أصبح الاستعداد لإجراء حفل الزفاف في أيامنا هذه يحسب له ألف حساب نظرا لارتفاع تكاليف المتطلبات المتعلقة بهذه المناسبة التي تتضاعف بين سنة و أخرى ،فشتان بين زواج الأمس و اليوم ، فالأول كان الهم الوحيد هو بناء أسرة و لكن جيل اليوم بات يبحث عن " اللوكس " من حلويات تصنع باللوز و قاعات أفراح راقية يصل سعرها إلى 20 مليون سنتيما ،ناهيك عن العشاء الذي لم يعد يقتصر على أكلة الكسكسى الشهيرة بل تعداه إلى أطباق أخرى تدفعك إلى الظن أنك في مأدبة عشاء على شرف رئيس أو ملك، لكن هناك فئة مازلت تأن تحت وطأة الغلاء الذي مس كل شيء و جعل من الزواج هدفا صعب المنال. فالتحضير لحفل الزفاف لم يعد بسيطا كما في السابق ، بل أصبح عبئا وهما يثقل كاهل المقبلين على الزواج ، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في انتشار العزوبية والعنوسة وسط الشباب والشابات و وضع هؤلاء في حيرة فيما يتعلق بتوفير تلك المصاريف ، وقد ساهمت شريحة معينة من المجتمع في تفاقم هذا الوضع كونها ميسورة الحال و تزيد من خلال ما تصرفه على هذه المناسبات في تأزم الوضع فأصبح كل مقبل على الزواج يأبى أن يكون فرحه دون ذاك المستوى الذي حددته تلك الفئة من المجتمع رغم قلة ذات اليد . ومع دخول فصل الصيف يبدأ موسم الأعراس والأفراح والتحضيرات اللازمة لإقامتها بقاعات الحفلات وكل هذا لا يتوفر بسهولة ،وإنما بمبالغ باهظة يعجز شبابنا اليوم على الحصول عليها،و رغم ذلك يلجأ البعض إلى الاستدانة أو استئجار مستلزمات الزواج، فيما يبحث آخرون عن حلول أقل خسارة كإجراء الفرح فوق أسطح العمارات أو في الحي و كذا في مرأب الجيران . لتفادي النقص المسجل في هذا الإطار يسعى العديد من الشباب إلى إيجاد حلول لهذه الصعوبات التي تعرقل زواجهم، خاصة وأن قاعات الأفراح بلغت أثمانها أرقاما قياسية عكس السنوات الماضية بسبب غلق العديد من هذه الأماكن، وهو الأمر الذي ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعارها التي عجز الكثيرون عن تسديدها خاصة العائلات المحدودة الدخل و لجؤوا إلى الاستدانة فيما فضل آخرون استغلال الأسطح وأفنية المنازل والأحياء لإجراء أفراح زفافهم رغم انعدام التنظيم وكذا الإزعاج الذي يمكن أن يسببه ذلك للجيران الذين يحتجون على مثل هذه التصرفات ،و هذا حال كريم الذي لم يتمكن من إقامة زفافه بسبب التكاليف الباهظة التي تحتاجها هذه المناسبة إلا بعد أن تلقى الدعم والمساعدة من طرف أبناء الحي، حيث يقول " كنت خاطبا منذ عدة سنوات ونظرا لقلة ذات اليد لم أتمكن من إتمام هذا الزواج ولحسن حظي قرر الأصدقاء و الأهل مساعدتي كل حسب إمكانياته الخاصة فمنهم من اشترى لي غرفة النوم ،و هناك من منحني فناء منزله لأحياء الفرح و آخرون صنعوا لي الحلويات وغيرها من المساعدات التي أزاحت عبئ كبير كان على كاهلي " و بهذه الطريقة تمكن محدثنا من إتمام مراسيم الزفاف الذي ما كان ليتم لولا تدخل الأقارب . أما مريم 35 سنة مقبلة على الزواج فتقول: ''إنه من غير المعقول أن أدفع ما يقارب 10 ملايين سنتيم مقابل قاعة أستقبل فيها المدعوين لساعات معدودات فقط هذا إن توفر المال بالطبع. وبما أني سأتزوج هذه الصائفة فقد قررت إقامة حفل زفافي في الحي الذي أقطن فيه خاصة وأنه يدخله سوى القاطنين به و هذا ما سهل الأمر علي، وساعد الجميع في جعله فضاء مناسبا لاحتضان هذه المناسبة بمشاركة الأهل و الجيران والأصدقاء والأحباب فأنا من جهة لن أضطر لدفع تلك المبالغ المالية الخيالية التي أصبح يفرضها أصحاب قاعات الحفلات، ومن جهة أخرى أمنح فرحي الجو والدفء العائلي و لست مجبرة على التقيد بمدة محددة لإحياء الفرح فكراء قاعة الحفلات أصبح من الكماليات في السنوات الأخيرة وصعب علي البسطاء كرائها في ظل الارتفاع الكبير لأسعارها''. أما محمد 30 سنة فصرح قائلا :''قاعة الحفلات أصبحت أمرا ضروريا سواء بالنسبة للأغنياء الذين يتفننون في صرف أموالهم وكذا بالنسبة لأولئك الذين يعانون من مشكل ضيق المسكن لكن و مع هذا الارتفاع الكبير لأسعار كرائها أجد نفسي مرغما على اختصار الفرح في العشاء فقط الذي أدعوا إليه الأهل والأقارب والجيران، وهذا الأخير وحده يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة وعليه لست بحاجة لدفع أموال إضافية ".' هذا وليست قاعات الأفراح المشكلة الوحيدة التي تقف في وجه العروسان بل حتى الجهاز بالنسبة للفتيات الذي يدفع بالكثيرات إلى استئجار بدلات العرس، فنوال 25 سنة هي عاملة في إحدى المؤسسات الوطنية تقول ''الحمد لله أن بعض المحلات أصبحت تؤجر فساتين التصديرة و إلا لما تمكنت العروس من ارتداء أكثر من فستان، ورغم أن مبالغ هذه الأخيرة مرتفعة نوعا ما إلا أنها معقولة مقارنة بسعرها الذي تباع به ''، ثم إن هذه الفساتين لا تستخدم سوى مرة واحدة ثم تطوى وتوضع في خزانة إضافة إلى أن الموضة تتغير كل عام، بالإضافة إلى تكاليف أخرى من مهر وصداق بالنسبة للعريس وكذا التكاليف الأخرى التي باتت ضرورة من مصورين و"ديسك جوكي " وكراء سيارة العروس التي من الواجب أن تكون آخر موديل .