خلدت موريتانيا اليوم العالمي للغة العربية وسط جدل بشأن مدى جدية اعتماد العربية لغة رسمية في ظل سيطرة اللغة الفرنسية على مفاصل الإدارة، وارتفاع منسوبها في المناهج التربوية، والتعاطي مع التعريب كقضية سياسية. ويثير إحياء اليوم العالمي للغة العربية في موريتانيا شجون المتحسرين على واقع لغة الضاد، ويحفز الرافضين للتعريب في بلاد (المليون شاعر) ويعيد الصراع بين الطرفين إلى الواجهة. ففي أرض المنارة والرباط، وبعد مرور أكثر من عشرين سنة على اعتماد العربية لغة رسمية للبلاد بنص الدستور الموريتاني، ما تزال الفرنسية حاضرة بقوة في الوثائق والعمل الإداري اليومي، ومسيطرة إلى حد كبير على المناهج التربوية. وباستثناء وزارتين أو ثلاث ما تزال المراسلات والتعليمات المكتوبة والتقارير الإدارية كلها بالفرنسية، وإن صحبت أحيانا بترجمات تقريبية حين يتعلق الأمر بالتقارير المرفوعة إلى مجلس الوزراء أو إلى البرلمان. وعلى مستوى البرلمان (الجهة المسؤولة عن التشريع) يتدخل بعض النواب والوزراء في جلسات علنية باللغة الفرنسية، كما تتم ترجمة مداخلات النواب بالعربية إلى الفرنسية بشكل فوري وإجباري. وفي المجال التربوي، تبدو الفرنسية سيدة الموقف من حيث التوقيت وعدد وطبيعة المواد التي تدرس بها، فعدد ساعات تدريس اللغتين متساوية، والتدريس بالعربية يقتصر على مواد العلوم الإنسانية، بينما تدرس المواد العلمية بالفرنسية. ووفق الخبراء التربويين بالمفتشية العامة للتعليم، فإن الإصلاح التربوي الذي صدر سنة 1999 أعطى سيطرة مطلقة للغة الفرنسية في المناهج التربوية. وبلغة الأرقام، يؤكد مفتشو التعليم المسؤولون عن المناهج أن عدد الساعات التي يتعلمها التلميذ بالفرنسية في مختلف مراحل التعليم تفوق تلك التي يتعلمها بالعربية، ففي السنة النهائية من التعليم الأساسي يدرس التلميذ 16 ساعة في الأسبوع بالفرنسية مقابل 14 ساعة باللغة العربية. وفي السنة الأخيرة من المرحلة المتوسطة، يدرس التلميذ 14 ساعة في الأسبوع باللغة الفرنسية مقابل 13 ساعة بالعربية. أما في السنة النهائية من المرحلة الثانوية، فيبلغ عدد الساعات المدرسة بالفرنسية في الشعبة العلمية 23 ساعة أسبوعيا مقابل 16 ساعة بالعربية في نفس السنة من الشعبة الأدبية، وهي الشعبة الوحيدة التي تحضر فيها العربية بشكل بارز. ويرى كثيرون نوعا من الغرابة والمفارقة في نص الدستور بين رسمية اللغة العربية وسيطرة الفرنسية على واقع الحياة العملية والتربوية.