أولهما حساب الزمن: فقد وهبنا الله سبحانه عمرا وجعل له خاتمة ونهاية، ولا ريب أن المؤمن الواعي يحس في أعماقه بأنه في سباق مع هذه النهاية، يحاول أن يسجل قبلها أكبر قدر من العمل النافع (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) «آل عمران: 30». فموقف الإنسان يوم الحساب مرتبط بالزمن، فهو يحب أن يقرب الله منه ما عمل من خير، وأن يجعل بينه وبين السوء أمدا بعيدا. وثانيهما: أن الرسالة الإلهية تجعل من أعمال الخير التي طلبها الله من عباده، كالصلاة والإنفاق رصيدا مدخرا، ينفع صاحبه يوم الحساب، وهو يوم لا بيع فيه ولا خلال، وإنما تدور حركته على الجزاء المؤدي لكل من قدم عملا صالحا، أو اقترف عملا سيئا إستوجب غضب الله عليه. إن الدقائق والثواني أعمار الأمم، وفي حياة الأفراد لها حساب، فالساعات الطوال ليست في حقيقتها سوى دقائق وثوان، وضياع الثواني هو في حقيقته ضياع لتلك الساعات التي ينقضي بمرورها عمر الإنسان، وينتهي بها كفاحه من أجل الحياة. والواقع أن الثروة التي يجمعها أي إنسان مكافح ليست سوى كمية من الزمن تحولت إلى مال، وكان من الممكن أن تضيع في النوم والكسل، أو إلى شخير ينطلق من صدر نائم خامل، أو شهوة خاطفة تمضي وتخلف لصاحبها حسرة العمر على الضياع والغفلة، والوقت الضائع، والطاقة المبددة كم من الأيام والسنين تضيع في حياة هذه الأمة؟ على حين يسهر أعداؤنا ويكدحون في كل دقيقة، بل في كل ثانية من أجل تحصيل أسباب القوة، ومن أجل فرض سيطرتهم على مصائر العرب والمسلمين. فنحن نضيع السنين ولا نحس بمرورها، وهم يحاسبون أنفسهم على الثواني مخافة أن تمضي دون إنتاج، لأن الزمن جزء من تفوقهم ونجاحهم، كما هو جزء من ضياعنا وفشلنا، ونحن المسلمون مأمورون أن نحافظ على الوقت وأن نعمل حساب المستقبل، لقد أمرنا بالصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، في أوقات معلومة، وشرع الله الأذان إعلانا بحلول الوقت، وإيذانا ببدء تكليف جديد متجدد. كما جعل الإسلام من آدابه ألا يضيع وقت المؤمن في لغو الحديث، فلا وقت لدى المؤمن للغو، بل كل وقته للعمل الجاد المثمر (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) «القصص: 55». كذلك حدد الضوء وخط الظلام، وهو أمر بالغ الدقة في القياس فقال عز من قائل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) «البقرة: 187». ونحن المسلمون مطالبون بأن نحول أوقاتنا إلى عمل صالح، وإلى إنتاج مثمر، يعود علينا وعلى أمتنا بالخير والتوفيق، ونحن على أبواب كفاح طويل، نحاول أن نؤكد به وجودنا في مواجهة قوى الشر والعدوان، ولا سلاح لنا إلا الوقت، الذي هو أمضى سلاح، نستطيع أن نحوله إلى مصانع، وإلى معامل، وإلى مصادر للقوة والثروة، ومخترعات نساير بها ركب الحضارة والمدنية وإلى سلاح نحارب به عدو الله وعدونا. مما سبق تتضح لنا قيمة الزمن، وأهمية الانتفاع بالوقت، وبهذا الحساب الدقيق ساد المسلمون الأوائل وشادوا، وأقاموا أحكام شريعتهم وأسسوا للدنيا حضارة شامخة دونها كل حضارة وبذلك يمكن أن ينطبق علينا قوله عز من قائل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) «آل عمران: 110». (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) لمن كان له قلب علامات القلب السليم للقلب السليم علامات فاتبعها تكن من أهل القلوب السليمة : العلامة الأولى : أن يرتحل قلبك عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحل فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء للدنيا غريبا ليأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور). العلامة الثانية : أن ينيب قلبك إلى الله ويخبت له، فلا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضا الله وقربك منه والأنس به، فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل. العلامة الثالثة : أن لا يفتر قلبك عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدله عليه، ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر. العلامة الرابعة : أن هذا القلب إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم أنه لو تقبلت منه صلاته منفردا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفا. العلامة الخامسة : أن القلب السليم يشتاق إلى طاعة ربه كما يشتاق الجائع إلى الطعام والعطشان إلى الشراب. العلامة السادسة : أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه وقرة عينه وسرور نفسه. العلامة السابعة : أن يكون همه واحدا، وأن يكون في الله تعالى، فهمه طاعة ربه، ورضا ربه، وعفو ربه، ومغفرة ورحمة ربه ودليله (وعجلت إليك رب لترضى) . العلامة الثامنة : أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله لأنه يرى عزة وقته وخطره وشرفه، وأنه رأس مال سعادته فيبخل به أن يضيعه فيما لا يقربه إلى ربه. العلامة التاسعة : أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منة الله عليه وتقصيره في حق الله. العلامة العاشرة : أن يكون سالما من محبة ما يكرهه الله، فيدخل في ذلك سلامته من الشرك الجلي والخفي، ومن الأهواء والبدع، ومن الفسوق والمعاصي كبائرها وصغائرها، ظاهرها وباطنها. خلاصة قولنا أن علامات القلب السليم للفرد السوي صحيح العقيدة، هو الذي همه كله في الله، وحبه كله لله، وقوله بالله، نيته وعمله وعبادته له، جوارحه بل بدنه كله لله، يقظته ونومه، حياته وموته لله وحده، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه، فكله بالله، وكله لله، وكله مع الله، وسيره دائما إلى الله. ------------------------------------------------------------------------ إن من الشعر لحكمة فعالي قبيح وظني حسن وربي غفور كثير المنن تبارز مولاك يا من عصى وتخشى من الجار لما فطن ركبت المعاصي وشيبي معي فوالله يا نفس ما ذا حسن فقومي الدياجي له وارغبي وقولي له يا عظيم المنن وقولي له يا عظيم الرجا إذا أنت لم تعف عني فمن بحقّ النبي هو المصطفى بحق الحسين بحق الحسن أيدفع مثلي إلى مالك وتعلم أني ضعيف البدن قرآننا شفاؤنا (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) «الآية 3 سورة الأنعام». الله قريب مجيب (اللهم إنا أصبحنا منك في نعمة وعافية وستر؛ فأتم علينا نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة؛ اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر؛ رضينا بالله ربا؛ وبالإسلام دينا؛ وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا) اللهم استجب يا حبيب يا قريب.. السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير). وقال (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع) متفق عليه. السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير). وقال (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع) متفق عليه. ------------------------------------------------------------------------ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب نوح عليه السلام قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) «نوح: 1». وقد أرسله الله إلى قومٍ فسد حالهم، ونسوا أصول شريعة الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله السابقين، وصاروا يعبدون الأوثان. وقد أثبت القرآن الكريم خمسة أوثان لهم، كانوا يقدسونها ويعبدونها، وهي: (وَدّ - سُوَاع - يَغُوث - يَعُوق - نْسْر). قال الله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) «نوح: 23». نسب نوح: يذكر النسَّابون أنه: نوح (عليه السلام) بن لامك بن متوشالح بن إدريس (''أخنوخ'' عليه السلام) بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث (عليه السلام) بن آدم (عليه السلام) أبي البشر. والله أعلم. حياة نوح مع قومه في فقرات: وقد ذُكرت قصة نوح مع قومه في ست سور من القرآن الكريم بشكل مفصَّل، وأبرز ما فيها النقاط التالية: 1 - إثبات نبوته ورسالته. 2 - دعوته لقومه دعوة ملحَّة، وثباته وصبره فيها، واتخاذه فيها مختلف الحجج والوسائل. 3 - إعراض قومه عنه، فكلما زادهم دعاءً وتذكيرا زادوه فرارا وإعراضا، وإصرارا على الباطل، واحتقارا لأتباعه من الضعفاء. 4 - عبادة قومه الأوثان الخمسة التي مرَّ ذكرها، وضلالهم الكثير. 5 - تنكّر قومه لدعوته، وتكذيبه فيها بحجة أنه رجل منهم، ثم طلبهم إنزال العذاب الذي يعدهم به. 6 - شكوى نوح إلى ربه أن قومه عصَوْه، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا. 7 - إعلام أو إخبار الله لنوح بأنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن، وذلك بعد زمن طويل لبعثه فيهم وهو يدعوهم ويصبر عليهم، وقد تعاقبت عليه منهم أجيال. 8 - دعوة نوح عليهم بقوله: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا) «نوح: 26-27». 9 - أمْرُ الله لنوح أن يصنع السفينة - وقد كان ماهرا في النجارة - وذلك تهيئة لإِنقاذه هو ومن معه من الطوفان الذي سيغسل الأرض من الكفر. 10 سخرية قوم نوح منه كلما مرَّ عليه ملأ منهم ورأوه يصنع السفينة، وذلك إمعانا منهم بالضلال وهم يَرَون منذرات العذاب. يتبع.. ------------------------------------------------------------------------ تفقه في دينك ودنياك س : هل الوشم جائز في الإسلام؟ ج : الوشم هو غرز الجلد بإبر وحشوه بالكحل أو بالرسم بالليزر وغيره ليتغير لونه إلى الزرقة أو الخضرة وهو محرم بإجماع العلماء. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن الله الواشمات والموتشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله) «متفق عليه» وهو حرام سواء للرجال أو للنساء؛ ومن فعل ذلك عن جهل أو كان كافرا فعليه أن يتوب إلى الله ويمحو هذا الوشم ويزيله، فإن لم يستطع فعليه إخفاؤه والله أعلى وأعلم.