أسباب عقيمة ونتائج مخيفة لمجتمع يغرق في الآفات العنوسة إشكالية اجتماعية أو اقتصادية! يعتبر الزواج من أهم النظم الاجتماعية التي تعمل على حفظ توازن وتماسك واستقرار المجتمع، فمن خلاله تنظم العلاقات الجنسية، ويشعر كلا الجنسين بالسكن الروحي والطمأنينة، وتقوى الروابط الاجتماعية، ويتجنب الفرد والمجتمع الكثير من الآفات الاجتماعية التي من شأنها أن تهدم وتفتك ببنية المجتمع، وبالرغم من أهمية الزواج للفرد والمجتمع على حد سواء إلا أن التحوّلات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية أدت إلى إحداث تغيرات هامة في نظام الزواج من حيث (السن، أسلوب الاختيار، المراسيم، السكن...الخ) الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة بين النساء والتعزب بين الرجال.. ت. كريم تعتبر العنوسة من بين الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تهدد الكثير من المجتمعات العربية على الوجه الخصوص نظرا لإمكانية ممارسة العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج في المجتمعات الغربية إن اختلفت في حدتها من مجتمع إلى آخر تبعا للظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الأمنية هذا فضلا عن العادات والتقاليد الخاصة بكل بلد. واستفحال هذه الظاهرة أدى بالمختصين إلى دق ناقوس الخطر، وذلك نظرا للنتائج السلبية والوخيمة المترتبة عنها على مستوى الفتاة نفسها وعلى مستوى المجتمع بصفة عامة، محاولين بذلك البحث عن الأسباب التي أدت إلى انتشارها وإيجاد الحلول للتقليل منها أو القضاء عليها نهائيا وخاصة أن المجتمعات بدأت تشهد بالموازاة مع هذه الظاهرة انتشار انحرافات جنسية كالزنا، الاغتصاب ... الخ. وعن الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة فقد توفر في المجتمع عدة أسباب تتفاوت من حيث تأثيرها في تفشي هذه الظاهرة بين النساء، ولعل التحوّلات الاجتماعية والثقافية كاهتمام المرأة بالتعليم ورغبتها في الاستقلال المادي والمعنوي من الأسباب التي أدت إلى تفشي العنوسة، كما قد تساهم الظروف المعيشية التي يعيشها الشاب (البطالة، أزمة السكن ....) في تأخر سن زواجه الأمر الذي قد يؤدي إلى تكريس ظاهرة العنوسة. وقد أدى التفتح على الثقافات إلى تشبع بعض الأفراد بمفاهيم لا تشجع على الزواج كانتشار مفهوم الفردانية وتحقيق الذات، الصداقة بين الجنسين ...الخ، كما قد تؤدي إمكانية تصريف العلاقات الجنسية خارج إطارها الشرعي وخاصة في ظل التغير الاجتماعي، وغياب أو تراجع الوازع الديني إلى انتشار العنوسة التي حاولت (أخبار اليوم)، البحث فيها والتقصي عن الأسباب الباطنية التي كانت وراء انتشارها بين الفتيات الجزائريات. تعد العنوسة ظاهرة اجتماعية تعرفها كل المجتمعات بنسب متفاوتة، بحيث تختلف من بيئة إلى أخرى باختلاف العوامل المشكلة لكل بيئة وأهمها العامل الثقافي، وقد كانت منذ القدم معروفة في حياة الشعوب، إلا أنها ونتيجة للتحولات التي شهدتها المجتمعات عرفت انتشارا ملحوظا بين مختلف الفئات الاجتماعية. وكغيره من المجتمعات شهد المجتمع الجزائري عدة تحولات هامة أفرزت ظواهر لم يسبق وأن عرفها بالشكل الذي تظهر عليه حاليا، ومن بينها ظاهرة العنوسة. فبعدما كان المجتمع يعرف بزيجاته المبكرة وارتفاع نسبة المتزوجين وتراجع نسبة العزاب والعوانس، عرف في السنوات الأخيرة تأخرا ملحوظا في متوسط العمر عند الزواج الأول لدى كلا الجنسين، وارتفاع في نسبة التعزب بين الرجال وانتشار العنوسة بين النساء. ظروف اجتماعية قاهرة وتشير إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء إلى أنه بالرغم من ارتفاع المعدل الخام للزواج إلى8.50 سنة2005، إلا أن هذه الزيادة تبقى ضعيفة مقارنة بنسبة العزاب. والمتصفح للمسوح والتعدادات التي أجريت في الجزائر يلاحظ بوضوح ارتفاع نسبة العزوبة لدى كلا الجنسيين، كما يلاحظ أن نسبة النساء غير المتزوجات عرفت ارتفاعا ملحوظا في الفئات العمرية المتقدمة، بحيث انتقلت النسبة في الفئة العمرية 25-29 سنة من34.8% سنة 1992إلى 57.5% سنة2002، أما بالنسبة للفئة العمرية 30- 34سنة فقد ارتفعت النسبة من 13.2% سنة 1992 إلى 33.7% سنة 2002، كما (كشفت أرقام الديوان الوطني للإحصائيات أن 51% بالمائة من نساء الجزائر اللواتي بلغن سن الإنجاب يواجهن خطر العنوسة، وأن هناك 4 ملايين عانس تجاوزت أعمارهن سن ال35 سنة.. وقد عرفت هذه الأخيرة -المرأة الجزائرية- تغيرا ملحوظا من حيث المكانة والدور، فبعدما كانت تؤدي في الغالب دورا واحدا يتمثل في كونها زوجة وأما، أصبحت في الوقت الحالي تبحث عن أدوار جديدة وتسعى لاثبات ذاتها في المجتمع من خلال التعليم والعمل، الأمر الذي قد يؤخر من سن زواجها.. كما أصبح الشاب الجزائري في الوقت الحالي أكثر سعيا لتأمين مستقبله وتكوين ذاته قبل الإقدام على الزواج، وأصبح البحث عن العمل المستقر والمسكن المستقل مسعى كل شاب، الأمر الذي يتطلب منه في الوقت الراهن سنوات عديدة حتى يحقق ذلك.. وبالموازاة مع انتشار العنوسة شهد المجتمع الجزائري ارتفاعا ملموسا في نسبة الأمهات العازبات والأولاد غير الشرعيين. فالعنوسة ظاهرة تهدد استقرار المجتمع، فالارتفاع المستمر في نسبة العوانس من شأنه أن يعصف ببنية وتماسك المجتمع وذلك لأن الآثار المترتبة عنه لا تمس المرأة فحسب بل الأسرة والمجتمع بصفة عامة، ولعل أهم تلك الآثار هو الانتشار اللامحدود لمختلف أنواع الانحرافات وفي مقدمتها العلاقات الجنسية غير الشرعية. وشهد المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة استفحالا لهذه الظاهرة، بحيث ارتفع عدد النساء غير المتزوجات بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، وجاء هذا الارتفاع في ظل التحولات التي عرفها ومازال يعرفها المجتمع الجزائري، وقد جاءت هذه الدراسة لمحاولة معرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انتشار ظاهرة العنوسة. ومن خلال النتائج الميدانية للدراسة التي أجرتها (أخبار اليوم)، تبين لنا أن الظروف المعيشية التي يعيشها الشاب الجزائري هي التي ساهمت في انتشار الظاهرة، فبطالة الشاب وصعوبة الحصول على المسكن وارتفاع تكاليف الزواج في ظل غلاء المعيشة شكلت أهم العوامل (السوسيو اقتصادية) التي تقف أمام إقبال الشاب على الزواج، وخاصة أن أسلوب الحياة قد تغير كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة، بحيث أصبح له مقتضياته ومستلزماته وعدم توفرها قد ينعكس بالسلب على حياة الشاب، وتحقيق ذلك قد يتطلب من الشاب سنوات عديدة من عمره بدأ بالتخرج من الجامعة ثم أداء الخدمة الوطنية، ثم البحث عن عمل مستقر يضمن له أجرا مناسبا لتحقيق أهدافه وطموحاته، ووصولا إلى البحث عن السكن المستقل (شراءه، بناءه، أو كرائه) ليصل بذلك إلى الثلاثينات من عمره بدون زواج، وعندما يتهيأ الشاب ماديا للزواج فإنه في أغلب الأحيان لا يتجه في اختيار لشريكة حياته نحو من تماثله في السن بل الأصغر منه، لتقل بذلك حظوظ مماثلاته في السن ويتسبب في عنوسة البعض منهن. اثبات الذات يرهن مستقبل النساء كما شهدت المرأة تغيرات هامة من حيث المكانة والدور، بحيث أصبحت تسعى إلى اثبات ذاتها في المجتمع من خلال التعليم والعمل أولا ثم الزواج، وارتفاع مستواها التعليمي واستقلالها المادي غير من نظرتها نحو بعض السلوكات الاجتماعية وفي مقدمتها الزواج، بحيث تراجع هذا الأخير في سلم أولوياتها لحساب الدراسة والعمل، و هذا ما أدى إلى تأخر سن زواجها وتسبب الطموح العلمي المتزايد لها في عنوستها وإقبال المرأة على التعليم والعمل لقي تشجيعا من طرف الأسرة وخاصة الأم التي أصبحت ترى ضرورة مواصلة البنت تعليمها الجامعي لتتحصل بذلك على السلاح الذي يحمها من تقلبات الحياة. وقد انعكس الطموح المتزايد والاستقلال المادي بالسلب على بعض النساء، بحيث تسبب في عنوستهن، وقد تتسبب العنوسة في ضل التغير الاجتماعي وغياب الوازع الديني في انحراف بعض النساء واتجاههم في سبل الظفر بالزوج إلى طرق تتنافى مع قيم ومبادئ ودين المجتمع، كما ساهم التفتح على الثقافات التي لا تمد إلى عاداتنا وقيمنا بصلة إلى تشبع بعض الأفراد بمفاهيم لا تشجع على الزواج بل تدعو في مجملها إلى الحرية والفردانية وتحقق الذات بعيدا عن مؤسسة الزواج، أما إشباع الغريزة الجنسية فقد وفر المجتمع العديد من القنوات غير الشرعية لتحقيق ذلك وقد لعبت وسائل الإعلام والاتصال باختلافها دورا لا يستهان به في ذلك وخاصة أمام رغبة بعض الشباب في الزواج وغياب الوسائل المشروعة لتحقيق ذلك، ومن خلال ما سبق يمكننا القول أن ظاهرة العنوسة وليدة تفاعل العديد من العوامل الاجتماعية، الثقافية ،النفسية، الاقتصادية وحتى السياسية، فعدم استقرار المجتمع وغياب الأمن يصرف الشاب عن الزواج، وتتفاوت هذه العوامل من حيث قوة تأثيرها في انتشار ظاهرة العنوسة.