بعث اللّه أنبياءه ورسله للتعريف بأديانه للتأكيد على وحدانيته ولهداية خلقه، لم يمرّ زمن على أمّة وهي على فسوقها إلاّ وجاءها نبي أو رسول لهداية أبنائها إلى الطريق السوي ولتذكيرهم بأن هناك خالقا يشاهد فسوقهم بأسى وغضب. الأديان والكتب السماوية في مجملها أثبتت منطقية الكون وعظمة الخالق ونفت عبثية وعشوائية الوجود، فلكلّ مخلوق خالق واحد ولكلّ إنسان منشأ وأصل ولكلّ سبب مُسبِب، وبكلّ تأكيد كلّنا من آدم وآدم من تراب، كلّ هذه الرسائل السماوية قامت بموجبها حضارات إنسانية عظيمة تقدّس الرّوح وتعظّم الخالق، وما نسي النّاس مضمون هذه الرسائل حينا وإلاّ كانت نهايتهم عذابا ونهاية حضاراتهم خرابا. لم تأت الأديان إلاّ لتيسّر أمور الدنيا وتقرّب من العبد أمور الآخرة، وبذلك فإن الإسلام كمنهج ديني أتى ليجعل من الصعب سهلا ومن المعقد بسيطا، كما انتشر بين العام والخاص ليؤكّد أن الدنيا هي دار فناء ولنا فيها أن نستمتع ونعيش سعيدين في حدود المعقول طبعا. لم يأت الإسلام ليصعّب حياة النّاس ولا ليبيح دماءهم باسم اللّه وبذريعة قانون السماء، لم يكن الإسلام يوما دينا يتّخذ من النفاق أساسا له ولم يحدث أن لجأ النبي يوما إلى رفع السيف في وجه كافر ولا قتل آخر لأنه لم يؤمن برسالته. الإسلام كما أكّد اللّه في مجمل الكتاب ونبيه في مجمل سيرته دين يتكيّف والظروف المحيطة، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن والضرورة تفرض الحكم الشرعي، هذا التكيّف هو ما جعل الإسلام صامدا لقرون من الزمن، هذا اليسر هو ما جعل النّاس في صدر الإسلام يدخلونه مؤمنين ومقتنعين، هذا التكيّف هو ما سيبقي الإسلام راسخا في قلوبنا وليس التشدّد الأعمى. إن ثقافة الإسلام أكبر من أن تكون مجرّد أحاديث نحفظها عن ظهر قلب وقرآن نتلوه كلّ ليلة أو كلّ صباح دون إدراك لمعانيه، ثقافة الإسلام هي منهج عيش تضمّن كلّ أسس السعادة، هي منهج يعطي للمسلم والكافر حقهما على حد سواء، الإسلام دين لا يفرق بين أبيض وأسود إلاّ بما حملته القلوب من تقوى وخشوع. أكّد اللّه في أكثر من مرّة وأكثر من آية أن الرسالة المحمّدية هي رسالة تهدف إلى نشر المحبّة والإخاء بين نفوس البشر، وجعل المسلم يمشي جنبا إلى جنب مع المسيحي أو اليهودي ناصحا إيّاه بالتي هي أحسن. أيّها القارئ الكريم، ليس مضمون الإسلام لحية أو نقابا، لا يتعلّق جمال هذا الدين وكماله بالنفاق العقائدي ولا بتحليل ما حرمه اللّه وتحريم ما حلّله، هناك فرق شاسع وكبير بين الإسلام كدين قويم ومنهج صحيح وبين التشدّد الديني كطريقة لتكريه النّاس في دينهم وتغطية الجهل باللّجوء إلى الشريعة، لم يأمرنا الإسلام يوما برفع السلاح في وجه أخ لأنه ليس ملتحيا ولم يجبرنا على الإنقاص من قيمة المرأة ومناداتها بالعورة، لم يأت الإسلام لكي يحجب الفتاة الصغيرة ويحبسها داخل غرفتها ولا لكي يصعّب أمور حياتنا ويجعل من أتفه الأشياء محرّمات فيبعدنا عن دنيانا، الإسلام ليس كما يعتقد فئة من النّاس، الإسلام ليس في أن تتغنّى بحبّ اللّه نهارا ومساء وتقتل أخاك مكبّرا باسم اللّه ثمّ تلعن علمانيا لأنه لا يوافقك، الإسلام هو أن تحبّب النّاس في دينك. أشعر بالأسى حينما أرى مجموعة تشوّه في صورة الإسلام، فتكفّر هذا وتلعن ذاك ثمّ تدّعي أنها حركة إرشاد و إصلاح. الإرشاد ليس بالعنف، المجتمع الإسلامي يعيش أصعب أوقاته وتكفير النّاس ليس أبدا الحلّ، لا توجد أدنى فائدة في متديّن متعصّب لأن التعصّب لا يكون إلاّ للحقّ والمشكلة أن كلّ متديّن يجعل تعصّبه لباطل وهنا قبل أن يلام هو فإن النّاس سيلقون باللّوم على دينه. الإسلام دين كامل متكامل فرجاء لا تلوّثوه ولا تغتصبوا ثقافته بجهلهم بتعاليمه.