يرى الشاعر والناقد المصري يوسف شعبان أن الحواجز الرسمية و الحكومية هي من تقف بالدرجة الأولى وبشكل رهيب أمام التواصل بين المثقفين العرب، ويتحدث رئيس منتدى ورشة الزيتون في هذا الحوار عن مشاركته في المهرجان الإفريقي لأدب الشباب الذي احتضنته الجزائر مؤخرا،حيث قال إن المهرجان سمح بخلق نوع من الاحتكاك و التبادل بين المثقفين ، كما يتحدث صاحب " أحلام شكسبيرية" عن بعض القضايا المرتبطة براهن الثقافة العربية. حاورته: سهيلة بن حامة *ماذا عن مشاركتم في المهرجان الإفريقي لأدب الشباب بالجزائر" *** مشاركتي جاءت في أطار المهرجان الإفريقي لأدب الشباب الذي احتضنه رياض الفتح مؤخرا قدمت ثلاثة مداخلات الاولي كانت عبارة عن قراءات شعرية، والمداخلات الأخرى كانت حول الكتابة بين الشعر والرواية الجديدة على وجه الخصوص، وتلخصت ورقتي حول الكتابة الجديدة بين التقديس الوهمي والتبجيل الحقيقي، بمعنى أنه في العقود الخمسة |أو الستة السابقة حدث نوع من أنواع التقديس الوهمي للشاعر وللقصيدة لدرجة التي عزل الشعر فيها،نحن نريد أدبا يستطيع أن يستوعبه الناس ويستطعون القدرة على فهمه.، النص خلق كي يستخدم، ويصل إلى حد التبادل على شكل السلعة، هذا ليس مسيء للشعر أو مخل بمقاييس الفن القصيدى ، أو المسرحية لكن أن تكون رواية لشرح نظرية فلسفية. الكتابة استطاعت أن تخرج النص الإبداعي من حالته القدسية المتداولة، الحالة الاستعمالية والتبادلية ، هذا ما استطاع أن يبذله الشعراء الجدد. وإن كان هناك بعض التجاوزات لإ ستمرارهذا المفهوم إلى درجة استخدام كلمات مستغربة شعبية وإدخال فولكلوريات . نحن نريد نصا استعماليا بسيطا مفهوما يؤثر في حياة الناس و لا يقف كالقمر أو الشمس في السماء. *** كان هناك احتكاك وتبادل بين المشاركين في فعاليات المهرجان الافريقي لأدب الشاباب ،الندوة التي شاركت فيها كانت ساخنة،حيث تفاعل الحضور مع مجمل المداخلات المقترحة، و كانت مداخلتي الثانية حول الصحافة الثقافية ،و تلخصت " أن الصحافة الثقافية الآن تتخبط في عديد من المشاكل، خاصة و أن الصحافة العربية حينما يكون المشرف على الصفحة الثقافية منحاز إلى ثقافة بلده على حساب بلاد آخر.يوجد جرائد تتسم بالطابع العربي فيها تحيز لثقافات كثيرة، هناك صحف محلية وصحف ذات طابع دولي خاصة الصحف التي تصدرفي المنفى. * على ذكر المثقف العربي، برأيكم هل هناك اتصال حقيقي بين المثقفين العرب بعيدا عن الشكليات والمؤتمرات التي تقام هنا وهناك؟ *** صراحة مشاركتي خلال هذا المهرجان جعلتني أشعر بأ ن هناك اتصال حقيقي بين المثقف العربي في الجزائر أو في مصرويريد فعلا التواصل مع المثقف العربي الآخر. ولكن هناك بعض الحواجز الرسمية أو الحكومية تقف بشكل رهيب أمام التواصل بين المثقفين، فمثلا الثقافة الجزائرية بعيدة تماما عن مصر، حيث اختصرت في كاتب أو كاتبين مثلا الراحل كاتب ياسين على عظمته أو مالك حداد، المشهد الثقافي الجزائري غائب تماما عن الثقافة المصرية، حتى الطاهر وطار أو رشيد بوجدرة غير موجودون في مصر لأنهم لم ينشرو في القاهرة، التواصل غائب السبب لا ينحصر فقط في الحواجز الرسمية التي تقيمها السياسة بل حتى في المثقف نفسه، حينما تختلف دولة مع دولة أو نظام مع نظام يكون له انعكاس سلبي مباشرة على الثقافة. * هل تظنون أن الثقافة العربية سقطت فريسة لتهميش السلطة العربية ؟ *** نعم، لكن لدرجة من الدرجات، بطبعي متفائل ولست متشاءما أوعدميا، أرى أن مساحات الثقافة الحقيقية نبثث حتى في مساحات الخراب الواسع، لكن هناك بعض الدول العربية من تكرس لنوع من الثقافة، وتكرس نوع خاص من الكتاب وهم في مصرالحزائر، سوريا... مثالا كاتبة مثل مي زيادة حينما استطاعت أن تلغي الحركة النسوية تماما حدث تركيز عليها ليس من السلطة ولكن من طرف سلطة المثقفين، واختصرت الحركة النسوية تماما . لا أريد أن اذكر أسماء أخرى ، هنا يجد الكاتب نفسه في مركز مغازلة السلطة السياسية،ويتم ترويجه وتسويقه عشرات المرات بأشكال مختلفة، لكن ليس كمفكر أومبدع بل كسياسي ومصلح اجتماعي وجميل و ..... *ما تعليقكم حول المثقف الذي يتبع السلطة ويخون ثقافته؟ *** منتشر وموجود بدرجات مختلفة، يعني إذا كان هو مثقف يمالئ السلطة بشكل سافل و المثقف الذي يمالئ السلطة بشكل مقنع وملتف هذا اخطر، هذه الممالئة الناعمة أو الابتزاز من هذا وذاك، الذي يمالئ السلطة بشكل واضح أصبح مكشوفا، لكن المثقف الحقيقي أو المثقف الراديكالي أو اليساري خلال العقود الثالثة الأربعة الماضية أصبح تماما تابعا للسلطة، وأضحى موجودا في العديد من اللجان والمؤسسات القومية، الدولة كانت في سنوات الستينيات والسبعينيات مثلا تعاقب المثقف بسجنه ومنعه من الكتابة ، لكن الآن أصبحت تعاقبه بتقديم له رشاوي كثيرة ، وهذا نوع من العقاب لأنه يصبح لا يكتب نفسه بل يكتب السلطة، والعقاب أصبح في الذهب ... والرشاوي أصبحت متعددة، تنصيبه في وظيفة ما ، نشر كتبه، تجده يكتب عمودا في مجلة.... *هل حان الوقت لتأسيس هيئةثقافية مستقلة تتمتع بصلاحيات حرة قصد المشاركة الفاعلة في إصلاح واقعنا الثقافي العربي؟ *** نأمل ذلك في أن يكون هناك مثقف وهيئة ثقافية عربية مستقلة، يبدو أن ذلك لم يحن أوانه الآن، يمكن التأسيس، لكن هل يستطيع المثقف أن يصمد أمام أشكال القمع والتزييف المتعددة ؟، لذلك نجد السلطة دائما تأسس وتشيد من مؤسستها لاستعادة قدراتها للإستعاب ، كيف يستطيع المثقف أن ينقذ نفسه من هذه الإغراءات..... لدي مثلا تجربة عمرها تقريبا 30 عاما مقرها الشارع " التقدم الوحدوي" وهي ورشة الزيتون الإبداعية، بعيدة تماما عن المؤسسات الرسيمة وتعمل على المستوى المحلي. استطاعت هذه الورشة أن تناقش عشرات النشاطات الإبداعية المصرية والعربية ، وهي مفتوحة أما كل مثقف يأتي إلى القاهرة يريد مناقشة أي قضية في ورشة الزيتون المتواجدة في مكان فقير بالقاهرة. * هل هناك جهود مثمرة خاصة في بلادكم من أجل تكوين جبهة المثقفين المستقلين؟ *** هناك جهود كثيرة، المثقف قادر على إنتاج نوع من الاستقلالية، هناك لجنة أقمناها تحمل اسم« لجنة الضمير الثقافي» ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية كانت تقودها الكاتبة الراحلة لطيفة الزياد استطاعت أن تقف في وجه تطبيع مصر مع إسرائيل ،نحن بحاجة إلى مثل هذه الجمعيات الصغيرة التي تنشا ثم تزول ، أنا لا أحلم بالأبدية لا يوجد حزب ينشىء على مدى التاريخ لكن بعض –الخرباشات- تستطيع أن تكسر النظام ،ترهبه وحتى الدولة تضع له اعتبارات، تمالئ بعض المنافقين، لكن لما نشأت التجمعات الصغيرة غيرت من مسار سياستها، وبدأت تأخذ ها بيعن الاعتبار. * كيف تحكمون عن انتشار العولمة من جهة وهيمنة وسائل الإعلام من جهة أخرى على الحكم العربي؟ *** العولمة لها أكثر من مفهوم، كمصطلح في حد ذاته ليس ضارة، عولمة الفساد ،عولمة أنفلونزا الخنازير وعولمة أن أصبح وباء عالمي، لكن الأبعاد الطلائعية للكتابة وعولمة العدالة والحرية، حينما يأتي مفهوم الحرية من أي بلد طليعي، حين نفكر بأفكار أرسطو أو كارل ماركس هذه عولمة لكن ايجابية لكن عندما نفكر بعولمة هتلر أو موسيليني فهذه أفكار أخرى.عولمة الفساد وإعادة تسويقه بأشكال مقنعة، نحن نكافح ضد هذه الأشكال من العولمة من التعميم. * ماذا عن التجربة الشعرية ليوسف شعبان؟ أكتب الشعر منذ أكثر من 30 عاما، و أصدرت أول دواويني سنة 1993، دونت سبعة دواوين، بدأت اكتب في إطار الشعر الهتافي والمظاهرات، كانت القصيدة كسلاح. وقتها وانعكاس للحالة الوطنية الديموقراطية التي كانت موجودة آنذاك... بعد ذلك بدأت تنفتح الأشعار على تجارب المرأة، لكن حواء ليست بالشكل التقليدي بعينيها وقدميها وقلبها، لكن المرأة كممثل لأجمل ما في الحياة، أدق ما فيها ، لأنني اعتبرها في قصائدي « ترمومتر» قياس درجات التخلف و المجتمع، كل ما لا يؤنث لا يعول عليه، هي أصل الحياة. كتاباتي كلها عن المرأة تقريبا، أو عن علاقات تكاد أن تكون مشخصة، ربما في القصائد الأولى لا تستطعون قراءة الشخص بل افكاره و البعد الوطني عنده مثلا ، لكن في قصائدي الأخيرة تستطيع قراءتي فأحلام شكسبيرية مثلا هناك تقاطع مع هملات على وجه الخصوصن . *كيف يعرف يوسف شعبان تحفته الاخير ة " احلام شكسبيرية"؟ شكّل شكسبير بالنسبة إلي «الرمز» الذي يسيطر على المبدع. كذلك وجدت أن الواقع يتلاءم مع الحياة الشكسبيرية، فرغم مرور أكثر من 500 عام عليها، لا تزال كتابات شكسبير تجيب عن أسئلة كثيرة، ما يدلّ على أنها إبداع عالمي. كنت غارقاً أخيراً في القراءات الشكسبيرية، خصوصاً الكينونة لدى هاملت كشخص وكمواطن. أحسست أنها فكرة محورية إلى حد كبير، إذ يشكّل هاملت المركز الرئيس في المسرحية وتليه أوفيليا في الأهمية، أمّا في ديواني فوضعت الأخيرة في المرتبة الأولى، ما انعكس على بعض عناوين القصائد. أوفيليا بالنسبة إلي "أيزيس" المستهلكة كثيراً في الإبداع المصري، لذا حاولت أن أستعمل رمزاً لم ينتهك بعد، فوضعت أوفيليا في مرتبة عالية كي أرفع من شأنها، ومبدأ الصعود هنا ضروري للبحث عن رمز جديد. انطلاقة الأخير بدأ الحوار بين الثقافة العربية ونظيرتها الفارسية، فيما تتصادم هاتان الثقافتان مع الثقافة الغربية، خصوصاً الأميركية التي لا تستطيع أن تتجاوب مع الشعوب العربية في ظل ما تفرضه من أنماط استهلاكية للقضاء على ثقافتنا. ديوان أحلام شكسبيرية صدر عن دار هفن للترجمة والنشروهو ايواني السابع .. سبق وصدر لي مقعد ثابت في الريح 1993 معاودات 1994 كأنه بالأمس فقط 1998 تظهر في منامي كثيرا 1999 أكثر من سبب للعزلة 2002. *بصفتطم ناقدا ومتتبعا للحركة الابية الراهنة ما تعليقكم ؟ *** لدي مئات المقالات لكن لم تتح لي الفرصة بنشرها ، و انا مشغول بالتاريخ الثقافي المجهول في الثاقفة العربية اريد أن انقذ كثرون من الكتاب المجهولون. * مادا تقول للشعراء الجدد؟ *** هناك شعراء كبار متقدمين، انا متفائل بهم جدا، لهم تجربة ثرية ولكن النقاد المختصين والمتابعين للساحة الاديبة والشعرية لا يتابعون فهم " ماضوييون" ،لا نزال نحن نرقد تحت شباك " أحمد شوقي وحافظ ابراهيم ونردد المتنبي و آخرين... حتى لا تقرأالتجربة الجديدة، واستطيع أن أقول أن هناك تجارب شامخة، ولسيت بالضرورةأن تكتب 20 ديوانا وهذه حقيقة حتى في مجال القصة ،الرواية و المسرح العين العمياء لا تريد أن ترى. نصيحتي ان يقف المثقفون الجزائريون على ارضية مشتركة، هكذا نستطعون صناعة ثقافة عربية ايجابية و حترمة ا لسي من الضروري التباهي . * بعيدا عن الثقافة هل تابع يوسف شعبان المباراة التي جمعت الفريق الجزائري بنضيره المصري، ما تعليقكم؟ *** لست سعيدا بهزيمة مصر،و هذاعقبا لمن اعتقد نفسه مدربا حسن شحاتة، كانت حقيقة مأساة ، العجيب أن هزيمتنا من الجزائر كانت قوية من هزيمتنا من أمريكا ، وهنا أصبحت اشك في ميزاج الشعوب .