تدور على ألسنة بعض الناس -وخاصة العوام منهم- في مناسبات معينة، جملة من الأقوال والأحاديث، تُذْكَر على أنها أحاديث نبوية صحيحة، وذلك كفضل قراءة بعض سور القرآن الكريم، أو قراءة أذكار معينة في أوقات محددة، أو فضل صيام بعض الشهور والأيام، ونحو ذلك. ومن منطلق الواجب الدعوي نرى لزاماً علينا أن نقف عند بعض هذه الأقوال؛ لنبيِّن مدى صحتها، محاولين في ذلك نقل أقوال أهل العلم في الحكم على تلك الأحاديث. مع الإشارة إلى أن مجال حديثنا مقتصرٌ على الأقوال المشتهرة على ألسنة الناس، والمتعلقة بصيام شهر رمضان المبارك، سواء ما كان منها ضعيفاً أو موضوعاً. فمن ذلك حديث: (صوموا تصحوا)، وهو حديث ضعيف، وإن كان معناه صحيحاً، ومنها حديث: (يوم صومكم يوم نحركم)، وهو حديث لا أصل له، كما قال الإمام أحمد وغيره. ومنها حديث: (خمس يفطِّرن الصائم، وينقضن الوضوء: الكذب، والنميمة، والغيبة، والنظر بشهوة، واليمين الكاذبة)، وهو حديث ضعيف، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديثُ كَذِبٍ، واقتصر الشيخ السبكي على تضعيفه. ومنها حديث (لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان، إن الجنة لتزيّن لرمضان من رأس الحول إلى الحول)، والحديث طويل. قال المنذري: في (الترغيب): ولوائح الوضع ظاهرة على هذا الحديث. وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر أن ابن خزيمة أخرج هذا الحديث في (صحيحه) قال: وكأنه تساهل فيه، لكونه من الرغائب. ومنها حديث: (لا تزال أمتي بخير ما أخَّروا السحور وعجَّلوا الفطر) رواه أحمد. والحديث منكر كما قال المحدثون، والصحيح من ذلك حديث: (لا تزال أمتي بخير ما عجَّلوا الإفطار) رواه الإمام أحمد أيضاً. ومنها حديث: (أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة). قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: (لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله) والحديث فيه هشام بن أبي هشام وهو متروك. ومنها حديث: (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد)، أشار ابن القيم إلى تضعيفه، وقال الألباني: إسناد هذا الحديث ضعيف. ويغني عنه حديث: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه ابن حبان، وله شواهد بألفاظ مختلفة. ومنها حديث: (لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان)، وهو حديث موضوع. ومنها حديث: (إن الله تبارك وتعالى ليس بتارك أحداً من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له) وهذا الحديث لا يصح، كما قال نقَّاد الحديث. ومنها حديث: (من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة، ولا مرض، لم يقضِ عنه صوم الدهر كله وإن صامه) ذكره الشيخ الألباني في (ضعيف الترمذي). ومنها حديث: (من اعتكف عشراً في رمضان كان كحجتين وعمرتين)، وهو حديث موضوع، ذكره الشيخ الألباني في (السلسلة الضعيفة)، و(ضعيف الترغيب والترهيب)، و(ضعيف الجامع الصغير). ومنها حديث: (كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر)، وهو حديث موضوع كما ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة، وهو خلاف حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة). والأقوال المتناقَلة والمتداولة بين الناس من هذا القبيل كثيرة، فعلى المسلم أن يكون على بيِّنة من أمرها، وأن يربأ بنفسه أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً لم يصح عنه، وقد ثبت في الحديث المتواتر قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري ومسلم. ومن طريف ما يُروى في هذا الصدد، أن أحد الوضاعين للحديث سُئل لماذا يضع الحديث، ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب معتذراً: أنا لا أكذب عليه، وإنما أكذب له! ولا يغيب عنك أخي الكريم أن شرع الله لا يُتلقى من أفواه الناس كيفما جاء وكيفما تيسَّر، وإنما هناك طرق وسبل لا بد للمسلم أن يسلكها ليصل إلى الحق والصواب، وليسير على هدى وبينة من أمره. وفقنا الله وإياك لصالح العمل، وللعمل الصالح.