تشهد العديد من شوارع ولاية غرداية ظاهرة انتشار المتسوّلين والسكارى الذين نشاهدهم كلما غابت شمس أو طلعت. مشاهد لمسناها عن قرب وتساءلنا: ماذا يصنع هؤلاء في ولاية لا يجوع أهلها ولطالما عُرفوا بكرم وجود ومساعدة الغير، وهل في غرداية المحافظة مثل هؤلاء؟ أسئلة لم نجد أجوبة عنها في هذا الروبورتاج الذي يلامس واقعا مليئا بالألم. أطفال يتسولون من أجل إسكات الجوع في أحد أسواق الولاية، وعلى مقربة من الموقف الخاص بالحافلات العاملة على خط غرداية- سيدي أعباز، فاجأني أحد الأطفال رثّ الثياب، يطلب مني نقودا لشراء كعك لأنه ببساطة جائع ولا يملك ما يسكت به جوعه مما حملنا على شراء له ما يريد. سألته عن والديه، فأخبرني أن والديه منفصلان وأبوه مسافر إلى وجهة لا يعرفها وأنه لا يذهب إلى المدرسة مثل باقي الأطفال، وأضاف أنّ التسول وطلب المساعدة من الناس هو الحل الوحيد “فأنا صغير ولا أحد يرضى أن يشغلني عنده“. وبالرغم من كل هذا الألم، الذي لمسناه في نفس الطفل، إلا أنه راض بما هو فيه. وعندما سألناه عن والدته، قال بأنه لا يعرف أين تذهب، تخرج من الصباح ولا تعود إلا مساءً. السوق اليومي قبلة المتسولين والفقراء في المدخل المؤدي إلى السوق، نشاهد يوميا مجموعة من المتسولين والفقراء يطلبون الناس الحاجة، فبعضهم يعطي والبعض الآخر يمتنع. وأجمع من تحدثنا إليهم، أن سبب عدم إعطاء النقود لهم هو “أنهم يدّعون الفقر“. وأخبرنا صاحب دكان في ذات السوق بقوله: “كنا نتصدق عليهم، غير أننا اكتشفنا أنهم لا يقنعون بما نقدمه لهم، حيث يعودون إلينا كل يوم لطلب المزيد“. وأضاف أنه كلما أعطاهم صدقة يعودون إليه برفقة متسولين آخرين وهو المشهد الذي يتكرر كل صباح. مشهد آخر لمتسول ينام كل يوم بالقرب من “نزل طالب“ لأنه ببساطة لا يملك منزلا يأويه من برودة المنطقة، ومن أمامه يمر الناس وقلة منهم يعطيه “معروفا“. حتى النساء احترفن المهنة ...وماذا بعد؟ في كل عشية نشاهد مجموعة من النساء تطلبن العون والإحسان من الناس و“يقذفن“ بأبنائهن الصغار أمام المارة حتى يتصدق عليهم الناس، بحجة أن الصغار لا أحد يمنع عنهم الصدقة. هذا الأمر سبّب استياء العديد من سكان الولاية، وحسب رأيهم “فهؤلاء النساء ترتكبن جريمة في حق أبنائهن، فبدل توجيههم إلى الدراسة يأتين بهم إلى الشارع ليتعلموا مهنة آبائهم. فهل يعقل هذا في ولاية تعرف بصرامة قوانينها“. للإشارة، يقصد مدينة غرداية العديد من المتسولين من خارج الولاية، يأتون ولا يجدون من يمنعهم عن مزاولة “مهنة التسول“، فعملهم يدوم من الصباح إلى غاية غروب الشمس وأبناءهم في أحضانهم.