لم يمض أسبوع على زيارة الأمين العام للخارجية المغربية ناصر بوريتا إلى الجزائر ، حاملا رسالة من الملك محمد السادس تدعو لإعطاء دفعة للعلاقات الثنائية بين الجزائر “بما يجعلها أنموذجا للتعاون الاقليمي” بحسب ما جاء في الرسالة، حتى انتكست هذه العلاقات مجددا على وقع تصريحات رسميين مغاربة كرروا ادعاءات قديمة بخصوص أسباب التوتر في العلاقة بين البلدين الجارين. خلال مناقشة لملف الصحراء الغربية أمام مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان انتقد المندوب الجزائري مراد بن مهيدي محاكمة خمسة وعشرين ناشطا صحراويا أمام محكمة عسكرية مغربية في مدينة العيونالمحتلة، واعتبر أن بعثة الأممالمتحدة الخاصة بتنظيم الاستفتاء في الصحراء “المينورسو” “فريدة من نوعها كونها لا تشمل جهازا خاصا بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان”. وأشار إلى كونها لم تستطع التدخل في قضية مخيم “قديم إيزيك” بسبب هذا القصور. المندوبة المغربية اعترضت عليه بقوة وطالبت بنقطة نظام، فرد عليها المندوب الجزائري… ثم طلبت الدبلوماسية المغربية حق الرد مجددا لتعزو الموقف الجزائري إلى اقتراب ميقات التجديد الدوري لبعثة الأممالمتحدة الخاصة بتنظيم الاستفتاء في الصحراء المعروفة باسم “المينورسو” في شهر أفريل من كل سنة، “ما يُلهب الانتقادات الجزائرية للمغرب” حسبما قالت المندوبة. لكن بن مهيدي نفى أن أي تدخل للجزائر في القضية الصحراوية، وهو الموقف الذي عاد إليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني ردا على تصريحات رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران. وإذا كان الجدل بين الدبلوماسيين الجزائريين ونظرائهم المغاربة أصبح تقليدا معروفا في المحافل الدولية عندما تطرح قضية الصحراء الغربية، فإن تصريحات عبد الإله بن كيران بخصوص الوضع في منطقة الساحل بدت هجوما على الجزائر، فقد قال رئيس الحكومة المغربية في تصريحات للقناة الفرنسية الخامسة “إن فرنسا تدخلت في مالي لأن المغرب والجزائر لم يتفقا”. وأضاف أن “الجزائر تعترض على تدخل المغرب (في مالي)” ، وقفز بعد ذلك إلى موضوع الصحراء الغربية ليحمل الجزائر مسؤولية الانسداد على مسار التسوية حيث قال “كل العالم يعرف أنه لو أرادت الجزائر تسوية نزاع الصحراء في يوم واحد لسُوي فعلا”، مضيفا أن الجزائر “هي المسؤولة أيضا عن استمرار غلق حدودها المشتركة مع المغرب.ومن المؤسف أن تظل قضية الصحراء التي تخضع لمنطق قديم، عنصر تسميم للعلاقات بيننا، علما أن جلالة الملك (محمد السادس) قرر فتح الحدود من الجانب المغربي”. الرد الجزائري جاء على لسان عمار بلاني الذي وصف تصريحات بن كيران بأنها سطحية ومخادعة معتبرا أنها ‘لا تعكس فقط مشكلا في الرؤية السياسية لمشاكل المنطقة، من قبل الطرف المغربي، وليست سطحية فحسب، بل إنها تقوم على حجة مخادعة وأسباب مصطنعة”. وأضاف بلاني ”لا نريد أن نتحدث عن ظروف نشأة الأزمة في مالي، فالجميع يعرف ذلك، لكننا نكرر حتى ما لا نهاية أن مسألة الصحراء الغربية ليس لها أي بعد ثنائي بين الجزائر والمغرب، هذا منطق قديم، بل هي مسؤولية الأممالمتحدة وجميع العالم يعرف ذلك”. وأضاف: ”الإخوة في المغرب يدركون أن مسألة الصحراء الغربية تم تسجيلها ووضعها منذ فترة طويلة بين يدي الأممالمتحدة ضمن المناطق ال16 المعنية بتصفية الاستعمار وتقرير المصير، والتي تتكفل بها اللجنة الأممية الخاصة بتصفية الاستعمار” . الحديث عن الوضع في الساحل وعدم رغبة الجزائر في إشراك المغرب في التنسيق بخصوص الأزمة في مالي يعكس امتعاض الرباط من عزلتها الإقليمية، فخلال السنوات الثلاثة الماضية كانت المملكة تتابع عن كثب كل الاتصالات التي كانت تجري بين دول الساحل من أجل تأمين المنطقة من كل النشاطات الإرهابية وشبكات تهريب المخدرات وتجارة السلاح وكل الأعمال الإجرامية، وقد أدركت المملكة أن بقاءها على الهامش سيجعلها في عزلة عن محيطها الطبيعي وهو إفريقيا، ومن هنا جاء طلبها لحضور الاجتماع التنسيقي لوزراء خارجية دول الساحل الذي عقد في الجزائر في شهر مارس سنة 2010، وقد رفضت الجزائر الطلب المغربي بحجة أن المغرب ليس من دول الساحل، ورأت الرباط في الرفض إمعانا في تهميشها. الورقة الأخرى التي لعبتها الرباط هي محاولة توريط البوليساريو في النشاط الإرهابي من خلال اتهامها بإرسال مقاتلين إلى منطقة الساحل والوقوف وراء عمليات اختطاف الرعايا الأوروبيين، وقد فندت الدول الكبرى هذه المزاعم وجاءت التقارير الرسمية الأمريكية وتقارير أجهزة الاستخبارات الغربية لتعلن براءة الصحراويين من هذه الادعاءات المغربية. والحقيقة أن السعي المغربي له دلالات سياسية عميقة، فالمملكة تسعى إلى إثبات انتمائها إلى دول الساحل باعتبار سيطرتها على الصحراء الغربية، والاعتراف بها كجزء من هذه المنطقة الجغرافية يعني ضمنيا الاعتراف بشرعية احتلالها للصحراء الغربية، ولم تكن الرباط تتوقع ردا إيجابيا من الجزائر على طلبها لكنها أصرت على تقديمه وعلى الإعلان عن الرفض الجزائري في محاولة لجلب انتباه الأمريكيين والفرنسيين ودفعهم إلى ممارسة الضغط من أجل إشراك المملكة في جهود مكافحة الإرهاب، غير أن رد فعل باريس وواشنطن بهذا الخصوص لم يكن في مستوى طموحات الرباط، بل إن الإعلان عن دعم المبادرة الجزائرية التي أفضت إلى تشكيل قيادة مشتركة للأركان بين دول الساحل، عزز شعور الرباط بالعزلة. الانتكاسات المتكررة التي تشهدها العلاقات الجزائرية المغربية بسبب التصريحات المتشنجة للمسؤولين المغاربة تضع النوايا المغربية محل استفهام، وتضرب مصداقية الجهود المعلنة من أجل تنقية العلاقات الثنائية وتسريع عملية إنعاش اتحاد المغرب العربي.