مرّت أكثر من 12 يوما على اعتصام أعوان الحرس البلدي، إذ ما يقارب 12 ألف عون ما يزالون معتصمين بإحدى بساتين بوفاريك المحاذية للطريق السريع بالبليدة وقبالة المطار العسكري، ولكل من يمر بسيارته عبر الطريق السريع لا يمكن له أن يتجاهل علم الجزائر بحجمه الكبير وهو معلق بين الأشجار، سمي اعتصام الكرامة، حيث لم تمنع هؤلاء المعتصمين لا حرارة الصيف ولا مشاق ساعات الصيام الطويلة من مواصلة الطريق، هي مرحلة تحضر لمسيرة حاشدة يستعد أعوان الحرس البلدي القيام بها نحو العاصمة والتي قالوا إنهم سيدخلونها بأكثر من 60 ألف شخص، مدعومين بعائلاتهم وأقاربهم من أجل هدف واحد وهو تحقيق مطالبهم التي وصفوها بالمشروعة. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، أكثر من 12 يوم ا مرّ على اعتصام أعوان الحرس البلدي ببلدية بوفاريك، بالمئات يقبعون بأرض فلاة، ينتظرون حلا لقضيتهم التي قالوا إنها عادلة والتفوا حولها بكل قوة، بمجرد أن ألقينا السلام على أحد الفريق المجتمع تحت خيمة صغيرة مصنوعة بالقصب لتقيهم حر الشمس، سألنا عن المندوب الوطني المكلف بالإعلام، عليوات لحلو، ليتم توجيهنا إليه بسرعة، هذا الأخير كان بدوره بداخل إحدى الخيام رفقة زميل له، وبمجرد أن شرعنا في الحديث معه، بدأ عشرات الأعوان يلتحقون بنا، لكن النظام كان يفرض نفسه، فالمنسق الوطني هو من كان يتكلم. مشاكل صحية وظروف صعبة يكابدها المعتصمون بمخيم بوفاريك بالنسبة لعليوات لحلو، فإن الوضع كارثي بمخيم الكرامة، مع العلم أنه لا يستحق حتى أن يوصف بمخيم على حد تعبيره، أكثر من 23 ألف عون متواجدون بالمخيم، بين من يغادرون ومن يعودون، خيام منصبة هنا وهناك، وعشرات بل مئات يفترشون »الكرطون« ويرقدون تحت ظلال الأشجار، في مشاهد تشبه معيشة القرون الوسطى كما فضل أحد الأعوان أن يصفها، فيما قال عون آخر، ليس لنا خيار يجب أن ندوس على قلوبنا فقضيتنا أكبر من كل هذا. بالرغم من أن صاحب المزرعة لم يحرم هؤلاء المعتصمين من الماء، بل بالعكس زودهم بكل الإمكانيات المتاحة التي تسمح لهم بالاغتسال والشرب، يبقى الوضع كارثي في مخيم بوفاريك، خاصة وأن الأعوان يضطرون إلى قضاء حوائجهم في العراء، غياب لخصوصية الفرد وغيرها من مظاهر البؤس، على غرار تراكم الأوساخ، مخيمات من قصب وخيمة أخرى تم تحويلها إلى مطبخ، حيث يضطر الأعوان إلى جمع الأموال، كل حسب مقدوره المادي لتحضير وجبة الإفطار، وهذا لم يمنع مساعدات المواطنين وزملاء المهنة بالبلديات المجاورة وكذا بعض الجمعيات الإنسانية والخيرية من القدوم لتقديم يد المساعدة. ولعل ما يعيبه الأعوان على لسان عليوات لحلو، هو غياب الهلال الأحمر الجزائري الذي لم يساندهم في هذه الظروف. الحل في يدّ رئيس الجمهورية والداخلية قامت بنشر معلومات خاطئة الحل في يد رئيس الجمهورية، وزارة الدفاع الوطني والسلطات المعنية، اعتصامنا ببوفاريك يتواصل منذ يوم 26 جويلية الجاري، إننا ننتهج كل السبل السلمية، اعتصامنا حضاري فنحن جزائريون ولدينا الحق في جزائرياتنا، هناك رئيس دولة ومؤسسات، لدينا مطالب وعليهم بالحلول...هكذا كان يتحدث عليوات لحلو، بلهجة كانت تجمع بين حماس كبير وضجر من تردي الأوضاع بمخيم الكرامة...الجميع كان ينصت والكل يومئ برأسه أو بيده ليؤكد تصريحات الرجل الذي لم يتردد مرة أخرى في التعبير عن أسفه لمواقف وزارة الداخلية والجماعات المحلية التي اكتفت بنشر بيانات مغالطة وكلها طوباوية، ليس لها أي صلة بالواقع وكأنها تريد أن تؤكد لنا أنها لا تهتم بحل هذه المشكلة. واستطرد المنسق الوطني قائلا »نحن لسنا مجنونين لنسير 50 كيلومتر لو تمت الاستجابة لمطالبنا، نحن نعمل 24 ساعة على 24 ساعة ويتم التعامل معنا وكأننا عمال في الإدارة نشتغل لمدة 8 ساعات...هذا غير معقول، إن الداخلية تمنحنا 100 دينار جزائري للوجبة اليومية، هل هذه القيمة كافية لتوفير الطاقة اللازمة لمن يشتغل طول اليوم«. وفي سياق حديثه عن المطالب الحقيقية لأعوان الحرس البلدي، أكد لحلو أن كل ما تريده هذه الفئة هو قانون أساسي يحفظ الكرامة، مشيرا إلى المعاناة التي عرفتها هذه الفئة في فترة التسعينات، كيف لا وهم من تصدوا لآلة الإرهاب التي كانت تحصد أرواح المواطنين وتهدد أمن واستقرار البلاد...لقد كافحنا الإرهاب وبعد استتباب الأمن نتعرض للتهميش، الحقرة والنسيان، نحن لسنا طماعين...ليوضح أن الحرس البلدي لم يطالبوا يوما بمبلغ 540 مليون سنتيم بعد انقضاء الخدمة...نحن لسنا مافيا سياسية ومالية وقد نزعنا الجزائر من فم »الجيا«. وعن التقارير التي تصل إلى وزير الداخلية دحو ولد قابلية، فيما يخص المعتصمين، قال لحلو، إنها خاطئة لأن الاعتصامات عمت كل ولايات الوطن، من سطيف، المدية، خنشلة، الحدود التونسية، بشار وغيرها من المدن والمداشر، ليؤكد مرة أخرى أن المسيرة الأخيرة التي ضمت 45 ألف عون خير دليل على تجند أبناء المهنة الواحدة والتفافهم حول القضية، مشيرا إلى الضغوطات التي يتعرض إليها مئات الأعوان الذين جمدوا نشاطهم عبر الولايات. وبصوت واحد وإن كانوا ممثلين في عليوات لحلو، »نحن متمسكون بالمسيرة نحو العاصمة والتي سنعمل على التحضير لها بقوة من خلال تجنيد أكبر عدد ممكن من الأعوان والذين سيكونون مرفوقين بعائلاتهم التي ضجرت من هذا الوضع وعليه، سيتراوح العدد ما بين 60 إلى 70 ألف عون«، ليردد أحدهم »سندخل العاصمة إن شاء الله وبقوة، لن نركع لأن هذا حقنا ونحن كتنسيقية وطنية للحرس البلدي سنواصل نضالنا لتحقيق مطالبنا،ة وسيقرر المجلس الوطني الذي سيجتمع لاحقا تاريخ وكيفية إجراء هذه المسيرة الحاشدة«. الوضع الصحي لعديد من أعوان الحرس البلدي يعرف تدهورا كبيرا خاصة مع شهر الصيام، مع العلم أن هؤلاء المعتصمين متواجدين في العراء وعهم معرضون لأشعة الشمس مما تسبب في مضاعفات صحية، خاصة وأن الكثيرين منهم يعانون من أمراض مزمنة على غرار أمراض القلب والسكري وغيرها، كيف لا وهم الذين استنزفت قواهم في العشرية السوداء على حد تعبير عليوات لحلو، الذي قال، إن أغلب الأعوان هرموا وهم يعانون من السل وكثيرا من الأمراض. الداخلية لم تتصل بنا إلى حد الساعة...ولم نحظ بزيارة أي مسؤول وتبقى المطالب المشروعة بالنسبة لأعوان الحرس البلدي، مرتبطة بقانون الكرامة، لأننا نرفض أجرة 18 ألف دج، مع منعنا من العمل في مؤسسات أخرى...هذه الأجرة -يقول المتحدث- لا تكفي، إنهم يريدون أن يدفعوننا نحو التسول، وقد أكد عليوات لحلو بالمناسبة أن التنسيقية لم تطالب يوما بمبلغ 540 مليون سنتيم كما تدعيه وزارة الداخلية، وفيما يخص التنصيف في الخانة 12، فهو حق مشروع، وإن كانت الداخلية تتحجج بالشهادات الجامعية فإننا نرد عليها، لماذا لم يطلبوا منا الشهادات في التسعينات عندما كنا نتصدى للإرهاب. في تصور أعوان الحرس البلدي، فإن الوضع الراهن ينبأ بكارثة عظمى لأن الدولة لا تريد أن تعترف بتضحيات هذه الفئة المهنية التي ضحت بكل ما تملك خلال العشرية السوداء، وبالتالي فإن الأعوان بحاجة إلى تكفل صحي واجتماعي وكذا تكفل معنوي، وبالمقابل عبر لحلو عن أسفه لكون ولا مسؤول زار مخيم الكرامة، سواء تعلق الأمر برئيس البلدية، رئيس الدائرة الوالي وغيرهم من المسؤولين. وعن الاستعدادات القادمة جدد عليوات لحلو الذي كان مرفوقا بعشرات من الأعوان قبل أن يلتحق بهم حكيم شعيب المنسق الوطني لأعوان الحرس البلدي، موقف الحرس البلدي بالدخول في مسيرة حاشدة إلى العاصمة، مؤكدا أن أعوان الحرس هم عزل ولا يحملون لا سلاحا ثقيلا ولا سلاحا أبيضا، لكن حركتهم في طور التوسع والتطور فهناك التفاف كبير حولها واستطرد قائلا »سندخل العاصمة بعائلاتنا لأن ما حدث مس بكرامتنا، كما أن تماطل ولد قابلية سيفجر البلاد، هم يريدون أن يدفعونا إلى الانزلاقات ولكننا لن نقع في الفخ خاصة وأنه لحد الساعة لم يتصل أي مسؤول بمن وزارة الداخلية بنا لتسوية المشكلة ولكن يبقى أن الداخلية تتحمل مسؤولية أي انزلاق قد يحدث«. تركت 3 أبناء ورائي ولم تصلن أخبارهم منذ أكثر من أسبوع خلال جولتنا الاستطلاعية تحدثنا إلى بعض الأعوان المخيمين ببوفاريك، علي البالغ من العمر 40 سنة، أب لثلاثة أطفال، قدم من ولاية المدية وهو متمسك بالاعتصام بالرغم من أن عائلته جد قلقة عليه، بدوره زروال 53 سنة، متزوج بامرأتين وهو مسؤول عن عائلتين من 15 فرد، تصله أصداء بمرض إحدى زوجاته لكنه غير قادر على مغادرة المخيم، قدم من خنشلة وتحدى ظروف المرض ليؤكد التفافه حول القضية وفضل بكلمات بسيطة القول، إن الوضع كئيب، أبنائي يتصلون بي يوميا تركت رضيعا سنه لم يتجاوز العامين، جئنا من أجل حقوقنا لأن أجرة 15 ألف دج لا تكيفنا. عبد الحفيظ من خنشلة والبالغ من العمر 46 سنة، قال، لقد أهملنا عائلاتنا منذ 17 سنة عندما قررنا مكافحة الإرهاب وها نحن نهملهم اليوم بقرار الاعتصام ولكن ليس باليد حيلة فالقضية أكبر، وعن أبنائي فقد تركتهم لله، قد يفطرون وقد لا يفطرون. من جهته عاشور القادم من ولاية المدية والبالغ من العمر 39 سنة، أكد أنه ترك 3 أبناء ورائه ولا يدري ماذا حل بهم بعد انقطعت أخبارهم منذ أكثر من أسبوع. غادرنا مخيم الكرامة وأعوان الحرس البلدي، هنا وهناك، بعضهم يستظل بظل شجرة تقيه حر الصيف ومنهم من يستلقي داخل مخيم صغير من قصب، بعضهم يطالع الجريدة في حالة ترقب عن أي جديد قد يكتب عن تطورات الوضع، في انتظار أن تتدخل السلطات العليا في البلاد لحل قضية الحرس البلدي. ويشار إلى أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية كانت قد أكدت أنها استجابت إلى كافة المطالب الاجتماعية لأعوان الحرس البلدي من خلال إقرار رفع الأجور وتطبيقها بأثر رجعي ابتداء من شهر جانفي 2008، زيادة على تحسين منح المردودية والخطر والإلزام على أساس الراتب الجديد، وكشفت أنه تمّ تخصيص 49 مليار دينار لتغطية تكاليف التقاعد الاستثنائي. واستنادا لما ورد في بيانها، فقد تم إعادة تقييم النظام التعويضي بأثر رجعي ابتداء من 1 جانفي 2008، وتكريسه بموجب المرسوم التنفيذي المؤسس للنظام التعويضي لمستخدمي الحرس البلدي وكذلك رفع تعويض الخطر والإلزام ب 10 بالمائة، كما تم رفع منحة التغذية من 3000 دج إلى 4200 دج، خلال الشهر الجاري وذلك بأثر مالي ابتداء من 8 جويلية 2012.