فرض الله على جميع الخلق الإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم واتباعه وطاعته، وإيجاب ما أوجبه، وتحريم ما حرمه، وجعل طاعته صلوات الله وسلامه عليه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه من أعظم ما تقرب به المسلم إلى الله عز وجل ، وذلك لأن طاعته من طاعة الله، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء: من الآية80)، وقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}(الحشر: 7). قال ابن كثير: (أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر). وقال السعدي: (وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم الشيء كنص الله تعالى ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله صلى الله عليه وسلم ). وقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وألزمهم بها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكذا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، ولا يسع أحد إنكاره. قال أحمد بن حنبل: (نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعًا). وقال ابن تيمية: (أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقَرَنَ طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه). والقرآن الكريم أمرنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة في كل ما أمر به أو نهى عنه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }(النساء: 59). يقول ابن القيم في هذه الآية: (أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أُتِىَ الكتاب ومثله معه). وقال الشافعي: (على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه نصّا في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله فعنِ الله قبلوه، بما افترض من طاعته). والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من يحاول رد أمره وسنته بدعوى الاكتفاء بالقرآن الكريم، فعن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) رواه أبو داود. وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ) رواه الترمذي. يقول الخطابي: (يحذر بذلك من مخالفة السُنَّة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له ذكر في القرآن). وقال: (في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يُعْرَضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: (إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقَه فخُذوه، وإن خالفه فدعوه) فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة). وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، إذ ظهر في الأمة أناس ينكرون بعض السُنَّة أو كلها بدعوى الاستغناء عنها بالقرآن الكريم، ولو أننا استغنينا عن السنة لانهدم الدين من أساسه، وانفتح باب الزندقة على مصراعيه. وقد جاءت السُنة بمثل ما جاء به القرآن الكريم مِنْ وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبَىَ، قيل: ومن يأبى؟!، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبَىَ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذى نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى، و شرد على الله كشرود البعير، قالوا: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني ومن عصاني دخل النار) رواه الطبراني. إن من سعادة العبد أن يرزقه الله طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فهي أصل من أصول الدين، وشرط من شروط الإيمان، وقد حذرنا الله من مخالفته وعصيانه، فقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء:14)، وأوجب علينا تصديق خبره، واتباع أمره، وجعل طاعته فرضا لازما، فهي مفتاح الجنة، وسبيل الهداية، فقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور: من الآية54) ..