تشهد العديد من شوارع مدينة عنابة ظاهرة انتشار المتسولين الذين نشاهدهم كلما غابت الشمس أو طلعت، مشاهد لمسناها عن قرب محاولين إيجاد أجوبة عن أسباب ودوافع هؤلاء لامتهان هذا العمل الشاق في الأسواق اليومية القبلة الأولى للمتسولين وخلال تجوالنا في أحد أسواق عنابة وجدنا أحد الأطفال رث الثياب أسرع نحونا مرددا مختلف عبارات التسول التي حفظها أو تعلمها بحكم العادة، طلب منا نقودا لشراء الخبز لأنه وبكل بساطة جائع ولا يملك ما يسكت به جوعه مما حملنا على إعطائه ما يريد ما سمح لنا التقرب منه أكثر ومحاورته حيث سألناه عن والديه فأخبرنا أن والديه منفصلان وأبوه لا يعرف له وجهة، أما أمه فتخرج في الصباح الباكر لتعود في ذات الوقت في اليوم الذي يليه. زينو وهو ابن الثانية عشر من العمر لا يعرف للمدرسة عنوانا ولما سألناه عن السبب قال "أنا حاليا أقطن مع جدتي وهي عجوز طاعنة في السن وليس لدينا مال ولم نجد منفذا آخر سوى التسول وطلب العون من الناس" مضيفا أنه لم يتعد ال 12 من العمر فلا أحد يقبل أن يشغله عنده ولا يوجد حل آخر سوى ما يقوم به. هذه إحدى العينات من الألف التي نصادفها يوميا خلال تجولنا بأرجاء المدينة. وفي زيارة أخرى لسوق الحطاب لاحظنا انتشارا واسعا للفقراء والمتسولين الذين يصطفون ويتمركزون بمختلف أركان السوق يطلبون الناس الحاجة، مرددين سلسلة من الأدعية التي لعلها تطرق قلب أحد الزبائن وفي هذا الصدد كان لآخر ساعة حديث مع أحد التجار بالسوق الذي استنكر وبشدة وجود هذه الفئات، مؤكدا أنه بمجرد أن تمنح لأحدهم مبلغا من المال تجد جمعا من المتسولين يجتمعون أمام باب المحل، كما أنهم لا يقنعون بما نقدمه لهم كما أضاف أحد الزبائن الذي كان بصدد التسوق أنه يأبى مساعدة هؤلاء لأنهم ليسوا بحاجة للمساعدة ويدعون الفقر ما أكد أن المحتاج تجده ببيته ولا يتجرأ على مد يده للغير. -محطات النقل والمساجد مطمع المتسولين مشهد آخر لمسناه خلال جولتنا بمحطة المسافرين "سيدي إبراهيم " تمركز هؤلاء بكل موقف ومن خلال تقربنا من إحدىث المتسولات طلبت منا مبلغا بسيطا من المال مقابل حديثنا معها وبمجرد اخد المال صرحت لنا بظروفها القاسية التي دفعت بها إلى امتهان هذه المهنة وهي التي تنحدر من ولاية سكيكدة يتيمة الأب ولديها 9 أخوات كلهن بنات، أربعة منهن يمتهن التسول يتنقلن يوميا صباحا إلى أماكن وولايات مختلفة ليعدن في ساعة متأخرة من اليوم اجل ضمان قوتهن وقوت عائلتهن، هذه الفئات تجدها تنتقي الأماكن الأكثر اكتظاظا ما يسمح لها بجمع اكبر قدر من المال فمنها من يلجأ إلى أخد مكان أمام أبواب المساجد من اجل نيل عطف ورأفة المصلين - الأطفال الرضع وسيلة النساء للتسول ناهيك عن ظاهرة استئجار الرضع واتخاذهم كوسيلة للتسول حيث تجد العديد من النسوة تحمل بين ذراعيها رضيعا حديث الولادة غير آبهين لما قد يصيبهم من أمراض أو علل فشغلهم الشاغل جمع الأموال وفقط ومنهن من تطعمه شرابا منوما لتضمن راحتها طيلة اليوم كما تجد أيضا العديد من الأطفال الذين لا يتجاوزون سن الخامسة يتخذون من الأرصفة سريرا لهم إلى جانب أمهاتهم أو نساء لا يمتن لهم بأية صلة يسألون المارة ويتوسلون إليهم من أجل الظفر ببعض الدنانير الأماكن محجوزة والطرق مختلفة ما يجلب الانتباه هي الشجارات الكثيرة التي تنشأ بين هؤلاء من حين لآخر والسبب هي الأماكن التي حجزت من طرفهم في ساعات مبكرة من اليوم والذين يأبون بل يرفضون بتاتا تواجد اثنين بالقرب من بعضهما. ناهيك عن احدث السبل التي ينتهجها هؤلاء من أجل تحصيل الأموال وهو ما فتح باب المنافسة بينهم. فمنهم من تجد بجانبه أو أمامه وأحيانا بيده بطاقة معاق أو وصفة طبية بها قائمة طويلة وعريضة من الأدوية الخاصة بأمراض عدة وعديدة وفي هذا الصدد فقد أكد لنا أحد عناصر أمن عنابة أن هناك شبكات مختصة في مثل هذه العمليات والتي تقف وراء انتشار هؤلاء المتسولين حيث يوزعونهم على المناطق الأكثر اكتظاظا بعنابة في ساعة مبكرة من النهار ليعودوا إلى جمعهم في ساعات متأخرة من الليل مقابل مبلغ مالي معين يقدم لهم حسب قيمة المدخول أو حسب ما يجمعه هؤلاء خلال عملهم اليومي التسول مهنة تحقق أرباحا خيالية وفي ذات السياق أكد أحد المواطنين أن التوسل بات اليوم مهنة من لا عمل له ومهنة الكسالى خاصة وأنها لا تتطلب جهدا كبيرا مضيفا أن هذه المهنة تعود عليهم بأموال طائلة مشيرا إلى احد المتسولين الذي يقطن بأرقى أحياء عنابة ويملك فيلا وسيارة فخمة حقق معظم ذلك من خلال امتهانه لهذا العمل منذ سنوات عديدة وطويلة لذا يلجأ هؤلاء إلى اتخاذ هذا العمل كحل للتملص من البطالة أو الفراغ من جهة وتحقيق اكبر قدر من الأرباح من جهة أخرى وهو الأمر الذي أصبح يؤرق سكان المدينة ما جعلهم يطالبون الجهات الوصية بالتدخل السريع من أجل وضع حد لمثل هذه الظواهر التي صارت تميز شوارع عنابة وتنهب أموال المواطنين وكذا حماية الأطفال الذين أصبحوا يستغلون أبشع استغلال زعرورة سارة