بلغ الاستياء ذروته وسط الأطباء والممرضين والأسلاك المشتركة من الطريقة التي عالجت بها وزارة الصحة والوزارة الأولى منحتي العدوى والمناوبة، ورأى العمال والموظفون أن هاتين الهيئتين الرسميتين قد أجحفتا في حق الجميع، ولا يختلف الأمر بين هاته الشريحة العمالية وتلك إلا في درجة الإجحاف، ويرى هؤلاء أن ما انتهت إليه منحتا العدوى والمناوبة أمر يتناقض مع المنطق العقلاني والرشادة في تسيير القطاع الذي هو في أمس الحاجة لاهتمام أكبر، وإلى دفع أقوى، بعيدا عن كل التجاذبات، ولعبة القط والفأر مثلما يُقال. رغم أن وزارة الصحة قد أقرت مع مطلع الأسبوع الجاري منحتي العدوى والمناوبة لصالح فئات كثيرة عاملة بقطاع الصحة، وكانت تأمل أن تحصل من وراء ذلك على نوع من الارتياح والرضا وسط الهياكل الصحية والاستشفائية، إلا أن ما حصل هو العكس، ذلك أن منحة المناوبة كانت في نظر الأطباء والممرضين وأخصائيي وأعوان التخدير وغيرهم غير كافية، ولم ترتفع إلى السقف الذي كانوا يطالبون به، وقد ترجمته النقابات الممثلة لهم في ما قدمته للوصاية من مقترحات ومطالب في جلسات الحوار التي جمعتها وإياها خلال الأشهر الماضية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هم جميعهم تأكدوا من أن المبلغ المقرر منحه لهم سوف يُقتطعُ منه نسبة معتبرة كضريبة عنه. وأولى الشرائح التي اشتكت من هذا الأمر الأطباء وشرائح التخدير الطبي، هذا دون الحديث عن كون هذه المنحة هي الأخرى لا تُمنح بأثر رجعي ابتداء من 1 جانفي 2008 وفق ما نص عليه المرسوم الرئاسي، الذي حدّد على أن كل المنح التي تقرر بعد إصدار القوانين الأساسية الخاصة القطاعية تُحتسب بهذا الأثر الرجعي المحدد، وليس على أساس أثر رجعي يبدأ من 1 جانفي ,2012 وفق ما قررت وزارة الصحة. والشق الثاني المتعلق بموضوع المنح، والذي أثار ضجة كبيرة واستياء بالغين هو ما تعلق بمنحة العدوى، أو منحة الخطر مثلما يسميها البعض، التي تراوحت قيمتها بين 1200 و7200 دينار، والتي أقرتها وزارة الصحة هي الأخرى هذا الأسبوع، وقد لاقت انتقادات حادة ورفض واسع من حيث قيمتها المالية التي يرى الجميع أنها ليست بالمستوى المطلوب، ومن حيث تباينات الاستفادة منها، الموزعة على ثلاثة مستويات، غير مرضية تماما بالنسبة للأطباء العامين والأخصائيين، ولاسيما منهم الجراحون، الذين هم عصب القطاع في دوامه، وفي كل استعجالاته، الذين يرون في أن ما يُقابل أتعابهم في القطاع الخاص والخارج يساوي عشرات الملايين عن كل عملية جراحية واحدة. وغير مرضية أيضا وبشكل صارخ لعمال وموظفي الأسلاك المشتركة الذين تقرر منح بعضهم فيها فقط ما يساوي 1200 دينار فقط لا غير كقيمة مالية لهذه المنحة، ونخص بالذكر هنا عاملات التنظيف بأروقة الهياكل الصحية والاستشفائية، وبقاعات العلاج والاستشفاء، وجميعنا يعلم أنهنّ يتعاملن يوميا مع القطن الملوث والضمادات وزجاجات الحقن والدم، وكل المخلفات الطبية الأخرى، وبما فيها في كثير من الأحيان القيء ودم وبول وفضلات المرضى والمصابين، وهي كلها ناقلة للعدوى، وأول الأشخاص المعرضين والمهددين دوما بخطر العدوى بمختلف الأمراض هن عاملات التنظيف، لكن ومع ذلك هنّ اللائي يتربعن على ذيل الترتيب من حيث قيمة منحة الخطر )منحة العدوى(، وفي نفس الوقت من حيث قيمة الأجر الشهري، ذلك أن أغلبيتهن الساحقة لسن مُرسّمات، وغير مُصرح بهنّ في صناديق الضمان الاجتماعي من قبل مديريهن الذين يتقاضون مقابل هذه المنحة 18 ألف دينار رغم أن أخطارهن أقل من عاملات التنظيف والجراحين والأطباء والممرضين، الذين يتعاملون بشكل يومي مع المرضى، زد على هذا أن تطبيق هذه المنحة تقرر أن لا يكون بأثر رجعي ابتداء من 1 جانفي 2008 وفق ما نص عليه المرسوم الرئاسي، بل ابتداء من 1 جانفي ,2012 وهذا بطبيعة الحال ما عبّرت عن رفضه كل النقابات، وقررت الوقوف في وجهه، والسعي إلى تصحيحه وفق ما نصت عليه حواراتها السابقة مع الوزارة، التي من المقرر أن يكون وفدا رسميا عنها قابل أمس مسؤولي الوزارة من جديد، طمعا في رأب الصدع وامتصاص جزء من حالة الغضب العمالي.