اقترح البروفيسور محمد طالب، رئيس الجمعية الجزائرية-الفرنسية لطب الأمراض العقلية إنشاء »مرصد وطني لمكافحة الانتحار«، وعلى أن يضمّ هذا المرصد أطباء نفسانيين وأخصائيين في الأمراض العقلية، وغيرهم من المتدخلين الأخصائيين في علم الاجتماع والقضاة وأطراف أخرى، ولا مجال لتأجيل الاهتمام بهذا الجانب الصحي الاجتماعي، أمام الاستفحال الحاصل لظاهرة الانتحار، وغيرها من الظواهر المرضية السلبية الأخرى الناجمة عن الأوضاع الصعبة والمعقدة التي أنتجتها أساسا مرحلة ما اصطلح على توصيفه ب »العشرية السوداء«، أو »عشرية الدم«. نبّه البروفيسور محمد طالب، رئيس الجمعية الجزائرية الفرنسية إلى خطورة الأوضاع الحالية لجانب الأمراض النفسية والعقلية التي يحياها المجتمع الجزائري، وقال أنها على غاية كبيرة من التزايد في ظل عدم الاهتمام الحاصل، واقترح على السلطات العمومية المعنية إنشاء »مرصد وطني لمكافحة الانتحار«، ذلك لأنه يرى أن هذه الظاهرة في تزايد متواصل، ويجب أن تولى بالأهمية المطلوبة استعجالا وعلى المديين المتوسط والبعيد. وهذا تحديدا ما أكدت عليه أشغال المؤتمر الطبي، الذي عقدته الجمعية الجزائرية-الفرنسية أول أمس الجمعة بوهران، حول موضوع »الانتحار، الإدمان، الصحة والسكان«، وقد أكد رئيسها البروفيسور طالب أن هذا المرصد ضروري، ويجب أن يشمل على حد سواء أطباء نفسانيين، وأخصائيين في الأمراض العقلية، وغيرهم من المختصين في علم الاجتماع، والمتدخلين الآخرين كالقضاة والشرطة، الذين يواجهون هذه الظاهرة. وتوضيحا لما سيقوم به هذا المرصد الوطني، أوضح البروفيسور طالب، أن هذا الأخير سيتكفل بجمع كل المعطيات المتعلقة بهذه الظاهرة، ووضعها تحت تصرف المجتمع العلمي المكلف بفهم وتفسير هذه الظاهرة، التي وصفها بالمشكلة الحقيقية في مجال الصحة العمومية. وعن ظاهرة الانتحار في الجزائر، قال البروفيسور: »إن ظهور الانتحار في الجزائر كانشغال يخص الصحة العمومية هو حديث العهد، ولا يزال من الصعب تقييم مدى حجمه في الجزائر، بحيث أنه الآن لا يوجد سوى 50 بلدا في العالم، تتوفر على أرقام موثوقة«، مشيرا إلى أن فرنسا تحصي سنويا أكثر من 10500 حالة وفاة عن طريق الانتحار. وشدّد رئيس الجمعية على الحاجة الماسة إلى تشكيل فرق متعددة التخصصات لدراسة هذا المشكل، واستحداث شعب علمية جامعية في الإدمان وسوسيولوجية الانتحار في منهج التكوين الطبي. وبشكل مواز سلّط البروفيسور طالب الضوء على أهمية الوقاية في هذا المجال وغيره من المجالات الأخرى، ومنها مكافحة المخدرات، التي قال عن مرصدها الوطني، أنه كان مسعى أساسيا في مجالات المكافحة، وقمع الغش، ولكن تبقى الجوانب الطبية والعلمية التي يجب أن يتم التكفل بها. ومن جهته البروفيسور عباس زيري، المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي بتيزي وزو، المهتمّ منذ عدة سنوات بظاهرة الانتحار التي هي في تزايد مقلق بالجزائر، ومنها في منطقة القبائل، أكد هو الآخر على الأهمية القصوى لهذا المرصد الوطني المطالب بإنشائه لمحاربة ظاهرة الانتحار، وقال إنه من الواجب إنشاء هذا المرصد، لأنه سيشكل قاعدة معطيات عن حالات الانتحار، ومحاولات الانتحار، اعتمادا على المعلومات والإحصاءات التي تحتفظ بها مختلف الهيئات. ووفق ما أوضح لوكالة الأنباء الجزائرية، فإنه خلافا لما قيل ويُقال في وسائل الإعلام إن الانتحار هو أقل في ولاية تيزي وزو، فإن غياب المعطيات حاليا لا يسمح لنا بمقارنة منطقة بأخرى، وليس لنا الآن أي معلم يمكنه أن يشرح لنا وحده ظاهرة الانتحار وأسبابها، ذلك لأن ظاهرة الانتحار هي ظاهرة متعددة العوامل، الواجب دراستها من زوايا مختلفة، مثل المجتمع والثقافة والدين والبيئة وما إلى ذلك. ويُنتظر أن يخرج هذا المؤتمر الطبي الذي امتدت أشغاله على يومين بتوصيات، تُوجه أساسا للأطباء المعالجين، والأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين، وغيرهم من المتدخلين، وهي في حد ذاتها ستكون مفاتيح عمل وتفكير في التعامل الطبي الإيجابي مع هذه الظاهرة، التي يبدو تحديدا أنها تفاقمت بشكل مقلق ومُلفت للانتباه على وجه الخصوص أثناء وعقب ما أصبحت تُطلق عليه تسمية »العشرية السوداء«، أو »عشرية الدم«، وقد دق بشأن جوانبها المتشعبة والمتعددة الأخصائي النفساني خالد كداد، وشريحة واسعة من زملائه النفسانيين الآخرين ناقوس الخطر، وطالب بضرورة مضاعفة وتكثيف الجهد الطبي النفسي والعقلي في معالجة تبعاتها المُدمّرة، التي مسّت شرائح واسعة من المجتمع الجزائري.