كنت أعتقد، بل كنت آمل أن يكون وحده في غيه الذي ينحو هذا المنحى، منحى الفتنة والضلالة، وكنت أقول أن الرجل يطلق الكلام عن عواهنه لأنه بلغ من العمر عتيا، ولأنه بوق سيده وولي نعمته لكن، كنت مخطئا وربما ساذجا فالهرم قائد جوق بامتياز، جوق إن كان هو رأس الفتنة فيه، فإنه يجمع كذلك في صفوفه عددا من أكباش الضلال. إنه القرضاوي، وتابعيه من أشباهه وأمثاله ومن حذى حذوه وهم اليوم في ذلك المشرق المفكك ينعقون كالغربان إنهم يشعلون الفتنة ويوقضون الوحش، فتنة الصراع المذهبي والتكفير ووحش التقتيل وممارسة كل أنواع وأشكال المحرمات والموبقات. في الاجتماع الأخير بالقاهرة التي تحول من قاهرة ''المعز'' إلى قاهرة الذل والهوان قد تبنى ودعا ما يسمى بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بيانا يدعو إلى ''الجهاد في سوريا'' بيان تبناه مرسي باسم جمهورية مصر العربية ويتحول رئيس جمهورية إلى عضو يملك صوتا في اتحاد يذكرني بالجمعيات الماسونية ومات يصدر عنها من تعليمات وتوجيهات ولكن تلك كانت تستهدف السيطرة على العالم وهؤلاء يستهدفون تفتيت ما بقي من العالم الاسلامي. الرجل الذي يتحمل هو وأتباعه كل الأوزار والأردان والآثام لأولئك الآلاف بل عشرات الآلاف من الشباب العربي والاسلامي الذين انخدعوا بفتاويه ودعاويه ليقاتلوا ويقتلوا في سوريا، وفي منطقة الساحل وفي الصومال وفي العراق وفي سيناء وهم يعتقدون أن ذلك من الدين وبالذات من الاسلام وأساسا من الجهاد وتفنن بعض نماذج القرضاوي ليوسع مفهوم الجهاد ليشمل الفسق والزنا والفجور!؟ هل هذا هو الإسلام، هل هذا هو الدين الذي أتى هداية للناس جمعاء، دين السلام والتسامح والأخوة البشرية'' فما بالكم بالأخوة الاسلامية؟ هل صدق ماركس، بعدما يقارب القرنين من موقفه من الدين، أي دين ونعته بأنه ''أفيون الشعوب''؟ مفتي الضلالة والفتن والنماذج من أمثاله في مصر والسعودية والأردن والكويت ولبنان، أدى بهم عميان البصيرة إلى أن يقفوا في صف الرجل من حيث لا يشعرون ولا يدرون، نتيجة العمى والعلو والتطرف لكن ليسوا في مقاومة كفيلسوف ومفكر ومحلل اجتماعي واقتصادي من الطراز الأول. إن السياق الذي يصدرون فيه فتاويهم هو نفسه السياق الذي عناه الرجل وهو يدرس ويحلل تأثير الكنيسة والكهنة والكهنوت على عقول الناس في أفكارهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم، لقد كانوا يساقون إلى الصراعات والتقاتل والعدوان حسب صكوك الغفران وحسب الصراع الكنسي بين الكاثوليكية والأرثوذوكسية والبروتستانتية والأنجلكانية وهكذا تخدروا الناس وأصبحوا آلات وعبيد للراهب أو القس أو المطران أو الراعي وعاشت أوروبا صراعات دينية دموية استمرت قرونا، وصدروها إلى المشرق والمغرب العربيين وهما يعيشان التسامح بين الأديان والمذاهب والأعراق والملل والنحل وتكامل الحضارات والثقافات في شكل الحروب الصليبية. ان تشاهد مجموعة قتالية كويتية سنية تذبح وتقتل وتسبي في قرية شيعية بمنطقة دير الزور السورية وتفتخر بالجريمة وبالمذبحة وتنتشي رقصا وهي ترسل صور الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تشاهد مقاتلا سنيا من جبهة النصرة الارهابية يستخرج قلب جندي قتيل ويلوكه مبتهجا وأن تشاهد ورقة معلقة على جدار أحد مواقع المقاتلين الاسلامويين وفيها برمجة بالأسماء وباليوم لجلسة زنا وفسق وفجور، تمت صفة ''جهاد المناكصة''. أن ترى ذلك وهو نموذج صغير جدا مما يحدث في سوريا وبتبرير من القرضاوي وجوقه ستدرك أن ''الأفيون'' الذي ذكره ماركس هو حالة واقعية أوصلتنا إليه فتاوي هذا الهرم الذي نصب من نفسه إلاها يملك حق الموت والحياة وحق الحرمان من الجنة لفئة من المسلمين.. أي مذهب يتبعه هذا القابع في الدوحة بوق الإمارة البغاث التي تحسب نفسها نسرا؟ إن الرجل يقول لنا ما في جلبابه وعباءته وتحت عمامته إلا الله وشريعته وشرعه فلماذا قتل الحلاج إذن وصلب وحرق مع أنه كان في قمة التصوف والعشق الإلاهي والمحبة والتجلي، في حين أن هذا المعتوه الفاقد للعقل قد أصبح في قمة الحقد والعمي والضلالة ونشر الكراهية والبغضاء؟ حين سئل الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية المسلمين الجزائريين الذي ترأس وفد الجمعية في اجتماع القاهرة الذي أصدر البيان الفتنة أجاب أنه لم يكن حاضرا لأنه لم يكن في لجنة الصياغة، ولست هنا لأحكم على النيات وعلى ما في القلوب لكن بكل تواضع أقول أن الإجابة لم تقنعني لأن البيان قد يكون قرئ في جلسة علنية وقد يكون وزع على الحضور وإن لم يطلع عليه هو شخصيا فقد يكون أحد أعضاء الوفد قد اطلع عليه وفي كل الأحوال فإن التبرأ مما ورد فيه كان الأجدر أن يكون هناك في عين المكان وفي قاهرة المعز التي شيدها الجزائريون الكتاميون! وعدت بذاكرتي قليلا إلى الوراء، وتذكرت العلامة المرحوم أحمد حماني الذي كان مرجعا فقهيا سنيا على مستوى العالم الإسلامي، من غرب إفريقيا إلى أقصى أندونيسيا هل كانت هذه القضية ''الفتنة'' ستمر عليه هكذا وهو الفحل في الإفتاء على أصول المذهب المالكي السني الشافعي؟ وتستمر بي الذكريات وأسترجع مواقف المرحوم العلامة اللغوي المتعدد للغات المتشبع بالثقافات الإنسانية حتى السنفونيات الموسيقية منها مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كانت ملتقيات الفكر الإسلامي في وقته، مجالا للحوار والنقاش ليس فقط بين مختلف المذاهب الإسلامية، بل وسعها لتشمل علماء ومفكرين من مدارس أخرى وديانات أخرى وأساسا المسيحية منها وكان أول من طبق ما يطلق عليه اليوم حوار الأديان أو حوار الثقافات أو حوار الحضارات.. وكان المشاركون في تلك الملتقيات علماء ومفكرين وباحثين من المذاهب الأربعة المعروفة ومن المذهب الجعفري وهي التسمية الأصح لما يطلق عليه الشيعة، ومن المذهب الأباضي وكانت حرية التناول وحرية الطرح وحرية النقاش وحرية الإختلاف. في بداية السبعينات زار الرجل الإتحاد السوفياتي أنئذ، روسيا اليوم وتسبب في حادثة ديبلوماسية بين الجزائر وموسكو، حين قطع زيارته وعاد احتجاجا على إهانة للإسلام كانت غير مقصودة، وأجاب حين سئل عن ذلك لقد تحررت الجزائر بالإسلام، ولا أقبل أن يهان. وأعود قليلا إلى الوراء وأسأل لو كان الشيخ العلامة، بن باديس حيا اليوم وصدرت هذه الفتوى الشؤم باسم علماء السنة وفقهائها، أليس من حقه أن يقول فيها وفي من يدعي مذهبها الذي استندت إليه في تبريراتها ما قاله في فرنسا لو تقول لي قل لا إلاه إلا الله محمد رسول الله ما قلتها وأقسم لذلك؟ وهو الرجل الذي مدح أتاتورك حين أزال رجل الشرق المريض الذي يسعى أردوغان اليوم لإعادته للحياة. وعودة إلى سوريا، بما أن الأمر يتعلق بها وبمحنتها وبالعدوان المادي والفكري والديني والإرهابي والتكفيري المسلط عليها أذكر أن هذا البلد الشقيق والمتجذر حضارة وأصالة وعروبة وقومية كان المواطن العربي فيها يحس كأنه في بلده وفي وطنه ونحن الجزائريون خاصة كانت ولحد الآن لنا مكانة لدى هذه الدولة وهذا الشعب لأن هذا البلد يعي قيمة الجزائريين وترفعهم وسموهم وتسامحهم منذ أن كانت تلك الوقفة الإنسانية والأخلاقية الرائعة للأمير عبدالقادر اللاجئ في دمشق وهو يحمي مسيحيي الشام والمشرق من فتنة طائفية تسبب فيها أناس متعصبين على شاكلة قرضاوي الدوحة. وهل من الصدفة فقط أن يتبوأ يوما منصب رئاسة الوزراء سوريا عبد الرحمان خليفاوي سليل عين الحمام الأمازيغي العروبي؟! لماذا لا يكون، وسوريا كانت تعج بكل الوافدين العرب، يمنيا مثلا أو مصريا أو من الخليج أو عراقيا أو تونسيا أوليبيا!؟ ذكرني الزميل موسى صيودة وأنا أحبر هذه العجالة بمقولة للمرحوم صلاح الدين البيطار زميل ميشال عفلق المسيحي في تأسيس حزب الشعب أنه قال فيما معناه إن كانت هناك نهضة عربية أصيلة فإنها ستأتي من الجزائر هذا البلد المتشبع بقيم الإسلام والمتفتح على القيم الثقافية الأروبية والإنسانية... وعلى ذكر ميشال عفلق وهو المسيحي الأرثوكسي أنه قال يوما وهو يصف حالة العرب ويذكر بفضل الإسلام عليهم، أنهم كانوا مجرد كائنات تعيش في الجزيرة حالة وحشة المكان وغربة الزمان فكان أتى الإسلام ليفتح أمامهم العالم وليفتح أعينهم لترى العالم! وما هي حالة العرب في جزيرتهم اليوم وفي خليجهم الذي يتواجدون فيه ولا يملكونه.. إنهم يعودون إلى طبائعهم القبلية والعشائرية والجاهلية ولماذا لا يقول القرضاوي وأمثاله وجوقه ومريديه ولو كلمة واحدة في إزالة كل آثار النبوة والرسالة السماوية من الحرم المكي بحجة التوسعة وإذا كان القرامطة يوما سرقوا الحجر الأسود، فإن الوهابيين اليوم يزيلون كل أثر للنبي العظيم ولعهده ولخلفائه!؟ صدق ابن خلدون حين قال: الطبع يغلب التطبع، ما جبل عليه هؤلاء يلغي نظرية التطور والإرتقاء والنشوء، رغم المظاهر المادية ومظاهر الرفاهية والبذخ فإن الفكر سيظل فحطا وأعرابيا وهو فكر أشد كفرا ونفاقا.. ومن العجاب أن تتلاقى في زاوية ما فتاوى القرضاوي مع إلحاد ماركس على الرغم من الفرق في الفكر ذلك أن فيلسوف الجدلية التاريخية كان يعي ما يقول، أما هذا الفتان الضال، فقد أوصلته فتاويه الشيطانية وحماقته إلى نفس النتيجة ..،.هل يدرك ذلك؟