ها هي الأيام المُباركات ترحل بالرحيل، وترسم للشوق إلى معاودتها أجنحةً من نور، تُجبِر العين على ذرف دموع حارة لفراقها لليالٍ طاهرات، سمت فيها أرواح (الصائمين حقاً) فوق كل الشهوات، فأعمَل فيها الصوم ما أعملَه من جبرٍ للعيوب، وسترٍ للخطايا، فكان العلاج الناجع، والشفاء المُرتجَى. ويقبل علينا (العيد) كمكافأة (للطاعة)، لا يستشعر لذتها حقاً إلا من أخلص وتدبَّر، وعلم فعمل، وأدرك فوعى، ولحق (قطار العبادة)، وتخلى عن كل (عادة). لنتأمل مابين الأقواس من مفردات، تنسجم وطبيعة ماكان من (صيامٍ) و (قيام)، و(تضرعٍ) و(تهجد)، وكيف كان حالنا مع (محطات قطار العبادة)، التي كانت تنقلنا كما (الفراشات) بين (أزهار الحقول)، فحصدنا (لذة الطاعة)، بعدما أدركنا (الغاية)، وتخلينا عن (العادة)، وكانت كل أفعالنا (عبادة). إن المُتأمِل لجمال وعظمة ورُقي ديننا الإسلامي الحنيف، لن يجد مشقة أبداً في (مُعانقة الحكمة) من كل أمر، و(التميُّز) في كل (فريضة) اختصنا بها رب العالمين، وعليها دلنا سيد الأولين والآخرين (صلى الله عليه وسلَّم). لننظر إلى أعياد الآخرين، وإلى (جمال أعيادنا)، وعظمة ورقي ديننا الحنيف. غيرنا أعيادهم تخاطب (لغة الجسد) وشهواته، وأعيادنا تعانق (الروح) بعمقٍ لا يُدركه إلا كل راشدٍ حكيم. أعيادهم يلازمها (قرع الكؤوس) و( ممارسة الطقوس)، وأعيادنا يلازمها (هر العبادة). إنهم (نجس)، _ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ _ [التوبة 28]، إنهم يبدؤون (بإطفاء الأنوار) و (إيقاظ الشهوات)، وأعيادنا تبدأ ب (وضوء) مع صفاء صفحة السماء وضياء الفضيلة يغمر الأرض غمراً، لنجتمع (لصلاة العيد) إحياءً لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم. أعيادنا أرست (مفاهيم) للقِيَم، و(ثوابت) للمبادئ، و(أُسس) للأخلاق الكريمة، التي من أجل إتمام (مكارمها) كان بعث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلَّم)، فأوصانا ألا ننسى في غمرة (العيد) والفرح ب(الجديد) من فقدوا آباءهم وأمهاتهم، فتمتد إليهم أيادينا تربت بحنان، وتهفوا إليهم قلوبنا تعطف برحمةٍ ومودَّة. أعيادهم عادة، وأعيادنا عبادة أعيادهم (تُقرَع لها الطبول) في (الغرف المغلقة)، وأعيادنا تنقلنا من (ضيق مفهوم الفرح) و(التمركز حول الذات) إلى رحابة الفرح في وجوه وعيون كل المسلمين. إن وقوفنا على (تميُّز ديننا) ، ينبغي أن يكون ملازماً لنا في كل (أفعالنا وتعاملاتنا وتوجهاتنا) فنرسم للمسلم الحق أبهى الصور، وهنا (مربط الفرس)، إذ لا بد (للعبادة الخالصة) أن يقابلها (عملٌ مخلص) لإعزاز الدين ولو كره الكافرون، فنحن خير أمة، ونحن أمة القِيَم والمبادئ والأخلاق، التي من أجلها جاهد الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلَّم). فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وكل عام وأنتم بخير.