لم يتردد قادة الإخوان المسلمين في مصر في وصف ما يجري في البلاد من مظاهرات تطالب برحيل الرئيس محمد مرسي وإنهاء زحف حركة الإخوان على مؤسسات الدولة، بأنه مؤامرة ضد الإخوان ينفذها بقايا نظام مبارك والولايات المتحدةالأمريكية، وقد تدخل أحد قادة الإخوان في الأردن ليصف من يتظاهر ضد مرسي بأنه أسوأ من نظام مبارك. لو صدقت هذه الاتهامات سيكون من حق مبارك أن يعود إلى الحكم، فالذين نزلوا إلى الشوارع خلال اليومين الأخيرين قدر عددهم بالملايين، وليس مبالغة القول بأن هذه أكبر مظاهرات شعبية في تاريخ المنطقة، ومن الإساءة للشعب المصري وثورته وصف كل هؤلاء بأنهم فلول النظام البائد، ومن التجني على الحقيقة ربط الأمر بمؤامرة أمريكية خاصة وأن الإخوان كانوا على ود مع أمريكا قبل وبعد سقوط نظام مبارك. لقد صم الإخوان آذانهم عن مطالب معارضيهم ومضوا قدما على طريق السيطرة المطلقة على الحكم، حجتهم كانت الشرعية الشعبية، وقد رفضوا النظر إلى الحقائق وفضلوا بدلا عن ذلك اتهام وسائل الإعلام بالتضليل ونشر الأكاذيب،غير أن الملايين الذين نزلوا إلى الشارع أكدوا أمرا في غاية الأهمية، وهو أن حركة الإخوان اختارت السلطة فعزلت نفسها، وقد تحول الأمر في النهاية إلى مواجهة بين الإخوان وبقية الشعب المصري الذي يتوزع على أطياف سياسية متعددة. صحيح أن مرسي جاء عن طريق الانتخابات، لكن الصحيح أيضا أن مرسي أراد أن يتجاوز التفويض الذي حصل عليه من الناخبين عندما أصدر الإعلان الدستوري الذي وضع معالم نظام استبدادي، واعترافه المتأخر بأن ذلك الإعلان الدستوري كان خطأ هو تأكيد لنسبية الشرعية التي تمنحها الانتخابات خاصة في حالة دولة حديثة العهد بالديمقراطية تكون الأولوية فيها لبناء المؤسسات الديمقراطية وليس للتمسك بالحكم والسيطرة على كل مفاصل الحياة السياسية. لعل الفشل الأساسي للأخوان تجلى في هذا الشعور بالضياع الذي ينتاب المصريين بعد عام من حكم مرسي والجماعة، وهذا الخوف هو الذي دفع الملايين إلى النزول إلى الشارع لتغيير الوضع الذي لا يحتمل انتظار سنوات أخرى كما يطالب أهل الحكم في القاهرة.