تحدث الأستاذ فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، في حوار خص به » صوت الأحرار«، عن تقرير اللجنة السنوي الذي رفعه إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، كما كان اللقاء فرصة لطرح عديد القضايا على غرار تقييمه لتطورات الساحة السياسية في المرحلة الراهنة والمرتبطة أساسا بدخول اجتماعي يعتبره الأستاذ مميزا، كما تطرق إلى الانتخابات التشريعية الأخيرة، مسار الإصلاحات السياسية وكذا عديد الملفات الخاصة بحقوق الإنسان وتطور الممارسة الديمقراطية في الجزائر. كيف تقيمون مجريات الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ مجريات الانتخابات التشريعية على العموم وحسب ما شهد به الملاحظون الأجانب الذين واكبوا سيرها مرت على ما يرام والشعب الجزائري صوت بكل حرية على من يريد، وأشير هنا إلى أن خطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قبيل تاريخ الانتخابات بولاية سطيف كان له بالغ الأثر في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية. الأجدر أن نفكر في صيغة دائمة تضمن مشاركة مهمة في الانتخابات وقد اقترحت سابقا أن يكون التصويت إجباريا، مثلما يحدث في سويسرا وبعض دول أمريكا الجنوبية وإيطاليا حتى سنة 1993، وهذا الخيار لا يتعارض مع الممارسة الديمقراطية، لأن المهم هو التصويت حتى لو وضع الناخب ورقة بيضاء للتعبير عن سخطه، المهم أن يقول إنه موجود ولا يترك الحكم في يد أقلية تتحول إلى أغلبية بسبب امتناعه. ولا يجب أن ننسى أن المجاهدين والشهداء ناضلوا من أجل مثل هذه الحقوق التي حرمتنا منها فرنسا الاستعمارية، فكيف لنا اليوم أن نتنازل عن هذا المكتسب. هناك من شكك في نزاهة الانتخابات، وحتى اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات وعلى رأسها محمد صديقي قدم في تقريره بعض التحفظات ؟ المشككون في الانتخابات هم الأحزاب التي لم تحصل على مقاعد في المجلس الشعبي الوطني وهذا أمر طبيعي، وإذا لم تقبل طعونهم فلأنها لم تكن مؤسسة، لكن على العموم الانتخابات التشريعية كانت سابقة في تاريخ الجزائر والأمور كانت على ما يرام وهذه بداية نتمنى أن تتحسن في المستقبل، وعليه فلا يمكنني أن أشكك في شرعية البرلمان الحالي فالشعب هو من اختار نوابه بالمجلس الشعبي الوطني. وعن الأستاذ صديقي، فهو إنسان محترم وقد أعطى رأيه الذي نحترمه ولكن ظهرت أطراف أخرى قالت إن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة ونحن نكتفي بذلك، إضافة إلى تقرير الاتحاد الأوربي الذي كان إيجابيا ولم يتحدث إلا عن بعض النقائص التي تبقى بسيطة وعادية، وهذا ما يبرر إشراك الأجانب في مثل هذه الاستحقاقات، حتى ينبهونا إلى النقائص التي يجب أن نعمل على تصحيحها في الاستحقاقات القادمة. هذا المسار الإصلاحي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية منذ أفريل 2011، تواصل عبر المشاورات، تعديل القوانين، والانتخابات التشريعية، إلى أي مدى عكس هذا المسار إرادة الرئيس في تحقيق الإصلاحات؟ تعليمات الرئيس بوتفليقة كانت واضحة والمشكل في التطبيق الذي عجز عنه المسؤولون، هذا هو اللغز الذي يحيرني في الجزائر، كل الإمكانيات متوفرة إلى جانب إرادة سياسية قوية، لكن التطبيق يبقى دون المستوى المطلوب وعكس تعليمات الرئيس. هناك احتقان اجتماعي، انقطاع الكهرباء والماء، ندرة في الدواء، ارتفاع أسعار السلع وغيرها من المشاكل التي يتخبط فيها المواطن؟ نحن نعيش في الفوضى ولا نتحكم لا في الكهرباء ولا غيرها، لست أدري أين هو الخلل؟ في اعتقادي هناك أزمة تسيير، فمن غير المعقول أن يصل سعر البطاطا إلى 100 دج ، ندرة في المياه المعدنية ، الخبز، الحليب، إلى أين نحن ذاهبون؟ يحدث هذا ونحن في بحبوحة مالية، لم نتمكن من تسيير الوفرة فكيف سنسير الندرة، لا يوجد تسيير صارم، لا توجد أزمة مالية ولا قانونية فنحن نملك ترسانة قانونية عصرية، المشكل الحقيقي في التطبيق. ما رأيكم في الاحتجاجات التي تعرفها عديد المدن الجزائرية؟ المواطن لا يعرف كيف يتصرف وإلى أين يذهب، يواجه عديد المشاكل في يومياته ولا يجد لها حلا، وبالتالي لم يبق أمامه إلا الاحتجاج، أنا لست ضد الاحتجاجات لكن شريطة أن تكون سلمية وتراعي احترام النظام العام، ولا يجب أن ننسى أن هناك بعض المناطق التي عانت الويلات في الفترة الأخيرة بسبب الانقطاعات المتكررة للكهرباء كما حدث في ولاية قسنطينة التي عرفت انقطاعا لمدة أسبوع، كذلك هو الحال في القطاع الصحي، مستشفاتنا في وضعية سيئة على العموم بسبب سوء الاستقبال، غياب النظافة والسبب الأساسي يرجع إلى أزمة التسيير، ولعل معاناة مرضى السرطان تبقى خير دليل على ذلك. إن ما يحدث الآن من تدهور سابقة لم تكن موجود في الستينات ولا في السبعينات ولا حتى في الثمانينات، عندما كانت الجزائر ضعيفة اقتصاديا، فكيف تحدث في جزائر 2012. وعليه يجب معاقبة المسؤولين عن مثل هذه الانقطاعات إداريا. على غرار هذه الاحتجاجات تم توقيف مجاهدين في الطارف؟ هذا تصرف غير مقبول، فنحن نحترم مجاهدينا الذين بفضلهم يرفرف علم الجزائر اليوم فوق رؤوسنا، علينا أن نتعامل معهم بكل احترام، ودائما أقولها وأكررها هناك عديد المشاكل التي تعود في أصلها إلى أزمة التسيير، فمن غير المعقول أن توكل مهمة التسيير إلى كل من هب ودب، حيث نجد أناسا غير مكونين في مناصب ولاة، رؤساء دوائر وغيرها من المناصب الحساسة في الدولة، لماذا لا تعطى الفرصة إلى الشباب الجامعي . تضمن تقريركم الذي رفعتموه إلى رئيس الجمهورية ملاحظات على القوانين المعدلة مؤخرا مثل النظام الانتخابي؟ بالنسبة للنظام الانتخابي، فقد كان إيجابيا لكن كان من المفروض أن يتضمن تدابير أفضل، وقد اقترحنا أن يتم تنظيم لجان الرقابة التي تعددت في إطار تشكيلة أخرى مختلطة، حيث لا يجب أن نترك الإداري وحده بعيدا عن القضاة، كما يجب إشراك الأحزاب السياسية وضمان تمثيلها في هذه اللجان، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني الذي يجب أن يلعب دوره، ففي كل الديمقراطيات نرى أن الجمعيات تلعب دورا أساسيا خاصة في المراقبة. وماذا عن قانون الجمعيات الذي تم تعديله؟ في اعتقادي فإن قانون الجمعيات الأخير وسع الحريات الجمعوية وفتح المجال أمامها لتطوير نشاطها، ولكن يجب أن يكون هناك تفتح أكثر يسمح بتقوية عدد الجمعيات، فالجزائر بحاجة إلى ما بين 400 أو 500 ألف جمعية، فهي تضطلع بدور محلي وتسهر على كل صغيرة وكبيرة وهي ضمان وصيانة للديمقراطية في الميدان. أيضا سبق لكم أن انتقدتم قانون الإعلام المعدل؟ كنت على اتصال دائم بالصحفيين الذين عبروا عن عدم رضاهم لفحوى قانون الإعلام، وهذا من حقهم، كما أنه من غير الطبيعي أن الصحافة الجزائرية لا تملك تمثيلا نقابيا ينشط في الميدان، فالصحفيون جزائريون 100 بالمائة وليسوا أقل من غيرهم ولو كان هناك تشاور حقيقي مع الصحفيين لكنا قد تجاوزنا هذه المشاكل. إن اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها على استعداد لدعم الصحفيين، فالصحافة تلعب دورا أساسيا في تطوير الديمقراطية ولا يمكن بناء ديمقراطية دون صحافة قوية، هناك من يخافون من الديمقراطية وعليه فهم يقمعون الحريات النقابية للإعلاميين، والنتيجة أن الجزائر تصنف كل سنة من طرف المنظمات العالمية التي تعد تقاريرها حول الحريات الإعلامية في ذيل القائمة. ومن هذا المنطلق يكفي ضبط أخلاقيات المهنة وتمكين أصحاب المهنة من تنظيم أنفسهم في إطار ما يسمح به القانون. ما رأيكم في القنوات الفضائية الجديدة؟ القنوات الفضائية الجديدة خطوة إيجابية في التفتح الإعلامي، ولكني أتأسف لأنهم لا يبثون مباشرة من الجزائر، فمن غير الطبيعي أين يكون المقر بالجزائر والإرسال من دولة أخرى، هذا أمر غريب، فأنت موجود وما عدا ذلك فهو مسموح، يا ليت هناك 50 قناة أو أكثر حتى نضمن التنوع الفكري، كل واحد في تخصصه حسب الاحتياجات الفكرية والثقافية للمجتمع. وماذا عن تجريم الصحفي؟ أنا ضد سجن الصحفي وضد عقوبة الغرامة، هناك حالات فقط مثل القذف، السب والشتم، أما فيما يتعلق بالأفكار فعليه أن يقول ما يريد، ونحن على مستوى لجنتنا لم نتوان في إخطار رئيس الجمهورية بهذا الانشغال وأكررها الصحافة فاعل أساسي في الديمقراطية، الصحفي مهم مثل البرلمان لأنه يقوم بعمل جبار كذلك، الصحفيون هم من يدفعون بالأشياء نحو الأمام ويساهمون في المراقبة والكشف عن قضايا الفساد، حتى يرتدع السياسيون وهذا دون مجاملة لأبناء المهنة، في رأيكم هل يمكن التفكير في عدالة دون محامي، كذلك الصحفي والسياسي. نددتم في تقريركم بظاهرة البيروقراطية التي استفحلت في المجتمع الجزائري والإدارات عموما وباتت تؤرق كاهل المواطن البسيط؟ يواجه المواطنون يوميا الإزعاج الإداري على مستوى البلديات والدوائر والولايات ومصالح البريد والصحة والمالية وغيرها من المصالح التي تطلب الوثائق يوقعون غالبا ضحايا إنكار هذه المصالح مع استحالة تقديم طعن ضد تجاوزات أعوان التنفيذ المكلفين بالاستجابة لحقوق المواطنين التي يكفلها لهم الدستور. وفي اعتقادي لا توجد عقبة في حياة الجزائريين تضاهي البيروقراطية وأتذكر في هذا المقام ما قاله لي أحد السفراء الأجانب وهو يروي قصة مستثمر فرنسي طلبوا منه ملفا ضخما للسماح له بإقامة مشروع بالجزائر والنتيجة أنه غادر البلد. المشكل ليس في القوانين وإنما في الذهنيات، التي تغذي هذه البيروقراطية، ليطلب منك الرشوة، فيكون بذلك الضغط لتدفع له مقابل. هناك تفشي رهيب للرشوة التي هي مظهر من مظاهر عديدة للفساد؟ الرشوة والفساد أصبحا رياضة وطنية في الجزائر، فالأمريكان يحترفون كرة السلة والبرازيليون يتفننون في كرة القدم، أما نحن فرياضتنا هي الرشوة والفساد. وبالرغم من المصادقة على قانون مكافحة الفساد لسنة 2006 الذي أدى دوره نسبيا، لكن الفساد ما يزال مستشريا ويجب تكميل هذا القانون بنصوص أخرى. وعليه يجب أن تكون العقوبات رادعة من أجل عدم السماح للشخص الفاسد بالتمتع بعائدات الفساد بعد قضاء عقوبته، وتدعو اللجنة الوطنية السلطات العمومية إلى اعتماد أساليب فعالة لمنع الفساد وتعزيز مشاركة المجتمع المدني وتجسيد مبادئ دولة القانون. هل تؤيدون قرار فتح المجال أمام اعتماد الأحزاب السياسية الجديدة؟ إن هذا القرار نعمة ولا خوف من كثرة الأحزاب وتعددها، لأن الأحزاب الفاشلة تسقط وحدها، وبالتالي لا يجب أن نغلق المجال، لأن غلق المجال السياسي لا يمت بصلة للديمقراطية، وبغض النظر عن النقائص التي تضمنها قانون الأحزاب المعدل، فالأهم هو منع إقامة أحزاب على أساس ديني، فأنا شخصيا أرفض أن يستغل الدين لأغراض سياسية، كما أنه ليس من حق وزارة الداخلية رفض اعتماد الأحزاب السياسية التي تتوفر فيها الشروط القانونية. كيف تقيمون تجربة إشراك المرأة في المجالس المنتخبة؟ إن المجتمع الإسلامي والعربي عموما سيبقى متأخرا إلى الأبد إذا لم يشرك المرأة في العمل السياسي، والتجربة الجزائرية كانت ناجحة وعلينا أن نحافظ على الكوطة لنبلغ النتائج المرجوة التي تقضي بوجود توازن بين الجنسين، فهناك كثير من النساء اللواتي يملكن قدرات وكفاءات. هناك تخوف من دخول اجتماعي مشحون، ما تعليقكم ؟ صحيح الدخول الاجتماعي لهذه السنة مشحون وأنا شخصيا لست على دراية بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم تشكيل الحكومة، وإن كانت الحكومة موجودة وأغلب الوزارات الحساسة غير معنية بالتأخر الحاصل، وبالمقابل أظن أن تشكيل الحكومة سيكون قبل الدخول الاجتماعي. يتعرض بعض التائبين إلى تصفية من طرف الإرهابيين، ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها في هذا المجال ؟ إن مثل هذه الوقائع تؤكد أن المصالحة الوطنية قصمت بالفعل ظهر الإرهاب وأحبطت معنويات الإرهابيين الذين باتوا ينتقمون من التائبين، إن الإرهاب لم يكن ينتظر أن تحقق المصالحة الوطنية مثل هذه النتائج الإيجابية وتساهم في استتباب الأمن وعودة الاستقرار إلى ربوع الجزائر، آلاف الإرهابيين وضعوا السلاح، كما أن الإرهاب في مراحله الأخيرة وبالتالي فهم ينتقمون من التائبين وما هو مطلوب من الدولة للرد على مثل هذه الجرائم هو أن توفر الحماية اللازمة للتائبين. تابعتم الاحتجاجات التي قام بها أعوان الحرس البلدي في الفترة الأخيرة، ما هي قراءتكم لهذا الملف؟ بالتأكيد كنت على إطلاع دائم ومستمر على تطورات الوضع، وفي اعتقادي فإن الحوار مستمر مع هذه الفئة وكنت قد أشرت منذ بداية الأزمة إلى ضرورة تفاوض وزارة الداخلية مع هذه الفئة المهنية التي ضحت بحياتها من أجل الجزائر، فمن الواجب الاعتراف بتضحياتها وما قدمته في أصعب الفترات التي كانت تمر بها بلادنا. هناك تقارير أجنبية تتهم الجزائر بالتضييق على الحريات الدينية؟ إن التضييق على الحريات الدينية لا يمكنه أن يكون من طرف الدولة، لأن القوانين واضحة في هذا الشأن، لكن الممارسات الميدانية من طرف بعض الأشخاص هي التي تثير بعض المسائل، خاصة في منطقة القبائل وكان الأسقف السابق هنري تسييه، قد ندد بعديد الحالات قبل التقاعد فقلت له أن القوانين واضحة ومن يريد اعتناق المسيحية فهو حر، كذلك هو الأمر بالنسبة لمن يفطرون في رمضان، في رأيي الفاعل لا يلوم إلا نفسه . كما أنني أتأسف لتعرض هؤلاء المفطرين إلى مضايقات من طرف أعوان الشرطة أو من طرف المحاكم التي تقاضيهم بتهمة الإخلال بالنظام العام، لأن الحقيقة تؤكد عدم وجود أي نص في قانون العقوبات يعاقب من ينتهك حرمة رمضان بالإفطار. هل هناك تحسن فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي الذي عادة ما يتم استعماله بطريقة تعسفية؟ ليس هناك تعسف في الحبس الاحتياطي وإنما هناك مبالغة في اللجوء إليه، حقيقة أن القانون يسمح بحبس المتهم لمدة 5 أشهر في حالة الجنح، 16 شهر في الجنايات و44 شهرا في القضايا الإرهابية، لكن المشكل لا يكمن في المدة، بقدر ما نجد أن وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق يلجؤون إليه لأبسط الأمور في الوقت الذي نجد فيه أنهم يحوزون على بدائل يمكن العمل بها على غرار الرقابة القضائية. وماذا عن وضعية حقوق الأطفال بالجزائر؟ هناك تدهور مستمر فيما يخص حقوق الأطفال، من سيئ إلى أسوء، وقد أخطرنا رئيس الجمهورية بهذا الوضع في تقريرنا، وهو الملف الذي يشتغل عليه الأستاذ مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث والذي هو عضو في اللجنة الاستشارية لحماية حقوق الإنسان، الطفل ما يزال عرضة للاعتداءات بشتى أنواعها، العنف والعمالة، والإحصائيات التي تقدمها »فورام« مخيفة للغاية. وهذا ما يتطلب السهر للعمل على حماية هذه الفئة الضعيفة من المجتمع والقضاء على الفوضى الحاصلة، فهم مستقبل الجزائر ومن واجبنا حمايتهم. وماذا عن ملف الحراقة؟ فيما يتعلق بالحراقة، يجب إلغاء عقوبة الحبس، لأن »الحراق« يغادر البلاد بطريقة غير شرعية، لكن الواقع يؤكد أنه يعيش ظروفا اجتماعية صعبة تدفعه إلى ذلك، فهؤلاء الشباب يظنون أن هناك حياة أفضل تنتظرهم وراء البحار، وسرعان ما يصطدمون بواقع مرير، والحل يكمن في التكفل بهؤلاء الشباب في إطار حملة وطنية توعوية وهنا أشير مرة أخرى إلى دور المجتمع المدني في التوعية. ما يزال مشكل الأمهات العازبات مطروحا بقوة، كيف تتعاطى لجنتكم مع هذا الملف؟ المشكل لا يزال مطروحا على المستوى الديني، يجب مساعدة هؤلاء ماديا واجتماعيا حتى نضمن تربية أبنائهن في وضع لائق، وعلى المجتمع أن ينظر إليهن بأخوة فهناك من غرر بهن والحالات تختلف بين حالة وأخرى، أما فيما يتعلق بقضايا إثبات النسب فهي صعبة للغاية إن لم نقل مستحيلة في ظل غياب زواج شرعي أو عقد مدني. ما هي تطورات ملف أطفال الجبل؟ يجب على رجال الدين أن يجدوا فتاوى ويجتهدوا لحل مثل هذه القضايا العالقة، التي لم نجد لها حلا إلى حد الساعة، هناك ما يقارب 1000 طفل منهم من بلغ 14 سنة يعيشون دون وثائق تثبت هويتهم. وعليه يجب سن قوانين خاصة وتدابير تكميلية في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية للتكفل بمثل هذه القضايا المركبة. هناك عائلات ترفض التعويض عن أبنائها المفقودين خلال العشرية السوداء؟ تقريبا كل ملفات المفقودين تمت تسويتها، ما يقارب 7150 عائلة عوضت ولم يبق إلا القليل الذين رفضوا ونحن نحترم قرارهم وهذا حقهم كما يجب الإقرار أنه لا يوجد حل باستثناء التعويضات للطرفين، هناك أناس مفقودون منذ 20 سنة ومن الصعب أن تجد لهم أثر، فلا يجب أن ننسى أن الحرب ضد الإرهاب كانت معركة عنيفة وشرسة ولم تكن بالسهلة. وماذا عن ملف معتقلي الصحراء؟ الإحصائيات تشير إلى وجود ما بين 15 إلى 18 ألف شخص من معتقلي الصحراء الذين يطلبون بالتعويض ورد الاعتبار وهذا من حقهم، فليس من السهل أن ترمي بإنسان في الصحراء لمدة سنوات وتطلق سراحه، الملف ما يزال عالقا ونحن نناضل وقد رفعنا هذا الانشغال في تقاريرنا، فعلى الأقل يكون هناك اعتراف بهم وتعويض ولو رمزي عن معاناتهم. هل تؤيدون تقليص مدة الخدمة الوطنية؟ أومن بالجيش المحترف، المدة الملائمة للخدمة الوطنية في رأيي لا تتجاوز 6 أشهر وإلا يجب الاستغناء كلية عن الخدمة الوطنية لصالح جيش محترف، وسنفكر لاحقا في طرح هذا الانشغال على رئيس الجمهورية. ما هي أخر التطورات في ملف إلغاء عقوبة الإعدام؟ العملية متوقفة حاليا ولكننا سنواصل نضالنا للوصول إلى الهدف الرامي إلى إلغاء عقوبة الإعدام، هذه العقوبة لا تصلح لشيء وبالتالي يجب إلغاؤها، إن نضالنا لا يهدف إلى معاكسة الدين وإنما هناك بديل عن هذه العقوبة، فالإنسان الذي يرتكب جريمة القتل يسجن 30 سنة أو يحكم عليه بالمؤبد وهي عقوبة يعتبرها كثير من الحقوقيين أشد وقعا على المجرم من القتل. هناك مبدأ جوهري أساسي وهو أن العدالة لا تقتل، نعم العدالة تعاقب لكن لا تقتل ولنا قدوة بدولة مثل النرويج التي حاكمت الشاب الذي قتل 99 شخص، ولم تتجاوز عقوبة السجن التي سلطت عليه21 سنة هي أقصى عقوبة موجودة في قوانين هذه الدولة المتطورة. سنت الجزائر قانون الرحمة، ومن ثم قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية، ماذا بعد هذه القوانين لطي ملف الأزمة الأمنية نهائيا؟ إن الحديث عن العدالة الانتقالية غير مطروح أساسا، والأفضل في رأيي هو العفو الشامل الذي ينص عليه القانون، حيث يبادر به رئيس الجمهورية ويمرره عبر البرلمان، وكل ما يهم في المسار هو الحفاظ على المصالح العليا للدولة، فإن كان في تقدير المسؤولين خيرا العفو الشامل هو الأمثل لطي ملف الأزمة فيجب الذهاب إليه دون تردد، مع الإبقاء على مكافحة الإرهاب، وإن كانت المصالحة الوطنية كافية فهو كذلك، لكن في كل الأحوال يجب سن تدابير أخرى للمصالحة التي تضمن حل بعض القضايا العالقة مثل الأطفال المولودين في الجبل وغيرها وفي النهاية أود التأكيد فقط أن المشاكل الحقيقية بالنسبة للجزائر ترتبط بالنمو، فالجزائر بحاجة إلى تطور اقتصادي وإقلاع يسمح لها بأن تكون في مصاف الدول المتطورة وهذا هو الراهن الأصعب الذي ينتظرنا.