انتقل إلى جوار ربه أول أمس الضابط المجاهد الطاهر معاليم المدعو محمد الساري وهو أحد مفجري ثورة التحرير. فالفقيد من مواليد 1932 ببلدة نارة بلدية منعة بالأوراس الأشم، ينتمي إلى عائلة ميسورة الحال، تلقى تعليمه كسائر أبناء بلدته في الكتاتيب القرآنية، ومع بلوغه سن ال 13 توفي والده مما جعله يتوجه إلى الحياة المهنية، حيث احترف مهنة الوالد صناعة المصوغات الفضية وصناعة الأسلحة، بعد مجازر 8 ماي 1945 انخرط في النضال السياسي ضد المستعمر وانضم إلى حركة الانتصار للحريات الديمقراطية • وتمكن من الاتصال بالمتمردين على السلطة الفرنسية الذين كانوا معتصمين بجبال الأوراس أمثال فرين بلقاسم، وخاله الوردي فتال، وكريم بلقاسم وغيرهم، وأصبح ينشط معهم في الإعداد للثورة المسلحة وإعداد الشعب للحدث العظيم• في ليلة أول نوفمبر 1954، أسندت للمرحوم مهمة قطع الخطوط الهاتفية بين بلدة منعه وشير، فتمكن من إنجاز المهمة وسجل بذلك أول عملية بالمنطقة ليلة أول نوفمبر• واصل الفقيد عمله الثوري إلى غاية جانفي 1955 حيث تم تجنيده رسميا في صفوف الطلائع الأولى لجيش التحرير وأول هجوم شارك فيه بعدها القيام بنصب كمين لقوات العدو في وضح النهار بمنطقة تازمورت بقيادة محمد حابه، وبعدها شارك في العديد من المعارك إلى جانب أحمد نواورة ومحمد بن بولعيد وعمار بلعفون، ونظرا لكفاءته القتالية تم تعيينه كمسؤول على القسمة الرابعة التابعة لناحية أريس• الالتحاق المبكر للمرحوم المجاهد الطاهر معالين، مكنه من معايشة أهم الأحداث التي عاشتها الولاية الأولى، ومن أبرزها واقعة استشهاد مصطفى بن بولعيد في الجبل الأزرق مارس 1956، التابعة إقليميا لمنطقته، وفي هذا يروي شهادة حول الحادثة مغايرة لما سبق ترديده، حيث يؤكد بأن الجهاز اللاسلكي لم يكن ملغما، بل البطاريات التي تم استبدالها هي التي كانت ملغمة، ويؤكد بأن الجهاز اللاسلكي قام بتشغيله قبل تركيب البطاريات ولم ينفجر، كما يؤكد المرحوم من خلال شهادة سابقة نشرتها صوت الأحرار، بأن عاجل عجول الذي اتهم بأنه وراء عملية اغتيال مصطفى بن بولعيد، تهمة باطلة لأن عجول وجنوده كانوا غائبين أثناء الاجتماع، كما حضر المرحوم واقعة محاولة اغتيال عجول وكيفية نجاته• تنقل المرحوم إلى تونس بأمر من جيش التحرير لجلب الأسلحة سنة 1957 وأدى المهمة بنجاح، إذ استطاع أن يدخل قافلة محملة بالأسلحة، وفي الأراضي التونسية التقى بعباس لغرور ولزهر شريط اللذين كانا مسجونين وعرض عليهما تهريبهما لكنهما رفضا• بعد عودة المرحوم إلى جبال الأوراس تم تعيينه كمسؤول بناحية آريس مكلف بالعمليات العسكرية، وأبرز مهمة أسندت له آنذاك محاربة المتمردين ممن يسمون بالمشوشين، فقاد العديد من المعارك ضدهم بكل من منطقة بوستيلي وبوحمار، ولامبيز، وتمكن من القضاء على أغلبهم وفيهم من فر، ومن استسلم لجيش التحرير• في سنة 1959 تم تعيينه كمسؤول عسكري بمنطقة بوعريف إلى جانب عمار ملاح ومحمد الشريف عباس )الوزير الحالي للمجاهدين( ووجد نفسه في مواجهة مخطط أرياج الفرنسي الذي يهدف إلى القضاء على الثورة بالمنطقة، فأبى المرحوم إلى جانب إخوانه ومنهم عبد الرحمان بلعياط، وخاضوا عدة معارك ضد العدو، ومن أبرز المعارك معركة جبل الشعلع الشهيرة التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة• وبمطلع سنة 1960 ارتقى المرحوم إلى مسؤول ناحية أريس إلى غاية 1962 وآخر معركة قادها بالمنطقة معركة سيدي علي كيمل في جانفي 1962• غداة توقيف القتال تولى مسؤولية اللجنة المشرفة على التوقيف، وبعد الاستقلال في خضم ما يسمى بأزمة صائفة 1962، كان على رأس كتيبة من كتائب الولاية الأولى بقيادة الطاهر الزبيري ودخل العاصمة• بقي ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي إلى غاية 1973 وخلال هاته الفترة شارك ضمن الكتائب التي توجهت إلى مصر سنة 1967 لمواجهة العدوان الإسرائيلي• بعد سنة 1973 انتقل إلى العمل ضمن صفوف حزب جبهة التحرير الوطني بصفة محافظ وطني في عدة ولايات، وفي سنة 1976 أحيل على التقاعد• تلك بعض المحطات التي عايشها المرحوم الذي كان يفضل التردد على جريدة »صوت الأحرار«، حيث كنا نساعده في تدوين شتات ذاكرته التي فقدت الكثير، وكان حلمه إصدار مذكراته التي نتمنى لها أن ترى النور•
فأصالة عن نفسي وعن الزملاء ومدير »صوت الأحرار«، نعزي أنفسنا ونعزي عائلة الفقيد والجزائر برمتها، داعين المولى أن يتغمده برحمته الواسعة•