعيش الظرف على مدار العام ولا يَجد من يشعر به؟ إن ابتسامتنا لن تكتمل إلا بعزة كل مسلم، وشعورنا بعدم التقصير تجاهه، فإن كانت النفس قد جُبلَت على حب المال وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 20]، فالله - سبحانه جلَّ شأنُه - أخبرنا: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1 - 3]، وطمأننا على نتيجة مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261]. إن مشروعية الإنفاق من زكاة أو صدقة تعزِّز قيَم المشاركة الوجدانية والشعور بآلام الغير، وتُعضِّد سبل السلام الاجتماعي، فلا مكان لأنانية أو منَّة، فجمال دينِنا في جعل الزكاة حقًّا لمُستحقِّها، وليست هبة أو مِنَّة من مُخرِجها، فتُصان للمسلم كرامته وعزته.