قال تعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (14 نوح) إن خلق الإنسان لم يكن بغتة (فجأة) من الطين، ولم يكن مرة واحدة كما يظن كثير من الناس، إنما خلق الإنسان قد مر بأطوار عدة بدءًا من طور العدم وحتى طور الوفاة، والفعل (طور) يدل على امتداد في شيء حالة بعد أخرى، وهي المرة من الأفعال أو من الزمان، وتعدد الأطوار يكون في النوع وليس في التكرار، وهو مأخوذ من طوار الدار وهو ما امتد منها من البناء كالحد الذي يحدها. ويقال عدا فلان طوره أي تجاوز حده، ومنه: فعل فلان كذا طورا بعد طور، أي تارة بعد تارة، وحالا بعد حال، ومنه قول الحق: (وقد خلقكم أطوارا) أي حدا بعد حد وتارة بعد تارة وحالا بعد حال، وقد ذكر الكتاب هذه الأطوار بدءًا من اللاشيء (العدم) وحتى الوفاة. قال تعالى: (هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) (1 الإنسان)، ثم طور التراب، ثم طور الماء وخلطه بالتراب، ثم طور الطين، ثم طور الطين اللازب، ثم طور الحمأ المسنون، ثم طور الصلصال شبيه الفخار، ثم طور النفس الواحدة (الجنس أو النوع)، ثم طور السلالات، ثم طور اصطفاء آدم من إحدى السلالات، ثم طور جعل الزوج، ثم طور التسوية، ثم طور التعديل، ثم طور التصوير، ثم طور نفخ الروح، ثم طور تعليم آدم الأسماء كلها، ثم طور الخلافة، ثم طور جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم طور الماء الدافق، ثم طور النطفة، ثم طور أمشاج النطفة، ثم طور الذكورة والأنوثة، ثم طور العلقة، ثم طور المضغة، ثم طور العظام، ثم طور اللحم، ثم طور إنشائه خلقا آخر، ثم طور إخراجه طفلا، ثم طور جعل وإنشاء السمع والبصر والفؤاد، ثم طور بلوغ الأشد، ثم طور جعله شعوبا وقبائل، ثم طور التعارف، ثم طور جعله نسبا وصهرا، ثم طور الشيخوخة، ثم الوفاة. وهذه هي الأطوار كلها كما جاءت في الكتاب: قال تعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (14 نوح) (أَوَلا يذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يكُ شَيئاً) (67 مريم). (خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ) (37 الكهف). (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً) (54 الفرقان). (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ) (2 الأنعام). (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ) (11 الصافات). (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ) (26 الحجر). (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (1 النساء). (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ) (12 المؤمنون). (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) (12 الأعراف). (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7) فِي أَي صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (8 الانفطار). (فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) (29 الحجر). (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ) (4 النحل). (فَلْينظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ) (6 الطارق). (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) (39 القيامة). (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) (14 المؤمنون). (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (54 الفرقان). (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) (8 السجدة). (هَوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيوخاً وَمِنكُم مَّن يتَوَفَّي مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّي وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (67 غافر). (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (9 السجدة). (يا أَيهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (13 الحجرات).