ألقى شاب بنفسه من أعلى بناية، بعدما سرق، وبعدما اكتشف أمره، وبعدما تمت مطاردته، ثم لم يجد حلا آخر إلاّ الانتحار فانتحر. رغم أنّ سبب السرقة مفهوم، او يمكن تصوره، في بلد يعاني سكانه من البطالة والفقر والمأساة، لكن ما الذي يجعل شابا في مقتبل العمر ينتحر؟ ليست السرقة، ولا اكتشاف أمره، وربما فكرة إمكانية دخوله السجن، والذي قد يكون ارحم له من حياته، ولا حتى مطاردته من طرف رجال الأمن، ليس كل هذا كافيا لأن يجعله يقرر وضع حد لحياته التي وضعها الله أمانة بين يديه، أو حتى أسباب تدفعه في لحظة ضعف وربما خوف إلى أن يلقي بنفسه من أعلى العمارة. ما جعله ينتحر، وما يقرب فكرة الانتحار كلها من ذهن المواطن هي المأساة التي يعيشها، هو توالي الخيبات وتراكم الماسي، إلى درجة صار فيها نفس الإنسان ضعيفا، وصار بالتالي قادرا على ارتكاب أية حماقة في أي وقت، قد تكون تلك الحماقة أذية الغير، كأن يطعن مواطن آخر بسكين بسبب كيس "شاربات" أو ينتحر شاب في العشرين من العمر لأنه سرق. فالعجز ثم الكبت، هما الوحيدان القادران على دفع إنسان عاقل إلى ارتكاب أخطاء بحجم الانتحار أو القتل، وعادة ما يكون السبب بسيطاً، بل تافها أحيانا، كما أن قلة التحاور بل غيابه بين أفراد المجتمع الواحد، والمواطن كثيرا ما يجد نفسه وحيدا، لا احد يدله ولا يرشده، ولا حتى يأخذ بيده، ولو كان ذلك بحديث ومواساة قد تنفعه، على الأقل معنويا، بدءا من الأسرة الصغيرة، والتي عادة ما تهمل أبناءها ولا تحاورهم في أمورهم ومشاكلهم، بل لا تدلهم وتجد الأب لا يسأل عن ابنه إلاّ إذا احدث هذا الأخير مصيبة، او وقع في مصيبة، فيلعن الأب حينها الجيل وتربية شباب العصر، التي يعتبر واحدا من المسئولين عليها. رغم أننا لم نسجل أعلى معدلات الانتحار في العالم، مثلما فعلنا مع حوادث المرور، أو كدنا، إلاّ أنّ الانتحار في بلاد عربية مسلمة يعتبر شيئا غريبا وغير عادي، وكم من واحد كاد يقدم على هذا الفعل، لولا أنه تذكر أن ذلك ليس إلا مرادفاً لعذاب آخر سيلاقيه في آخرته، سيكون بالتأكيد أشد وأقسى من عذاب الحياة التي يعيشها، فلو لم يبق لنا بعض الإيمان في قلوبنا، والذي يجعلنا لا نيأس حتى في أحلك الأوقات وأمرها، وما أكثرها في عصرنا هذا. فلولا ذلك القليل الباقي لنا من الإيمان لكنا تفوقنا حتى على الولاياتالمتحدةالأمريكية، والبلدان الأكثر جهلا وكفرا، في قتل النفس، حتى لا أبالغ فأقول أننا قد نبيد أنفسنا جميعا بأيدينا، ولا يبقى من سلالتنا إلاّ أشخاص معلومون!