دفعتهن الحاجة والعوز لممارسة تجارتهن المتمثلة في بيع »طاجين الطين« أو »طاجين الكسرة «لا لشيء سوى لإعالة عائلاتهن، حيث يتخذن من رصيف الطريق المقابل لمحطة المسافرين سويداني بوجمعة المتواجد بوسط المدينة أو كما يسمى ب»الحطاب« مكانا لعرض بضاعتهن ، والذي يعرف حركة نشيطة طيلة أيام السنة، ويقصده مواطنون من كل ولايات الشرق الجزائري . هو نوع من أنواع الأواني الفخارية ويستعمل لطبخ الكسرة بكل أنواعها، ويعرف محليا في الشرق الجزائري ب»الطاجين« و» المرى« في مناطق الصحراء الجزائرية، اعتادت على استخدامه في المشاتي والأرياف بعض النسوة لصناعة الخبز المنزلي المميز، فلطالما ظل محافظا على وجوده وحاملا لعبق الريف الجزائري، وذلك رغم تطور الحياة، وقد أصبح مصدر رزق مهم لبعض العائلات في ولاية عنابة، وإن كان دافعهم في ذلك العوز والحاجة. في زيارتنا المتكررة لمدينة عنابة في البداية كنا نرى إلا امرأتان أو ثلاثة منهن من هي طاعنة في السن، يفترشن قارعة الطريق المقابلة لمحطة المسافرين بوسط المدينة المسماة عند العنابيين ب»الحطاب« يعرضن سلعتهن المتمثلة في» الطاجين« أو»طاجين الكسرة«، ويخيل لك أنه تم افتتاح معرض خاص ب»الطواجن« على الطريق، اقتربنا من بعضهن واستفسرنا عن هذا العدد الهائل من النسوة، وعن سر اختيار هذا المكان، خاصة مع خطر التعرض لحوادث المرور من جهة بسبب التدفق الكبير للسيارات والحافلات وخطر الاعتداءات والسرقة من جهة أخرى. أجابتنا »ح « امرأة في عقدها الخامس أن الحالة الاجتماعية المزرية التي تعيشها رفقة أبنائها هي من دفعتها إلى امتهان هذه الحرفة مكرهة، حيث تضيف أقوم شخصيا بجلب المواد الأولية من الريف أو من بعض الأسواق المختصة والمتمثلة في الطين الطبيعي الخام الذي تمر عملية صناعته عبر مرحلتان مهمتان، الأولى بسط الطين حوالي 40 سنتيمتر أو أكثر حسب كل حجم ترغب فيه الزبونة، حيث يكون دائري ثم تصنع الحواف لغرض الحفاظ على الكسرة داخله من دون أن تمسها النار وحتى لا تحترق ويترك بعد ذلك حتى يجف يوما كاملا وأحيانا يومين اثنين وهي المرحلة الثانية والأخيرة حسب محدثتنا التي أكدت أن الطاجين الواحد يستغرق بين الساعتان إلى 5 ساعات حسب شطارة كل واحدة. زميلتها الجالسة إلى جانبها على بعد 3 خطوات تعرض بدورها سلعتها على زبائن بدؤوا حسبها يزدادون يوما بعد يوم رغم انتشار المخابز بكثرة مرجعة السبب إلى أن هناك الكثير من المواطنين الذين يحبون أكل الخبز المصنوع من طاجين الطين وهؤلاء يستبدلون طواجنهم كل بضعة أشهر تقربيا، حيث تقول محدثتنا التي تبلغ من العمر 70سنة »يا حسراه على نساء الزمن الجميل اللواتي يعدن على الأصابع هذه السنوات فهن قليلات من يمتعن أفراد عائلاتهم بخبز كسرة الطاجين« لتضيف قائلة : » إنها الحاجة والفقر الذي دفعني إلى هذا العمل الذي أعتز به كثيرا فأنا أمارسه منذ سنوات طويلة وقد عشت وعائلتي منه وأحمد الله أن هناك من العنابيات من مازالت تقبل على طاجين الكسرة لأن فيه بركة ونظيف، وفي السنوات السابقة كان الجميع يتبرك به وكانت ربة البيت تخشى على طاجينها من التشقق «تقول محدثتنا دائما. أما فيما يخص خطورة المكان فقد عبرت محدثاتنا عن سعادتهن رغم الخطر، لأن تجارتهم مربحة ، المهم بالنسبة لهن إسعاد عائلتهن بالإضافة إلى أن رجال الأمن منتشرون بالمكان. »طاجين الكسرة«بعنابة الذي يعتبر تراثا ماديا قيما، لا يزال يحافظ على رونقه وبريقه وعلى زبائن خصوصيين لا يفرطون أبدا في تراث أجداد عاشوا على متعة أكل خبزه فأسعاره في متناول الجميع ومختلفة حسب شكله وحجمه ونوعية الطين المصنوع منه، حيث يبلغ سعر الحجم الكبير منه، ذي النوعية العالية ما بين ال300 و 400 دج أما الأصغر منه فيتراوح ما بين 200 و 300 دج.