تبرز الوضعية الكارثية وغير التربوية التي يتمدرس فيها 1600 تلميذ وتلميذة في إكمالية الدكتور أحمد عروة، المتواجدة في أعالي الحي الفوضي (بن الشرقي) حقيقة المعاناة التي يتجرعها يوميا وعلى مدار الموسم الدراسي الطاقم الإداري والمعلمين وحتى الأولياء. والمشكلة المطروحة هي أن الجميع يعلم بمكمن المهزلة والخلل، ولكن دون مبادرة في إصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو العامل الرئيسي الذي حولها كما هو متعارف عليه إلى إكمالية "قصديرية" وهنا تتجسد حقيقة الاستهتار بالجانب البيداغوجي والتحصيل العلمي ل 1600 تلميذ. المتمثل في الطريق المهترئة والكثيرة الحفر، والباب الحديدي الخارجي للإكمالية والنتوءات البارزة فيه من أثر الضربات بالحجارة وأشياء أخرى تلخصن إلى حد ما حقيقة ما يوجد في الداخل... والشيء المؤكد أنه لولا اللافتة البارزة في الأعلى والمبرزة أنها فعلا إكمالية "أحمد عروة لما أعارها أي شخص أدنى اهتمام ولما عرف أصلا أن هذه البناية البالية هي مؤسسة تربوية برتبة "متوسطة". طبيعة الإكمالية (المتوسطة) التي تعود نشأتها إلى سنة 1991، حسب معاينتنا لواقعها وتأكيد مصادرنا تدعو فعلا للحسرة على الوضعية الفوضوية التي هي عليها، وهي أشبه بالبيوت الفوضوية التي تم تهديمها في المنطقة، والفرق الوحيد يكمن في التسمية. بدلالة أن هذه المتوسطة تحوي في حجراتها قرابة 1600 تلميذ وتلميذة، حتى أن عددا كبيرا من المواطنين تساءلوا كيف لم يتم تهديمها. ميلاد هذه المؤسسة التربوية سنة 1991 كان على أساس مدرسة ابتدائية، لكن ظروف المنطقة والحي السكني الفوضوي، والكثافة السكانية وكثرة الطلب دفعت بالمسؤولين إلى تحويلها إلى إكمالية. وبلغت الذروة بضمها 1600 تلميذ وتلميذة. يزاولون التحصيل العلمي في 40 قسما و26 حجرة، ومخبرين وورشتين. إلى جانب 08 أقسام متنقلة، ولكن في ظروف غير تربوية، بدلالة أن المطعم خارج مجال التغطية، التدفئة ناقصة وعدد كبير من الأبواب والنوافذ مكسرة، زيادة على عدد مماثل من الكراسي والطاولات، والجدران والباب الخارجي. وترجع أسباب هذه الهجمة المخصصة لتكسير ممتلكات المؤسسة إلى السلوكيات المثيرة للدهشة والتساؤل لعدد غير قليل من جمهرة التلاميذ، الذين يترجمون حدة تذمرهم من الوضعية الاجتماعية العامة التي يتخبطون فيها بتكسير الكراسي والنوافذ، وتخريب كل ما يمكنهم تخريبه، وهو الأمر الذي أدى إلى القيام بحملة تحسيس وتوعية في مساجد المنطقة مثل النور، الرحمن، بن تيمية وعروة بن الزبير لحث أولياء التلاميذ على تحمل مسؤولية السلوكيات العدوانية لأولادهم. ومراقبتهم بحزم في هذه المرحلة الحساسة التي يمرون بها والمساهمة مع إدارة الإكمالية في (التربية والتعليم). غالبية التلاميذ في هذه المؤسسة التربوية كما تقول مصادرنا وحتى بعض الأساتذة والتلاميذ أنفسهم يجهلون من يكون هذا الدكتور "أحمد عروة" الذي نال شرف تسمية مؤسستهم باسمه ومن الظواهر الخطيرة المتفشية أن التلاميذ في هذه الإكمالية يغشون في الامتحانات والفروض جهارا نهارا أي بالقوة. أما أولياؤهم فحضورهم للمؤسسة فيكون للتذمر من سلوك الإدارة والأساتذة ضد أولادهم. ويرجع تحاملهم ضد الإدارة للظروف المعيشية ونقص الوعي التي دفع بالأولياء إلى تأكيدهم على أن المدرسة عموما وفي كافة الأطوار ما هي إلا ملجأ آمنا ومضمونا لإبعاد أبنائهم عن المنزل وإثارة الفوضى والشغب في الحي السكني. هذه النظرة الضيقة تؤكد مصادرنا أنها دفعت بالتلاميذ إلى الشغب والثورة كمتنفس لهم للتعبير عن حالة القهر والبخل العاطفي الذي يواجهونه في منازلهم، وإحساسهم أنهم عالة على العائلة ووجودهم غير مرغوب فيه. ونتج عن تراكم لامبالاة الأولياء وزيادة موجة تذمر التلاميذ، يأس المعلمين والإداريين من استحالة تغيير الوضع، وهو الشيء الذي خلق لديهم فكرة واجب تأدية العمل بطريقة آلية وانتظار الأجرة والعطلة للاستراحة والهروب والبعد عن هذا الجحيم التربوي الذي أصبح لا يطاق. وسط هذا الجو غير المشجع على التحصيل العلمي أو إبراز القدرات تتمدرس (ابتهال خيثر) وهي تقطن بذات الحي السكني في حجرة مساحتها 12 مترا مربعا رفقة الوالد وهو فنان تشكيلي وعازف موسيقى، والوالدة وهي الأخرى فنانة تشكيلة ومربية شبيبة مختصة، وأختيها (آلاء وأنفال) بعد أن هجروا مسكنهم القديم الذي لم يكن سوى مرآبا، وبالرغم من هذه الظروف المحبطة والكارثية فهي من أنجب التلاميذ بمعدل 17/20 وفنانة تشكيلية، شاعرة، مؤلفة نصوص مسرحية، وتجيد 03 لغات الفرنسية، الإنجليزية واليابانية وزيادة على هذا تقدمت بضبط مخطط برنامج عمل نشاط تربوي شامل، وقدمته للإدارة كخطوة ملموسة منها لتغيير ما يمكن تغييره، ولإشعال شمعة كما تقول بدلا من ديمومة لعنة الظلام، هي المفارقة العجيبة التي علق عليها أحدهم بالمثل العربي القائل (رب جوهرة في مزبلة). وهي بهذه المبادرة تسير على خطى الفريق الرياضي "العدو الريفي والقفز الطويل" الذي حقق في إحدى السنوات الدراسية المرتبة الأولى ولائيا، ولكن تم منعهم من السفر لمواصلة التنافس مع تلاميذ الولايات الأخرى. لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها "الحقرة" كما هو سائد في هذا الحي السكني الفوضوي المهمش من طرف السلطات المحلية. بوطغان فريد