ها نحن نودّع رمضان لنستقبل عيد الفطر، هدية المولى للمتعبدين، الصائمين، التائبين، هو يوم يحمل من المعاني السامية ما لا يوجد في أعياد الأمم الأخرى، لقد شرع الدين فيه الفرحة للناس جميعا فلم يترك محروما ولا بائسا إلاّ وأدخل السعادة إلى قلبه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " للصائم فرحتان إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه". فمن الناس من لا يعرف الفرح له طريقاً طوال العام لكثرة أحزانه وهمومه، فيأتي شهر الصوم بما فيه من عبادات وطاعات مضاعفة وتكافل يتبعه عيد الفطر، بما شرع الله تعالى فيه من فرح وسرور، ليزيل الله ما بقلبه من كدر، ويُخرج ما توطن فيه من ضغائن، فيبيت ليلة الفطر سعيداً بإتمام صومه، ويستقبل العيد بأداء زكاة الفطر، نعمة من نعم الله علينا، إذ جعلها المولى طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، ويؤدي معها السنن المستحبّة التي تبعث في النفس الراحة والثقة وتجدّد لديه الأمل في الجنة، فيغتسل ويرتدي أحسن الثياب ويتعطّر بالمسك والعنبر ويفطر على حبات تمر مباركات، ثم يخرج مع إشراق شمس يوم جديد، هو يوم العيد السعيد، ذاكرا الله مكبّراً ومهلّلا وحامداً، ساعياً إلى الصلاة، مجتمعا بإخوة له في الدين، فلننظر كيف شرّع الله لنا نحن المسلمين ما يوحّد بين الأمة المسلمة ويدمج بينها في الانتماء والمشاعر والأحاسيس، ويقوي الروابط والصلات بيننا على اختلاف أجناسنا ولهجاتنا وعاداتنا، وعيد الفطر فرصة حق اغتنامها في أعظم طاعة، بر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار وتبادل الزيارات للمعايدة والتهنئة، وهو بذلك مناسبة لإصلاح ذات البين، والقضاء على ما زرعه الشيطان في قلوب المتخاصمين من بغضاء وفتن أدّت إلى القطيعة، العيد فرصة لإعادة حبال الود، فرصة للتواصل بين الأهل والأحبة ..وهكذا يزرع العيد في قلوب المسلمين المودة والرحمة، ويربي نفوسهم على حب الله ورسوله والآخرين، فالعيد مدرسة، وفرحته عبادة مقرّرة ترسخ من خلالها العبودية خالصة لله تعالى، وهو معنى قد لا يدركه كثير7 من الناس وإن كان له أثر في نفوسهم، فالعبد ينتقل من شهر صوم، يمنع عليه فيه الطعام والشراب وما إلى ذلك، إلى يوم وجب عليه فيه الإفطار، فبعد أن كان بالأمس صائما بات اليوم مفطرا، وفي كلتا الحالتين خضوع مطلق لأوامر الله عز وجل، وانقيادا كليّا لأحكامه ونواهيه، وانتهاجا لشريعته السمحة عن حب وطواعية لا إكراه، إذ تغمر المسلم بقيامه لذلك سعادة لا متناهية؟ فبالبر صمنا وبسنة الله الرضية نفطر، فانعم بعيد الفطر عيدا إنّه يوم أغرّ. فعيدكم مبارك وكل عام والأمة الإسلامية بألف خير