نازحون من مناطقهم، وعالقون في الاشتباكات بلا غذاء ولا ماء ولا أدوية، وقتلى وجرحى من ضمنهم أطفال.. إنها معالم الكارثة الإنسانية التي بصدد التشكل في محافظة الأنبار العراقية بفعل اندفاع حكومة نوري المالكي نحو الحسم العسكري للمشكل الأمني الذي يقول مراقبون إن له جذورا سياسية تتجاوز مجرّد كونه صراعا مع الإرهاب. أدّت المواجهات العسكرية المتواصلة في محافظة الأنبار غرب بغداد بين القوات العراقية ومسلّحين عشائريين وآخرين من تنظيم _الدولة الإسلامية في العراق والشام_، إلى فرار أكثر من 140 ألف شخص غالبيتهم من الأهالي السنة في أسوأ موجة نزوح منذ الصراع الطائفي بين سنتي 2006-2008 حسب الأممالمتحدة. ويأتي ذلك كتجسيد لما كانت عدة جهات سياسية وحقوقية قد حذّرت من حدوثه نظرا لاشتعال المعارك في مناطق مأهولة بالسكان، الأمر الذي جعل الحرب التي أعلنها رئيس الوزراء نوري المالكي بمحافظة الأنبار تحت عنوان محاربة الإرهاب تتعرض لانتقادات من داخل العراق وخارجه خصوصا وأن قسما من المقاتلين ضد القوات الحكومية يتبرؤون من تنظيم القاعدة ويقولون إنهم جزء من ثورة عشائرية على الحكومة التي يعتبرونها طائفية وممارسة للتمييز ضدّ أبناء محافظتهم. وقد دعا مسؤولون بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، السلطات العراقية للبحث عن حلول سياسية، وإلى إنهاء تهميش العشائر وإدماجهم بالعملية السياسية، وإدماج مسلحيهم بالجيش، لكن رئيس الوزراء نوري المالكي اختار الحسم العسكري. ومازال مسلحون يسيطرون على أحياء في وسط وجنوب مدينة الرمادي، أكبر مدن محافظة الأنبار. وقال مصدر أمني في المدينة إن هجمات بقذائف الهاون استمرت منذ ليل الخميس حتى صباح أمس السبت واستهدفت أحياء الملعب والبوفراج وسط وشمال الرمادي، إثر قيام مسلحين بمهاجمة قوات الجيش بقذائف الهاون. ودفعت الاشتباكات أكثر من مئة وأربعين ألف شخص من أهالي الأنبار إلى الفرار منذ اندلاعها، وفقا للأمم المتحدة. وأكد متحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن _هذا أعلى عدد للنازحين منذ الصراع الطائفي الذي سبق أن شهده العراق في سنوات سابقة. وأشار إلى أن هذه الأعداد مثبتة لدى الحكومة العراقية. وفرّ أكثر من 65 ألف شخص من محافظة الأنبار خلال الأسبوع الماضي فقط، وفقا للمتحدث. وأضاف أن _كثيرا من المدنيين غير قادرين على مغادرة مناطق تشهد اشتباكات وتعاني نقصا في الغذاء والدواء والوقود_. وقد توجّه آلاف النازحين من أهالي الأنبار إلى بغداد وإقليم كردستان الشمالي ومحافظات أخرى. وأكد المتحدث أن _الناس لا يتوفر لديهم المال لشراء الغذاء وهناك نقص في ملابس مناسبة لظروف الأمطار، والأطفال بدون مدارس والظروف الصحية، خصوصا للنساء، مثيرة للقلق_.