بقلم: حسن عبد الله عباس ما من شك أن ما يمر على الدول العربية هذه الأيام هو الأشد سوءاً والأكثر قسوة منذ تقسيمها بين الحلفاء بُعيد الحرب العالمية الأولى. فالعرب منذ بدايات عصر الإهانة وبعد طردهم من أوروبا لم يوفقوا في إعلاء كلمتهم وإعادة أمجادهم. توالت الهزائم عليهم بدءًا بعصر التراجع ومنذ معركة كوفادونجا لحين سقوط غرناطة. استلمهم من بعدها العثمانيون وساقوهم وحكموهم إلى مشارف القرن الماضي. ومع ظهور الاحتقانات الدولية في أوروبا، انحاز العثمانيون إلى (المحور) فكانت الطامة الكبرى على العرق العربي بأكمله. اعتَقَد العرب في 1916 بأن ثورتهم على العثمانيين الشهيرة بكتب التاريخ (بالثورة العربية الكبرى)، اعتقدوا أن نجمهم قد برز من جديد وأنهم على وشك استعادة هيبتهم وما ضيعته السنون وبعثرته صنوف الغدر والخيانة والطعن من الخلف. فبفضل هذه الثورة بقيادة حاكم مكة الشريف حسين وكثرة الغارات وإنهاك العثمانيين بشتى صنوف المقاومة، استطاع الشريف أن يهزمهم ويستعيد منهم القومية والأرض العربية. لكن سرعان ما تبين أن العرب لم يكونوا وكما اقتضت العادة سوى أداة ووسيلة بيد غيرهم، فهم لا يكتشفون المخططات إلا (بعد خراب بغداد). وإلا فما ظنّك بثورة (عربية كبرى) يقودها مستشار الثوار لورانس وسلاح ومال انكليزي وفرنسي؟ فالحقيقة أن الاستغفال هو سيد حوار أولئك لأولئك والمنطقة كانت خطة قُسّمت وتوزعت بفضل سايكس بيكو فأُهديت القدس لليهود وقُسم الباقي على أهل الفضل الأول: فرنسا وبريطانيا العظمى. فأثناء تلك الحقبة الاستعمارية تقاسم الغرب الدولة العثمانية فتشكلت الدول العربية وصاروا كانتونات مبعثرين إلى جغرافية مشتتة تفصلهم الحدود والاتفاقات الدولية. وها هم اليوم وبعد مئات السنين ما زالوا لم يتغيروا ويعيشون أرذل العمر. فالمذاهب والمشارب حول العالم توافقت واكتملت وتوحدت إلا هم! فالأكراد صاروا متماسكين، والإيرانيون صاروا شبه دولة عظمى، والأتراك بدأوا مشروع العثمانيين الجُدد، والروس باشروا منذ سنين تحديهم من جديد للجلوس على عرش التعددية القطبية وإزاحة مفهوم القطب الأوحد، والصين صارت الأولى اقتصاديا، والألمان واليابانيون استعادوا عافيتهم بعد الحرب الثانية، و(محور الشر) و(الشيطان الأكبر) اقتربوا كثيرا من (سمن على عسل)، وهكذا لباقي الدول والأعراق والخصوم، إلا العرب، فطريقهم معبّد للمزيد من القتل والتشقق والتقاتل والتذابح والجهل والفقر.