استوقفني مقال جيد للدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي من السعودية نشر بصحيفة »الرأي« حول واقع اللغة العربية حاليا، مما جاء فيه: »المنطوق يختلف بين الناس في كل زمان ومكان، واللكنات واللهجات لا سبيل إلى التغلّب عليها في أيِ لغة. إلاّ أنه من المهمّ إدراك أنه حين يتحول المنطوقُ الشفويُ إلى منصوص مكتوب، أو مبثوث إعلامي - ولاسيما الشعريّ منه- وحينما تتصدّر عناصر نخبوية الساحات لتزيينه في أذهان الأجيال وأفئدتهم، فيما يوشك أن يكون دعوة صريحةً إليه وتزهيدا في سواه، وحين يأخذ بعض علمائنا ومثقفينا في التأصيل لوجوده، والتأريخ لأطواره، والتنظير لفنياته، والتقعيد لبنياته، حينئذ- وحينئذ لا يُغشي البصائر إلّا جهل أو هوى قاتل- تبدأ عجلة التأسيس للغة انفصالية، اعترفنا بذاك أم لم نعترف، وعندها يُطل الخطر الداهم على اللغة الأُمّ، التي تمثل عامل توحيد لغوي وثقافيّ بين أبناء أيّ شعب من الشعوب. ولذا، وبالنظر إلى واقع العربية اليوم، لا دهشة أن ينسب بعض الغير إلى منظمة اليونسكو إعلانا مفاده: أن اللغة العربية ستنقرض بنهاية هذا القرن، ولن تعود لغة عالمية«. يقينا فإن نتيجة مثل هذه ستكون عادية وطبيعية ومتوقعة أيضا لما تفعل النخب المستلبة ثقافيا وما تفعله حتما النخب الحاكمة المستبدة باللغة العربية، السالبة للهُوية كما الحريات والمواطنة سواء بسواء، وغير مستغربة تماما لما يقوم به الأشباه الذين يؤطرون الإعلام العربي بصحافته ذات اللغة الهجينة التي تحارب سلاسة العربية وسحرها الجميل، والفضائيات المغشوشة بمعظم كوادرها الذين يكّنون عداوة مجانية للغة العربية لأنهم يجهلونها، من باب من جهل شيئا عاداه.. ! النتيجة لن تكون إلاّ ما توقعته »اليونسكو«، أمام تخاذل النخب الفكرية والثقافية وارتهان الثقافي بالسياسي وعدم استعداده ليكون سلطة أو أن يناضل من أجل المثاقفة والنقد وانسجام الوجدان الحضاري للأمة والمجتمع. بدأ الآن في كثير من أقطار الوطن العربي وتحت يافطة مبهرة تسوّق للديمقراطية والحريات، مشروع الانفصالية، بتجزئة المجزّأ، تمهيدا للغة انفصالية عن اللغة الأم، ولن تكون هذه اللغة إلاّ لغات انفصالية، ولا يبقى من اللغة الأم غير التراث الديني من أجل القيام بالعبادات فحسب.. ! ما يبدو بعيدا بشأن مصير العربية في الضمير العربي هو نفسه ما كان يشعر به الناس قبل أكثر من سنة أو سنتين بشأن سقوط الطغاة في بعض الأقطار.. ! أما بعد: " الهوية هي ما نوّرث وليس ما نرث" محمود درويش