حري الذكر أن البيئة هي كل ما يحيط بالكائنات الحية وما ينتظرها، بمعنى ان البيئة بتكامل أجزائها وتناغم تفاصيل أدائها وسلامتها هي الحياة بعينها، فكلما حل اضطراب في أجزائها أو خلل غير طبيعي في تناغمها أو طارئ على سلامتها، أصيبت الحياة في أحشائها بمواجع وآلام تشتد عليها حتى تضيق بها الأرض ذرعا، فإما نظيفة نقية وتلك أصولها، وإما ملوثة فاسدة والسبب هو الإنسان. أيها الإنسان، التعامل بإيجاب وإحسان مع البيئة مسألة حضارية وسلوك أخلاقي ومبدأ ديني (النظافة من الإيمان) كيف تعلن إيمانك على الملأ وأمام الأشهاد أيها الجزائري، ولا تتعامل مع محيطك بما يجب من نظافة وهي رديفة إيمانك ومكملة له. ها هو بلدك يجعل من السنة الحالية 2013 عاما للحفاظ على البيئة في الوسط العائلي ابتداء، في المدرسة في الشارع في المؤسسة وفي كل الوطن انتهاء، علما بحجم المعاناة وعظيم مخاوف البيئة إن استمرينا في تجاهلنا لأهميتها حينما تكون خالية من التلوث على صحتنا، معاشنا، سعادتنا، وعلى حياتنا ككل بني البشر وغيرنا من الكائنات، فإذا لم نع ذلك ونتفهمه فإن الوضع يصبح حرجا قلقا يهدد ما على الكرة الأرضية من أحياء. كن مدنيا متطورا صاحب حضور في كل تقدم ورفاه فاعلا في النمط الجديد للحياة، متكيفا معه كيف ما كان، على أن لا تعلق دورة الحياة بما هو اللاحياة، ولا تقطع النظام البيئي بما يوفر ويهيء من مناخ ملائم لوجود خال من الأمراض والأوبئة التي تسببها النفايات الصلبة وما يطرح الإنسان أو يستعمله مثل الغازات السامة عند الإفراط في الاستغلال والاستخدام، أو العبث في التخلي عنها حيث لا يلزم التخلي، باعتبار ذلك مفسدة للهواء والماء والتربة. نحن أبناء البشر الذين نخترع ونصنع ونستخدم ونستهلك نلغي ونلفظ السبب الرئيس في تلوث البيئة الذي يصيبنا بالضرر، فمن يهن عليه المساس بالجمال بالتشويه والإساءة إليه، فإن ذلك يدعو إلى انعدام التذوق، لأن عدم الحسرة على اختفاء الصورة الجمالية لما يحيط بنا يؤدي حتما إلى الإهمال واللامبالاة، ومن ثم إلى عدم الاكتراث بالتلوث بالنفايات مثل الرمي العشوائي لمخلفات نشاط الإنسان في حياته اليومية. فعدم الاكتراث بمضار التلوث البيئي يدل على غياب الوعي الصحي، الأمر الذي يؤدي إلى أضرار كثيرة توصل إلى أمراض جسيمة متعددة يستعصى علاجها واستئصالها، زيادة عن انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة فتكاثر الميكروبات واستفحالها في هوائنا وتربتنا وطعامنا ومشروبنا. إذا اكتفيت معك أخي القارئ بهذا النوع من التلوث البيئي، لأني لا أريد أن أزج بنفسي وبك في تلوث النفايات الإشعاعية التي هي خارجة عن نطاق حينا كمواطنين مثل تلك التجارب النووية التي أجريت في صحرائنا من طرف فرنسا، والتي بلغت 17 قنبلة فجرت فوق وتحت الأرض، كانت أولاها قنبلة اليربوع الأزرق بالحمودية »رقان« على الساعة السابعة وخمس دقائق من صباح يوم 13 فبراير 1960 والتي فاق ضرر مفعولها أربعة أضعاف مضار مفعول قنبلة هيروشيما وهي الجرائم النووية التي سمحت لفرنسا بالدخول في النادي النووي العسكري العالمي من بابه الواسع والتي أتت على كل ما هو حي، وما تزال بتلوثاتها النووية تضرب بعنف حياة السكان وكل ما هو حي من نبات وحيوان إلى اليوم وإلى الغد وإلى أمد لا يعلمه إلا الله؟ يجب أن نؤمن أن التلوث يعتبر من أخطر المشاكل البيئية الملحة في بلدنا، والتي بدأت تأخذ أبعادا اقتصادية واجتماعية وصحية جد خطيرة نحن أطراف مباشرين في إيجادها. إننا نشاهد في يومياتنا ونشهد أن مناطق عديدة أضحت قبلة لرمي النفايات الكيماوية والنفايات الإنسانية بصفة عشوائية في الساحات وعلى الأرصفة وأمام أبواب المباني والمؤسسات التربوية والمسجدية، وحيث ما لاح البصر مما يؤدي إلى خطر مباشر على صحة الإنسان في غياب الوعي البيئي المطلوب. ومن ظواهر ذلك أن تلويث المدن أصبح لا يقتصر فقط على الغازات التي تلفظها المركبات والمحروقات الصناعية والمنزلية في الهواء، بل هناك تلوث آخر للبيئة متعدد ومتنوع سببه أساليب الاستغلال المفرط للموارد والمواد الغازية من ظرف السكان وبخاصة حيث عدد السكان مرتفعا ومكتظا. إننا نرى بأم أعيننا مثلا المناظر البشعة ونشم الروائح الكريهة المنبعثة من البرك وركام الأوساخ تلقي بظلالها حتى على الشواط صيفا دون مراعاة شروط المحافظة على البيئة من طرف مستعملي وزائري تلك الشواط، بتسرب محتويات مستهلكاتهم، فتسيء إلى جمال الشاط الذي يتحول إلى مناظر منفرة، مجلبة للتقزز وللوباء. وبمثل ما نتحدث عن المدينة وعن الشاط نعطف عليهما الحديث عن الغابة، وسلبها جمالها، نقائها، أدائها، بالاجثاث، بالحرائق، بالتدهور، بالحصار الإسمنتي برمي الفضلات والعجلات المطاطية، وأكياس القاذورات والفضلات، فإذا اشتكيت أنا وأنت إلى من هو على شاكلتنا فلمن تشتكي الغابة يا ترى، إذا كان حاميها حراميها، وهو الخصم والحكم. إن المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات التربوية يقوم بدور أساسي وقوي في تكوين الناشئة والأحداث على التربية البيئية والمواطنة الصالحة التي تهدف إلى الحفاظ على التنمية المستدامة التي هي في حاجة ملحة إلى ركائز رحمة تحمل لها النور وجرعة الأمل مع الأجيال القادمة فالحفاظ على البيئة مسؤولية الجميع وفي مقدمة ذلك مسؤوليتنا في توفير الجو الصحي الملائم والمناخ البيئي المواتي لحياة أفضل تنشهدها الأجيال الصاعدة واللاحقة، ترسيخا لما يتطلعون إليه من أمل في إنجاح سياسة التنمية المستدامة...!؟