من الثقافة الشرعية التي تعد مكونا من مكونات ثقافة الأمة، الأحاديث النبوية، ولا يكاد يوجد مسلم إلا وهو يحتفظ بذاكرته مجموعة من الأحاديث قلت أو كثرت في مناسبات مختلفة، والاستشهاد بالحديث لدى عموم الناس أسهل وأسرع من الاستشهاد بالقرآن نظرا لإمكان روايته بالمعنى في حين أن القرآن لا بد أن يروى كما أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونظرا لأن عموم الناس يستمعون إلى الدعاة والوعاظ أكثر من استماعهم إلى العلماء والفقهاء، فقد ورثوا عن الدعاة مجموعة من الأحاديث الضعيفة والمنكَرة والموضوعة ليست قليلة ولا يسيرة، بل إن بعض العلماء والفقهاء يتبنون مذهب قبول الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال فلا يتحرجون من روايتها على مسامع الناس متى كانت بعيدة عن الأحكام العملية والأصول العقدية، مع أن من قرر هذا المذهب من أهل العلم شرط في قبول رواية الأحاديث الضعيفة أن ينص راويها أثناء الرواية على ضعفها حتى لا يجزم السامع بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكاد أحد يلتزم بهذا الشرط! فإذا أضفت إلى هذا أن كثيرا من العلماء والفقهاء اكتفوا بالتخصص في علومهم وأعرضوا عن علم الحديث أدركت مدى ما يمكن بثه وإذاعته على مسامع الناس من الأحاديث الواهية والضعيفة. ونحن مع المحققين من العلماء الذين لا يقبلون الأحاديث الضعيفة في أي مجال من مجالات الثقافة لا في الدين ولا في الدنيا، لا في العقائد ولا في الأحكام، لا في الفضائل ولا في المفضولات، ونرى مع المحققين أن في الصحيح غنى عن الضعيف فضلا عن الموضوع. فلهذا نذكر هنا مجموعة من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة المتعلقة بشهر رمضان، ونكتفي بما يشتهر على الألسنة منها، نذكر هذا تحذيرا من روايته، ومساهمة منا في تنقية ثقافة الأمة من الثقافة المدخولة والمغلوطة، وحتى لا يتكرر الخطأ مع الأجيال الناشئة فيحفظوها على أنها دين، من ذلك: 1- "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون الجنة، وتعوذون من النار". وهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة. 2- حديث (صوموا تصحوا) وهو حديث ضعيف، ضعفه الحافظ المنذري في "تخريج إحياء علوم الدين" (3/ 75)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1/330) وإن كان معناه صحيحاً. 3- "من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه" ضعيف، وقد أشار لذلك البخاري بقوله: "ويذكر "وضعفه ابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 238) والمنذري والبغوي والقرطبي والذهبي والدميري فيما نقله المناوى والحافظ ابن حجر. وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح، حديث رقم (15). 4- "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إلى خلقه، وإذا نظر الله عز وجل إلى عبده لم يعذبه أبدا، و لله عز وجل فى كل ليلة ألف ألف عتيق من النار" موضوع (يعني مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم) قال بذلك ابن الجوزي، والألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 470). 5- (لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان...) موضوع (يعني مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم) قال بذلك ابن الجوزي والألباني وغيرهما. وقال ابن حجر عنه: ضعيف جدا. 6- (يوم صومكم يوم نحركم) قال عنه السيوطي في الآلئ: كذب، لا أصل له. وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد بن حنبل كما نقل السخاوي في المقاصد. 7- (أول شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وأخره عتق من النار) ضعيف، نص على نكارته الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (4/70). 8-ومنها حديث (خمس يفطِّرن الصائم وينقضن الوضوء: الكذب، والنميمة، والغيبة، والنظر بشهوة، واليمين الكاذبة) موضوع. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديثُ كَذِبٍ، وقال بوضعه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع (2849) وليس معنى هذا التساهل في هذه المحرمات، فإنها تفطر الصائم وتوجب القضاء عند ابن حزم والإمام الأوزاعي، وتنقص الأجر عند بقية الأئمة، ولكن المقصود أن نسبة هذا اللفظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تجوز. 9-ومنها حديث (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) ضعيف، أشار إلى ضعفه ابن القيم في زاد المعاد، ونص على تضعيفه الشيخ الألباني في تمام المنة وغيره، وفي الصحيح غنية، فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، انظر حديث رقم (1797) وشتان بين اللفظين. 10- ومنها "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي" ضعيف، نص الشيخ الألباني على تضعيفه في السلسلة الضعيفة، رقم (4400) 11- ومنها: "نوم الصائم عبادة" ضعيف، نص على تضعيفه الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم (4696). 12- ومنها: "انبسطُوا في النفقة في شهر رمضان، فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله" ضعيف، نص على نكارته الألباني في السلسلة الضعيفة، حديث رقم (6599). 13- ومنها: "لو أن الله عز وجل أذن للسماوات والأرض أن تتكلم لبشرت الذي يصوم شهر رمضان بالجنة" موضوع، ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة.