مرّ الإعلان عن وفاة مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي بهذه البرودة الإعلامية والسياسية، على نحو يوحي بأن المسألة برمتها لا تستحق أدنى اهتمام سواء من لدن منشطي الطبقة السياسية أو الفاعلين في الساحة الإعلامية، حيث كان من المتوقع أن يشكل إعلان الوفاة صدمة حقيقية للمتتبعين الذين يبدو أنهم منشغلين بمتابعة أمور أخرى يعتقدونها أكثر أهمية من هذا المشروع الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حين الإعلان عنه قبل شهور، قبل أن يشيع إلى مثواه الأخير في غياب المشيعين! قد يقول قائل أن المشروع وُلد ميتا لأنه لم يحظ حتى بتأييد قيادة الحزب الذي ينتمي إليه النائب صاحب المقترح، وقد يقول قائل آخر أن المشروع انتهى حين لم يتعامل معه نواب البرلمان بالجدية المطلوبة التي تحوله من مقترح إلى مشروع حقيقي يحظى بالقبول ويتحول إلى قانون يمكنه انتزاع اعتراف فرنسي واعتذار عن جرائم الاستعمار، ولم لا تعويضات للضحايا، وهو كلام منطقي، ولكن المنطقي أيضا ألا يمر إعلان رئيس الغرفة البرلمانية السفلى عن »الوفاة الرسمية« للمشروع مثلما تمر أخبار إصابة الأبقار بالحمى المالطية في بعض مناطق الوطن، فالأمر يتعلق بمشروع يُعيد بعض الاعتبار للأسرة الثورية التي تشعر بأنها مغيبة تماما في معادلة التقارب بين الجزائر وفرنسا، وهي معادلة أشار السيد زياري، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى كونها السبب في »تأجيل« طرح المشروع في الوقت الحالي، وهي تأجيل أقرب إلى إعلان الوفاة منه إلى إبلاغ بالتجميد والوضع في »ثلاجة القوانين«! ويبدو أن »جهات ما« لم يعجبها المشروع، فرمت بأحجار في مياه العلاقات بين الجزائر وفرنسا، فتحولت المسألة برمتها إلى »إشكال دبلوماسي عويص« دفع بأصحاب الحل والربط إلى إعلان »وفاة المشروع«، ودفع بأصحاب المشروع إلى الصمت المطبق.. وهو صمت لا يعني بالضرورة رضاهم، ولكنه يعني أن الوقت لم يحن بعد لصدور قانون »رمزي« يجرّم الاستعمار الذي يجمع الإنس والجان على أنه سلوك إجرامي ليس له مثيل.. ومع ذلك عجزنا عن إصدار قانون يؤكد ذلك.. فألف مبروك لفرنسا الاستعمارية!..