يصور كتاب (أنا من هناك ولي ذكريات) للإعلامي سمير أبو الهيجاء الجانب الإنساني لفصول النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، وذلك عبر توثيق شهادات وإفادات شفوية لناجين من مجازر النكبة التي تحمل في ثناياها عذابات وآلام شعب يشتاق للعودة إلى وطنه. وحملت الذكريات المبثوثة بالكتاب شهادات عن القرى والمدن الفلسطينية المدمرة، لتكتمل الصورة التي أراد المؤلف تقديمها بلقاءات أجراها مع الجيل الأول للنكبة بالشتات. ضم المؤلف مجموعة من الإفادات الشفوية والمذكرات للمقاومين والناجين من هول النكبة ومجازرها، وجاءت القصص التي جمعها أبو الهيجاء خلال ربع قرن عن القرى المنكوبة ومن مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية والدول العربية لتروي أيضا معاناة الشتات. قبل أن يشرع أبو الهيجاء -وهو لاجئ داخل أراضي عام 48- بتدوين الروايات الشفهية للاجئين داخل أراضي 48 الذين لا يعرف بعضهم عن النكبة سوى ما أملته الوزارات الإسرائيلية أو الباحثون والمستشرقون اليهود على أبناء الجيل الثاني من فلسطينيي 48. اختار المؤلف المولود بمطلع خمسينيات القرن الماضي الأسلوب الروائي لتدوين التاريخ الفلسطيني بحقبة النكبة وما تلاها من تداعيات. يقول: لقد فهمت خلال دراستي أن اليهود جاؤوا إلى أرضهم الموروثة منذ آلاف السنين، إلى أن توجت الحقبة التي ولدت فيها بمجزرة كفر قاسم التي قتل فيها 49 فلسطينيا برصاص الجيش الإسرائيلي. وأضاف (بقيت مضللا أسوة بأبناء الجيل الثاني للنكبة، حتى صرنا نحتفل بيوم الاستقلال الإسرائيلي، وبعد بلوغنا المرحلة الثانوية بالسبعينيات بدأت أدرك أنني أعيش بقرية غير معترف بها، وأن أهلي كانوا يعيشون في عين حوض -بلد الفنانين اليوم- عندها أخذت أتساءل أين بيت والدي؟ لماذا يسكنه يهودي؟ أين أقربائي؟ أين سكان القرية؟). بدأ أبو الهيجاء يسمع روايات شفوية. وعندما شرع بعملية التوثيق كان المحدث يصمت ولا ينبس ببنت شفة, خوفا من الملاحقة الإسرائيلية، إلى أن حصل من فلسطينيي حيفا على إفادات وشهادات لم يسبق أن دونت قبلا. ويسرد الكتاب حكايات التشريد والتهجير وما رافقها من قتل وهيجان وأصوات مدافع وتفجيرات نفذتها العصابات اليهودية. وتتضمن الإفادات الشفوية معلومات عن مجموعات مقاومين تعرضت للتصفية، وعن قرى دمرت ومحيت من على وجه الأرض.