حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته عند أتباعه تقوم على أصول تشمَل الارتباط القلبي المؤثِّر في كل عملٍٍ للجوارح اللازمة له. والاتباع هو المحكُّ الحقيقي، والدليل الصحيح القوي لادعاء الإيمان والمحبة، بل إن الله عز وجل جلاله في علاه امتحن المؤمنين بهذا المحك في آية في كتابه الكريم؛ قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران: 31، وهذا المحك يتضمَّن الطاعة والانقياد والاتباع. الطاعة في كلِّ ما أمر به صلى الله عليه وسلم والانتهاء عن كل ما نهى عنه، والانقياد لهذه الأوامر، والاتباع لمسلكه وطريقه وسنَّته وشريعته - صلى الله عليه وسلم. قال تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر: 7. وقال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) البقرة: 143. وقال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران: 19، 20. وقال تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران: 68. وقال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف: 157. وأما من ادَّعى الإيمان كذبًا وادعى المحبة زورًا، فإن الله عز وجل قد كشف سِرَّه وهتك سَتره، وفضح عدم اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور: 47 - 52. ومن هذه الآيات يتَّضِح ويَرسخ الأصل العظيم، وهو أن صِدْق الإيمان في السمع والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلا تردُّد، وبلا انحراف، وبلا جدال، أما الادعاء والالتزام باللسان فقط، فهذا شأن المنافقين وحال الكاذبين. وانظر إلى هذا الأنموذج العظيم الذي كرَّم الله به الأمة، وامتنَّ عليهم بعظيم فضْله الأنموذج الذي أحسَن الطاعةَ والانقياد والاتباعَ، إنهم الرعيل الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رِضوان الله عليهم، الذين كان شعارهم قولاً وعملاً: سمعنا وأطعنا. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِلَّهِ مَا فِي الْسَّمَواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة: 284، قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الرُّكبِ، فقالوا: أي رسول الله، كلِّفنا من الأعمال ما نُطيق؛ الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزِلت عليك هذه الآية ولا نُطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَين من قبلكم سمِعنا وعصينا، بل قولوا(سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلَّت بها ألسنتُهم، فأنزل الله في إثرها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَملائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة: 285، فلما فعلوا ذلك نسَخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة: 286، قال: نعم، (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) البقرة: 286 قال: نعم، (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة: 286). وقد جاء الأمر بطاعة الله ورسوله في كتاب الله في ثلاثة وثلاثين موضعًا لأهميته؛ ولذا فيجب على كل مسلم الاتباع الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجب أن يوحِّدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحَّد المرسِل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المُرسِل سبحانه وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يُحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره.