كشف مصدر عليم ل «آخر ساعة» أن التحقيق الذي أجرته مديرية التجارة لولاية عنابة كشف عن حجم الفوضى التي يعيشها قطاع دور الحضانة ورياض الأطفال الذي لا يحترم الناشطون فيه أبسط القوانين المنظمة لنشاط مؤسسات ومراكز استقبال الطفولة الصغيرة. وليد هري فتحت مديرية التجارة قبل بضعة أشهر تحقيقا بخصوص دور ورياض الأطفال وهو ما تطرقت إليه «آخر ساعة» في أحد عددها الصادر بتاريخ 10 نوفمبر من السنة المنقضية، حيث أوضح مصدر عليم ل «آخر ساعة» بأن نتائج التحقيق خلصت في بلدية عنابة لوحدها إلى أن تطبيق القانون بصرامة على المخالفين للتشريع المنظم لهذا النشاط التجاري سيفضي إلى غلق نسبة كبيرة من دور ورياض الأطفال، باعتبار أن القليل منها تحترم القانون ولديها التراخيص اللازمة للنشاط في هذا المجال، كما أن أغلبها حتى تلك التي تتوفر على التراخيص اللازمة لا توفر العناية اللازمة للأطفال وأصبحت تركز على تحقيق أكبر ربح مهما كانت السبل، باعتبار أن سعر استقبال طفل واحد يتراوح بين 5000 و10 آلاف دينار شهريا. استقبال الأطفال المتمدرسين زاد من معاناة الأطفال الذين ينومون بالأدوية إضافة إلى ذلك، وقف أعوان مديرية التجارة على تجاوزات أخرى تقوم بها العديد من دور الحضانة ورياض الأطفال هو فتح أبواب هذه الأخيرة للأطفال المتمدرسين رغم أن القانون يمنع ذلك، حيث استغل بعض الناشطين في هذا المجال حاجة العائلات التي يعمل فيها الأب والأم لشخص يرعى طفلهم عند انتهاء وقت الدراسة من أجل تحقيق ربح إضافي على حساب الأطفال الذين يتم إهمالهم نتيجة ذلك خصوصا وأن المؤسسات أو المراكز التي تسجل فيهما هذه الممارسة يزداد فيها الاكتظاظ الذي يعود بالسلب على نوعية الرعاية التي تقدم للأطفال الذين أكد المصدر أنهم وجدوا بعضهم نائمين بطريقة غير طبيعية وذلك بسبب استعانة هذه المؤسسات والمراكز بأدوية منومة ، في الوقت الذي يحتم دفتر الشروط عليهم توفير برامج تعليمية للأطفال عوض تنويمهم، هذا ومن بين التجاوزات الأخرى التي سجلت من خلال هذا التحقيق عدم صيانة شبكة الكهرباء وعدم سد منافذ المقابس الكهربائية، بالإضافة إلى انعدام النظافة والإهمال، إنشاء بعض دور الحضانة داخل أماكن لا تتطابق مقاييسها مع ما هو منصوص عليه في القانون، على غرار افتقارها لحدائق مصغرة، ألعاب للتسلية، كتيبات وقصص للتلوين أو لألعاب تربوية وفكرية تعمل على تنمية قدرات الطفل الذهنية. جمعيات دخلت هذا النشاط للفوز بحصة من هذه «الكعكة» في نفس الموضوع، فإن تحقيق مديرية التجارة توصل إلى نتائج مرعبة كشفت عن اختلاط الحابل بالنابل في نشاط مؤسسات ومراكز استقبال الطفولة الصغيرة الذي دخلته حتى الجمعيات التي يفترض أن نشاطها غير ربحي، حيث وقف التحقيق على حصول عدد من الجمعيات على تراخيص لاستقبال الأطفال ولكن هذه التراخيص حددت لها عدد الأطفال الذين تستقبلهم بالنظر إلى المساحة المتوفرة، غير أنهم داسوا على التراخيص الممنوحة لهم وأصبحوا ينافسون مؤسسات ومراكز استقبال الطفولة الصغيرة من خلال تجاوز عدد الأطفال المحدد لهم في الرخصة وأصبحوا يمارسون نشاطا يفترض أن يحصلوا على سجل تجاري لممارسته، أما بخصوص الأسعار التي حددتها هذه الجمعيات وفقا لتحقيق مديرية التجارة فإن على الولي أن يدفع عند تسجيل ابنه المرة الأولى 15000 دينار وبعدها يدفع شهريا 7000 دينار. تحرير عدد من المحاضر بحق المخالفين للقوانين كشف المصدر أن أعوان الرقابة لمديرية التجارة حرروا قرابة 10 محاضر في بلدية عنابة في حق ممارسي نشاط دور الحضانة ورياض الأطفال وذلك بعد أن وقف الأعوان على المخالفات التي ارتكبوها سواء تلك المتعلقة بعدم امتلاك التراخيص اللازمة للنشاط في هذا المجال أو تلك المتعلقة بعدم احترام دفتر الشروط الذي ينظم هذا النشاط، على غرار عدم ترك كمية كافية من عينات الأكل الذي يقدم للأطفال للرجوع لها وتحليلها في حال مرض أحد الأطفال أو وقوع حالة تسمم، حيث من المفترض أن تحول مديرية التجارة ملفات المخالفين إلى العدالة للفصل فيها، في الوقت الذي ينتظر فيه انطلاق تحقيقات مشابهة في بلديات أخرى تتواجد فيها دور الحضانة ورياض الأطفال. تأخر منح التراخيص فاقم الوضع ودفع بالكثيرين للنشاط دون رخصة في سياق ذي صلة بالنتائج التي توصل لها تحقيق مديرية التجارة، فإن أصحاب دور الحضانة ورياض الأطفال الذين لا يملكون رخصة للنشاط والتي من خلالها يمكنهم الحصول على سجل تجاري يشتكون من التأخر الحاصل في الرد على طلباتهم المتعقلة بالحصول على رخصة لفتح حضانة وروضة أطفال وهي الرخصة التي تمنح من طرف الوالي بعد أن تدرس مديرية النشاط الاجتماعي «داس» الطلبات، حيث تنص المادة 27 من المرسوم التنفيذي 253-19 بأنه « ترسل الملفات الإدارية والتقنية للطلبات مرفقة بالرأي المعلل من اللجنة الخاصة، إلى الوالي الذي يبت في طلب إنشاء المؤسسات، في أجل لا يتعدى واحدا وعشرين (21) يوما. يجب أن يبلغ قرار الوالي إلى صاحب الطلب في أجل أقصاه ثمانية (8) أيام، ابتداء من تاريخ توقيع القرار»، هذا الوضع حتم على الكثيرين –حسب ما خلص له التحقيق- النشاط دون رخصة باعتبار أنهم يستأجرون المقرات التي ينشطون فيها بمبالغ كبيرة وعدم بداية النشاط سيكلفهم خسائر مالية كبيرة، حيث ينص القانون 08-04 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية في مادته 25 على ما يلي: «تخضع ممارسة أي نشاط أو مهنة مقننة خاضعة للتسجيل في السجل التجاري إلى الحصول قبل تسجيله في السجل التجاري، على رخصة أو اعتماد مؤقت تمنحه الإدارات أو الهيئات المؤهلة لذلك، غير أن الشروع الفعلي في ممارسة الأنشطة أو المهن المقننة الخاضعة للتسجيل في السجل التجاري يبقى مشروطا بحصول المعني على الرخصة أو الاعتماد النهائي المطلوبين اللذين تسلمهما الإدارات أو الهيئات المؤهلة»، في الوقت الذي تنص المادة 40 من نافس القانونية على عقوبات مالية وإدارية صارمة بحق من ينشطون دون رخصة، حيث تنص المادة على مايلي: «مع مراعاة العقوبات المنصوص عليها في التشريع الذي يحكمها، يعاقب على ممارسة نشاط أو مهنة مقننة خاضعة للتسجيل في السجل التجاري دون الرخص أو الاعتماد المطلوبين بغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج. علاوة على ذلك، يقوم القاضي بغلق المحل التجاري وفي حالة عدم التسوية خلال ثلاثة (3) أشهر ابتداء من تاريخ معاينة الجريمة، يقوم القضائي تلقائيا بشطب السجل التجاري». هذا ما ينص عليه المرسوم التنفيذي الجديد المحدد لشروط إنشاء مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة ارتأت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة إلى إصدار مرسوم تنفيذي جديد حل محل المرسوم التنفيذي رقم 287- 08 مؤرخ في 17 سبتمبر 2008 الذي يحدد شروط إنشاء مؤسسات ومراكز استقبال الطفولة الصغيرة وتنظيمها وسيرها ومراقبتها وذلك من أجل معالجة النقائص والثغرات التي كانت في هذا الأخير وضمان رعاية أفضل للأطفال، حيث ينص المرسوم التنفيذي الجديد الذي يحمل رقم 253-19 مؤرخ في 16 محرم عام 1441 الموافق ل 16 سبتمبر سنة 2019، يحدد شروط إنشاء مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة وتنظيمها وسيرها ومراقبتها، حيث يحدد القانون في مادته الثانية سن الأطفال المسموح باستقبالهم وهم أولئك البالغون من العمر ثلاثة أشهر إلى أقل من ست سنوات، أما المادة الرابعة أنه لا يمكن أن يتعدى عدد الأطفال المستقبلين 150 طفلا ويحدد عدد الأطفال المستقبلين، حسب طاقة الاستيعاب الحقيقية للمؤسسة، من قبل اللجنة المشتركة، هذا وتكلف هذه المؤسسات حسب ما جاء في المرسوم التنفيذي العمل على الإيقاظ والتنشيط النفسي الحركي للرضيع وللطفل، المتابعة الطبية والنفسية العاطفية والاجتماعية لهم، تنظيم نشاطات ترفيهية، مساعدة ومرافقة الأولياء في تربية أطفالهم، المساهمة في التكفل المبكر بالأطفال المعاقين أو المصابين بمرض مزمن أو مسبب لعجز، إعداد برنامج أسبوعي لوجبات غذائية صحية ومتوازنة، يعده مدير المؤسسة ويؤشر عليه الطبيب، ضمان متابعة طبية منتظمة من طرف طبيب، بالإضافة إلى العديد من الشروط الأخرى التي نص عليها المرسوم التنفيذي والتي نجد أن أغلبها غير مطبق على أرض الواقع ويحتاج إلى قوة ردع حقيقية لا تتراجع عن تطبيق القانون مهما كانت هوية الشخص المخالف.