أعلن مدير مهرجان برلين السينمائي ديتر كوسليك أن المهرجان سيمنح المخرج البريطاني كن لوتش (Ken Loach) جائزة شرفية خاصة (جائزة الدب الذهبي) في الدورة الرابعة والستين القادمة من مهرجان برلين السينمائي الذي سيقام في الفترة من 6 إلى 16 فيفري المقبل. كن لوتش (77 عاما) أحد أعلام الإخراج في السينما البريطانية المعاصرة، وأفلامه عادة صادمة ومقلقة ومثيرة للتأمل والتساؤلات. ورغم واقعيتها الشديدة، فإنها ليست أفلاما تقريرية هجائية جافة، بل إن لها إيقاعها الخاص، وشاعريتها الأخاذة، مع نزعة إنسانية واضحة، وانحياز بيّنٍ للضعفاء والمقهورين والبؤساء حول العالم. أخرج لوتش أفلاما عن وحشية الرأسمالية عندما تصل إلى الفاشية، كما حدث في (الأرض والحرية) الذي يدور إبان الحرب الأهلية الإسبانية، كما أخرج أفلاما عن العنصرية والهجرة من العالم الثالث إلى العالم الأول، وعن تناقضات العيش في المجتمع البريطاني في ضوء ما خلفته سياسة مارغريت تاتشر، وعن المهمشين وأبناء الطبقات الكادحة. وسعى لاكتشاف الحس الساخر لدى تلك الطبقة ومغزاه الاجتماعي. وأخرج ثلاثة أفلام ذات علاقة بالقضية الأيرلندية، كما أخرج أيضا فيلم (المفكرة السرية) (Hidden Agenda) عن السياسة البريطانية التي عرفت بسياسة (إطلاق النار للقتل) (shoot to kill) التي مارستها القوات البريطانية في أيرلندا الشمالية في الثمانينيات. عن كن لوتش قال مدير مهرجان برلين ديتر كوسليك إن المهرجان (سيكرم المخرج البريطاني الكبير كمخرج نعجب كثيرا بقدرته على التعبير عن الظلم الاجتماعي في أفلامه التي لا تفتقد إلى الدعابة والمرح). وأضاف أن لوتش (أحد السينمائيين الأوروبيين العظام، وظل دائما يتمتع بالقدرة على الإبداع الفني، وتوصل إلى معالجة ما يطرحه من مواضيع في أفلامه من خلال أساليب سينمائية متنوعة). بدأ كن لوتش مسيرته في عالم السينما عام 1966 عندما أخرج لتلفزيون (بي بي سي) فيلما بعنوان (كاثي تعود إلى البيت) (Cathy Come Home) الذي أثار ضجة كبيرة في ذلك الوقت بسبب موضوعه الاجتماعي القوي الذي كان يصور الظروف القاسية التي تعيش فيها أسرة من الطبقة العاملة، وكيف تقوم السلطات بالتفريق بين أفرادها. وكان الفيلم مصورا بأسلوب الدراما التسجيلية الواقعية التي وصلت في الإقناع إلى حد أن بدأ كثير من المشاهدين يتصلون بتليفزيون (بي بي سي) يعرضون مساعدة تلك الأسرة على حل مشاكلها! ومنذ ذلك الفيلم شق لوتش طريقا متميزا يمزج بين التسجيلي والروائي، ويعتمد على تصوير أحداث وشخصيات واقعية من واقع الحياة اليومية، ويستعين كثيرا بممثلين غير محترفين لإضفاء مزيد من الصدق والإقناع على أفلامه. وفيلمه (كيث) (1969) هو الإنتاج السينمائي الذي نقله إلى ساحة الاهتمام العالمي، واعتبر أحد أهم الأفلام الواقعية في السينما الأوروبية، وهو يدور حول العلاقة بين صبي يعاني من الحرمان الاجتماعي لكنه يمتلك خيالا خصبا، وبين طائر يرتبط به ولا يريد أبدا أن ينفصل عنه. وفي فيلمه (تمطر حجارة) عام 1993، يصور كيف يكافح رجل عاطل عن العمل في مدينة مانشستر من أجل الحفاظ على كرامته، ويسعى بشتى الطرق من أجل شراء فستان لابنته ترتديه في حفل تعميدها، حتى لو أدى الأمر إلى التضحية بأعز ما يملك من أجل تحقيق هذا الهدف والحفاظ على ما يعتقد أنه تقليد ديني مقدس. وفي فيلم (ليدي بيرد.. ليدي بيرد) (1994) يصور بأسلوبه المألوف -الذي يمزج بين الدرامي والتسجيلي- كفاح أم أنجبت أربعة أبناء من أربعة أزواج مختلفين، تعرضت خلال حياتها الزوجية المتعددة إلى الكثير من الغبن وسوء المعاملة، وبعد أن تعثر على رجل مناسب أخيرا يشاركها الحياة تقرر السلطات انتزاع أبنائها منها بدعوى أنها أم مهملة. ويعود لوتش إلى الموضوع السياسي في فيلمه الأشهر (الريح التي هزت الشعير) (2006) الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان، وفيه يصور الصراع داخل أجنحة المناضلين في أيرلندا الشمالية ضد الهيمنة البريطانية، وكيف تمزقهم الخلافات بين الواجب والأخلاق، وبين القبول بالحل السياسي وتوقيع اتفاقية مشروطة مع المحتل، أو مواصلة النضال المسلح، ويصور انعكاسات الصراع المسلح الذي يدور بين من كانوا رفاقا في السلاح في الماضي القريب. أرغم لوتش مهرجان إدنبرة السينمائي (عام 2009) على إعادة منحة مالية إلى سفارة إسرائيل بعد أن هدد بسحب فيلمه، كما سحب فيلمه (البحث عن إريك) من مهرجان ملبورن الأسترالي بعد أن علم بوجود دعم مالي إسرائيلي للمهرجان، وانضم إلى حملة لمقاطعة إسرائيل ثقافيا بسبب سياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.