عادت العلاقات بين الجزائروالرباط خطوات إلى الوراء، فكل تقدم في اتجاه نزع فتيل التوتر تعقبه تحركات مغربية تبدو مقصودة لتصعيد الأجواء بين البلدين، ويبدو أن المغرب لا يكتفي بتكرار خطابه القديم باتهامه الجزائر بعرقلة حل النزاع في الصحراء الغربية، فراح هذه المرة يستثمر في الحرب في شمال مالي في محاولة لإضعاف موقف الجزائر تجاه شركائها الإقليميين والدوليين لم يكن اختيار الموقع الغازي »تيقنتورين« بإن أميناس للاحتفال بالذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين مجرد صدفة، فاختار الموقع جاء مثقلا بالرسائل التي أرادت السلطات الجزائرية توجيها للإرهاب من جهة وللخارج من جهة أخرى، فرمزية المناسبة تنسجم أيضا مع رمزية الموقع الذي استهدفه الإرهابيون في محاولة لضرب الاقتصاد الجزائري على اعتبار أن الجزائر تزود الكثير من الأسواق الأوربية والعالمية بمادة الغاز، وامتحان قوة المؤسسات الأمنية الجزائر في التعامل مع تحدي امني لا يعني الجزائر فحسب وإنما يعني أيضا عدد كبير من الدول التي احتجز مواطنوها كرهائن منتصف جانفي الماضي. وشاء القدر أن تتزامن ذكرى تأميم المحروقات مع رحيل أحد رموز الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ,54 المجاهد الكبير أحمد مهساس، رجل عاش للجزائر، وجاهد من أجل استعادة حريتها واستقلالها، رجل عرف بمواقفه الصلبة، رحل الدكتور أحمد مهساس رفيق درب الرئيس احمد بن بلة لتفقد بذلك الجزائر احد رجالها العظماء، وبوفاته دفن كنز آخر من كنوز هذا الوطن، ورحل معها تاريخ بأكمله، ففقدان المجاهدين الذين صنعوا اكبر ملحمة ثورية في التاريخ المعاصر تباعا يضع الجميع أمام مسؤوليته في تدون شهاداتهم، وإذا كان مهساس من نوع الذين يخطون بأقلامهم تاريخهم، فهناك الآلاف من المجاهدين الذين ينتظرون من يأخذ عنهم التاريخ قبل أن ينتقلوا إلى الدار الباقية. وشكل موضوع العلاقات الجزائرية ? المغربية أحد أهم المحاور التي تناولتها وسائل الإعلام خلال الأسبوع المنصرم، ويبدو أن كل النوايا »الحسنة« التي طالما اصبغ بها المسؤولون المغاربة خطاباتهم الموغلة في النفاق، بالحديث عن الأخوة وحسن بالجوار، وعن الرقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين، سرعان ما تسقط في الماء بمجرد خرجات غير مسؤولة لمسؤولين في المملكة أصبح همهم الوحيد هو تعليق مشاكل المغرب على الجزائر، فأضحت الجزائر ذلك المشجب الذي تتكدس فوقه الإخفاقات المغربية داخلية كانت أم خارجية خاصة النزاع في الصحراء الغربية. ومؤخرا فقط تحدث بعض المصادر التي وصفت بالملمة بالعلاقات بين الجزائر والمغرب عن قرب بعث ديناميكية جديدة ودم جديد في العلاقات بين البلدين، وجرى الحديث عن استكمال المسار الذي شرع فيه منذ فترة عبر تبادل الزيارات لمسؤولين سامين ووزراء أوجدوا فرصا للتعاون بين البلدين زادت في تمتين العلاقات في جانبها الاقتصادي، علما أن التبادلات التجارية بين الجزائر والمغرب هي الأولى عربيا، وهذا عكس ما قد يعتقده جل المتتبعين والمتشائمين من التدهور الذي عرفته العلاقات السياسية بين البلدين، خصوصا خلال السنوات الأخيرة. ويبدو أن المغرب، وعكس ما يدعيه الخطاب الرسمي في المملكة، يسير عكس هذا التيار، ويواصل النسج على منوال التصعيد رغم حاجته الظاهرة على الأقل لإقامة علاقات متوازنة ومتطورة مع الجزائر، فالتصريحات التي أدلى بها عبد اله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية للقناة الفرنسية الخامسة، حمل فيها مسؤولية النزاع في الصحراء الغربية للجزائر، قائلا بأنه لو أرادت الجزائر حل النزاع في الصحراء الغربية في يوم واحد لفعلت، كما حملها مسؤولية استمرار غلق الحدود البرية بين البلدين، ولم يكتف بن كيران بذلك بل لمح إلى مسؤولية الجزائر في مالي، حتى وإن دعم الموقف الفرنسي وأيد الحرب الذي تقوم بها باريس ضد »الجهاديين« في شمال مالي. الجزائر لم تبق مكتوفة الأيدي أمام هذا الهراء المغربي الذي أصبح يتكرر كلما تحركت العلاقات الثنائية في الاتجاه الصحيح، فرد الخارجية الجزائرية على لسان الناطق الرسمي باسمها، عمار بلاني كان صريحا ومباشرا، بحيث فضح النفاق الذي ظهر جليا في حديث رئيس الحكومة المغربية، وأعاد تذكير الرباط بمواقف الجزائر فيما يتصل بالنزاع في الصحراء الغربية، فتحميل الجزائر المسؤولية عن وضع صنعه الاحتلال المغربي الجائر للصحراء الغربية لا ينطلي على عاقل، والعالم أجمع يدرك مواقف الجزائر من المسألة ويعرف أيضا بأن المكان الطبيعي للنزاع في الصحراء الغربية هو الأممالمتحدة وهذا باعتراف المغرب أيضا، ثم لما يكرر النظام المغربي تارة بلسان بن كيران وتارة أخرى عبر وسائطه الجمعوية والسياسية والإعلامية اسطوانته المشروخة لتبرير جرائمه في الصحراء الغربي، ويحمل الجزائر المسؤولية في حين لا يوجد بلد واحد في العالم يعترف بأحقية المغرب على التراب الصحراوي، وهناك عشرات الدول التي تعترف بالصحراء الغربية، وهناك أيضا قرارات أممية لا لبس فيها تعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. ومن دون شك أن الملاسنات التي حصلت بمقر الأممالمتحدة بين المندوب الدائم المغربي ونظيره الجزائري بسبب الانتهاكات التي يرتكبها المغرب بحق الصحراويين خاصة بعد الأحكام الجائرة التي أصدرها القضاء المغربي بحق عشرين ناشطا صحراويا أدينوا في أحداث مخيم أكديم إزيك، ما هي إلا عنوان لتوتر واضح في العلاقات بين البلدين بسبب ملف الصحراء الغربية الذي يفترض أن يتم استبعاده من أي نقاش حول هذه العلاقات، وليس من حق المغرب بان يفرض على الجزائر مواقف معينة بشأن قضايا تخص نزاعات تجري على أمتار من ترابها، وهو ما حمل رئيس الجمهورية بعبد العزيز بوتفليقة إلى التأكيد في رسالة وجهها للرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز في ذكرى تأسيس الجمهورية الصحراوية على دعم الجزائر للجهود التي تبذلها المجموعة الدولية لتسوية للنزاع في الصحراء الغربية وتمكين الشعب الصحراوي من التمتع بحقه في تقرير المصير والاستقلال. تلميحات بن كيران بشان مالي تؤكد مجددا بان الجار الغربي لم يتعلم الدرس، فكان حريا ببن كيران والمسؤولين المغاربة وصولا إلى العاهل محمد السادس أن يدركوا بان أي محاولة للاستثمار في الأزمات التي قد تصيب الجزائر سوف يعود بالسلب على العلاقات الثنائية ولن يفيد الرباط بأي شكل من الأشكال، وقد جرب النظام المغربي هذه الطريقة خلال أزمة الدم التي مرت بها الجزائر ولم يحصد إلا المزيد من الانتكاسات. والحقيقة أن باريس لم تكن بحاجة إلى رقصات بن كيران لتواصل حربها في مالي، فالمواجهات مع »الجهاديين« هي على أشدها وأصبحت على خطوات فقط من الحدود مع الجزائر، وتحديدا بجبال إيفوغاس التي يعتقد بأن النواة الصلبة للمسلحين تتحصن فيها، خصوصا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي يكون قد فقد الكثير من عناصره في المدة الأخيرة، وهناك حديث عن سقوط ما لا يقل عن 40 مسلحا في المواجهات مع وحدات من الجيشين الفرنسي والتشادي، ويرجح أن يكون بين القتلى القيادي في الفرع المغاربي للقاعدة عبد الحميد أبو زيد. لاشك أن القوات الفرنسية المسنودة بوحدات تشادية وأخرى من بعض الدول الإفريقية تحقق تقدما في اتجاه إخلاء المدن في شمال مالي من »الجهاديين«، إلا أن الكثير من المؤشرات تؤكد بأن الانتصارات المحققة ليست حقيقية وربما هي ظرفية، فأمام الفرنسيين تحديات أخرى في المستقبل خاصة مع بروز حرب العصابات التي بدأت تفتك بالكثير من الفرنسيين وخصوصا عساكر بعض الدول الإفريقية على غرار التشاد، وهو ما يعني بان ملامح المستنقع المالي بدأت في الظهور.