غزو الجزائر "المحروسة "كان حربا صليبية استيطانية إبادة شعب ومحاولة اقتلاعه من أرضه هل هي حضارة حسب قانون العار الفرنسي ؟ قبل أن تعلن أوروبا وعلى رأسها فرنسا الحرب على "المحروسة" مع بداية عام 1827 كانت هذه الدول باستمرار تطلب ود الدولة الجزائرية قبل 600 عام ،حيث ربطت معها علاقات دبلوماسية كانت شروطها مبنية على المصالح المتبادلة، إلا أن أطماع الأوروبين الخفية كانت غير ذلك، هؤلاء كانوا قد أاعلنوا حروبا لاغتصاب أرض "المحروسة"، وما عدد الحملات الصليبية التي فاقت المئة بين 1500 و1827، إلا دليل على أن نفاق الصليبيين كان يهدف إلى التجسس على الجزائر، لمعرفة نقاط ضعفها بعد أن فشلت كل محاولات الاستيطان، التي انكسرت أمام جيش البحرية الجزائرية التي كانت الأولى عالميا أطلق عليها الأروبيون اسم القراصنة للتقليل من شأنها إلا أن الاتفاقيات التى أبرمتها الجزائر مع قراصنة الأراضي، الذين كانوا يدفعون الضرائب مقابل حماية سفنهم التجارية المارة عبر البحر الأبيض المتوسط ، حتى أمريكا كانت تدفع لخزينة الدولة الجزائرية أموالا من أجل أن تحمي مصالحها في المتوسط وعندما تخلفت عن الالتزام بتعهداتها حجزت بحرية المحروسة سفينة "جورج واشنطن" خلال عام 1795 وانزلت العلم الأمريكي ورفعت مكانه العلم الجزائري ، للقيام برحلة الى عاصمة الدولة العثمانية على متنها قادة جزائريين وكانت هده الرحلة بمثابة اكتشاف جديد للأمريكين الذين لم يكونوا يعرفون مضيق" الدردنيل" وغيره ، البحرية الجزائرية وقفت بجانب الفرنسيين في معركة " نافارين" التي خسر فيها الجزائريون أغلب اسطولهم البحري مما جعل المحروسة بدون درع واق يحمي سواحلها البحرية التى كانت عام 1827 محل حصار بحري دام ثلاث سنوات انتهى بغزوة صلبية مفرنسة استعملت فيها أسلحة جرثومية محرمة كقصف سكان العاصمة بطن من المواد السامة مما يؤكد نية الصليبين الجادة في إبادة الشعب الجزائري الذي كان عرضة لنهب أمواله حيث تم نقل عشرات الأطنان من الذهب إلى فرنسا دون الحديث عن تدمير البنية التحتية والاقتصادية للدولة الجزائرية، التي لم تقف مكتوفة الأيدي أمام حملة الاستيطان بل عزم ابنائها على مقاومة الغزاة ، بشتى الوسائل حيث انطلقت المقاومة الشعبية من الجزائر والبليدة في الأيام الأولى لاحتلال تلتها مقاومة الأمير عبد القادر في الغرب وثورة المقراني في القبائل حيث كانت مايقارب 132 مقاومة أرادت كلها تحرير البلاد والعباد من قبضة الصلبية الأوروبية التى ترأستها فرنسا التى كانت ذات يوم تقتات من القمح الجزائري. ومنذ أن دخلت جيوش الاستيطان الأوروبي الفرنسي أرض المحروسة لم يتوان هؤلاء في تبني سياسة الإبادة الجماعية بغرض تفريغ الأرض من سكانها الأصليين حتى وصل الأمر بالجنرال بيجو قائد الحملة الصلبية إلى تبني مشروع ترحيل كل الجزائريين إلى جزيرة جاميكا تفكير جهنمي شبيه بما فعلته أمريكا بالهنود الحمر فكرة بيجو لم تنج بفضل مقاومة رجالات المروسة الدين قاوموا طيلة 132 سنة كانت لثورة أول نوفمبر شرف انهاء احتلال أراد اصبحه تصنيفه على أنه عملية حضارية جسدوه في قوانينهم التى لم تنج من قبل في حمل الجزائرين على التجنس بالجنسية الاستعمارية. التى أصبحت اليوم مقننة في قانون العار والاستدمار . لقد أحدثت الثورة الجزائرية انقلابا شاملا في مختلف جوانب الحياة في داخل الوطن وفي الجوار الجغرافي القريب منه والبعيد، وامتد تأثيرها إلى أرجاء العالم، كما كان الحال في الثورات العضمى ذات المضامين الإنسانية السامية عبر مراحل تاريخ البشرية جمعاء وما ميز الثورة الجزائرية أكثر هي تلك المسحة المعرفية بل الفلسفية التي أضفتها على سفر المصطلحات في قاموس الإعجاز التاريخي. لقد قلبت الثورة الجزائرية رأسا على عقب المفهوم الضمني والظاهري والجماعية للشعب الجزائري، حيث تحول من يوم هزيمة وإندحار إلى يوم مجد وانتظار، وولى بذلك مفهومه السلبي الأليم وذهب طي النسيان ليحل ويستقر مفهومه المجيد ويرتبط إلى الأبد بذكرى استعادة السيادة الوطنية بما يعنيه من عزة وكرامة عند مختلف شرائح الشعب الجزائر أفرادا وجماعات. تاريخ الجوسسة والحملات الصلبية على الجزائر المحروسة 1250 1830 جاسوس أوروبي أعدم بالمدفع الجزائري العملاق الملك الفرنسي" لويس التاسع" مات غيضا خلال غزوه لسواحل شمال إفريقيا كانت أحداثا رهيبة هائجة مضطربة ومتلاحقة تلك التي صنعت تاريخ بلادنا المعاصر ورسمت منعطفاته الكبرى وأهمها انكسار 5 جويلية 1830 وانتصار 5 جويلية 1962، وما بينها، من معارك وحروب وثورات استهلكت وقتا وجهودا وكلفت أروحا وتضحيات، فتشكلت بذلك ملحمة الشعب الجزائري التي أعادته إلى درب سيرته الحضارية في سياق تاريخه الحافل بمآثر الخلق الإنساني المبدع. صحح التاريخ خطاه المأساوي القاتل إذن، واستعاد الوطن حريته واستقلاله، وكل ذلك في 5 جويلية الذي انقلب مفهومه على صفحة تاريخنا وأعماق ذاكرتنا، ومخيلة شعبنا، بفضل الثورة الجزائرية وما تفجر عنها من عقبرية فذة، وزبدعته من فكر نير وفلسفة رائدة وأحدثته من انقلاب مادي ومعنوي على الصعيد الوطني،وامتداداته الإنسانية عبر العالم. فالشعب الجزائري كشعب حي مبدع أطلق ثورته فكرا وهاجا في فضاء الحضارة الإنسانية التي شارك في بناء صرحها منذ الأزل، غير أن آلة الفتك والموت الاستعمارية الفرنسية الأوروبية رمته بحقدها السام، وأطلقت جحافلها المدججة والطامعين، الذين حلوا عنوة ببلادنا وراحوا يبيدون أرواح أهلها لأجل المغانم ويدمرون معاملها لأجل السلب والنهب، ويقتلون الوعي والفكر بالتضليل والتجهيل وبالرصاص والنار والبارود أيضا. وإذا كان يوم 5 جويلية 1830 الذي شهد تدنيس جحافل المستعمر الفرنسي لمدنية الجزائر العاصمة المحروسة والمحمية برعاة الله، فإن حبائل المكيدة، جرى غزلها في دوائر الغزاة وعواصم حلفائهم الأوروبيين، قبل هذا التاريخ بكثير. تاريخ الحملات الصليبة على الجزائر المحروسة والمغرب العربي من الصعب تحديد تاريخ معين أو حتى فترة معينة لبداية الأطماع الأوروبية في الجزائر المغرب الأوسط والمغرب العربي عموما، فقد توالت محاولات العزو والاحتلال مرات عديدة، وتداول هذه المهمة الاستعماري قوى أوروبية مختلفة ومتصارعة أحيانا، إلى أن أسندتها أوروبا لفرنسا وساندتها لتحقيقها في القرن التاسع عشر. فقد ذكر المؤرخ الأمريكي ول وايريل ديورنت في معرض حديثه عن إخفاق الحملات الصليبية، أن الحملة السابعة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع قد انتهت بالفشل إثر هزيمة جيشه وتبدد شمله: .... وأسر عشرة آلاف من المسيحين بينهم لويس نفسه، وقد خارت قواه من وطأة الحصار (1250 م) وعالجه من مرضه طبيب عربي، ثم أطلق سراحه بعد أن قضى في الأسر شهرا، بشرط أن يسلم (مدينة) دمياط (المصرية) ويفتدي نفسه بخمسمائة ألف جنيه فرنسي... وعاد الملك القديس الى بلاده مدحورا ذليلا، غير أن توالى الكوارث والهزائم على حلفائه في هذه الحروب الصليبية الشائنة، أفرغت الملك الكهل: وثارت حمية لويس من جديد في شيخوخته فلبس شارة الصليب مرة أخرى (1267م)، وحذا حذوه أنباؤه الثلاثة، ولكن النبلاء الفرنسيين لم يوافقوا على خطته وقالوا أنها سخافة بلهاء، وأبوا أن ينضموا إليه، حتى جوانفيل نفسه رفض رفضا باتا أن يشترك في الحملة الصليبية التالية ونزل الملك الحصيف في حكمه، الأخرق في حربه بقواته القليلة في بلاد تونس، وكان يرجو من وراء ذلك أن يحمل أميرها على إعتناق الدين المسيحي، وأن يهاجم مصر من جهة الغرب، ولكنه لم تكد تطأ قدماه أرض إفريقية حتى أصيب بنزلة معوية شديدة! ومات وهو يردد «بيت المقدس» في (1270م)... ه . وينتهي المؤرخ إلى القول:».... وظل بعض المغامرين أو المتحمسين قرنين من الزمان يقدمون على محاولات مقطعة غير مجدية «ليواصلوا السجال العطيم»، ولكن أروبا أدركت أن الحروب الصليبية قد إنقضي أجلها. يريد بذلك أن الحروب الصليبية قد انتهت رسميا مع نهاية حقبة العصور الوسطى بسقوط القسطنطنية في يد العثمانيين بقيادة محمد الفاتح 1453، أو كما يذهب البعض، بسقوط غرناطة وتدمير آخر معاقل الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس على يد التحالف المسيحي بقيادة الملكين إيزابيلا وفرديناند (1492م) أو ربما إكتشاف أمريكا (1492م) كريستوف كولومب وإنطلاق أروبا في حملة استيطانية واستعمارية شرسة للعالم الجديد والقديم على حد سواء. والحقيقة أن هذه الأحداث كلها كانت في واقع الأمر بداية عهد جديد في الصراع المباشر بين أروبا وبلاد المغرب العربي يعد امتدادا موضوعيا للحملات الصليبية التي شنتها أروبا من قبل على المشرق العربي، لكن بوتيرة أكثر كثافة ووحشية من سابقتها. وكأنما الملك الفرنسي لويس التاسع ومن خلال غزوه لسواحل شمال إفريقيا وموته كمدا ومرضا على أرضها، أراد أن يوجه أنظار أحفاده الى هذه القارة الوديعة المسالمة والى شمالها العربي بالذات، لقرون طويلة وحافلة بالصراع والنفور، بين أحفاد لويس وحلفائهم الغزاة وأصحاب الأرض الآمنين الأباة والتي تواصلت سجالا تواصل حلقات التاريخ الذي لايصعب التكهن بنهايته إن كانت له نهاية. حملات أوروبا ومناعة المحروسة منذ مغامرة القديس لويس (1270م) وحتى عهد شارل العاشر (1830)، كان الصراع الدامي بين شمال المتوسط المسيحي وجنوبه المسلم، يزداد ضراوة واتساعا في البحر كما في البر. ومع مطلع القرن السادس عشر إجتاح أروبا الغربية سعار جارف ضد الجزائر المحروسة التي أشهر صمودها العنيد في وجه أطماع الغزاة في غربي المتوسط أنها العقبة الكأداة والسد المنيع الذي لابد لأوربا الغربية أن تدمره لتفتح أمامها الطرق المؤدية إلى قلب المغرب العربي ومنه إلى بقية أمصار العالم العربي الإسلامي وحتى أعماق إفريقيا في ما وراء الصحراء الكبرى. ولقد جرت محاولات عديدة من القوى الأوروبية المهيمنة لتحقيق هذه الأمنية العزيزة على قلوب الباباوات والملوك والأمراء والمغامرين بحسب الظروف السائدة والمؤثرة في مجريات الأحداث في ممالك القارة الأوروبية المتربطة أبدا بعدائية وحقد وجدا دوما تعبيرهما الجلي في ما أظهرته المعارك والصدامات التي جرت بين الجزائريين والأرووبيين، البحرية منها والبرية، قبل التواجد التركي وبعده. لقد أصبح واضحا أن الخطر الداهم المحدق بالمحروسة إنما مصدره شمال المتوسط، ولم يعد هناك من بدّ أن تستعد الجزائر العاصمة لصده بحزم وفاعلية غير معتادين بحيث تحبط محاولات الأعداء المتكررة لتدميرها وإخضاعها، فكان مصير الحملات البحرية المتتالية على المدينة الحصينة وشاطئها دوما الفشل، وقد تعاقبت على شنها مرارا وتكرارا، البرتغال، إسبانيا، فرنسا، إنكلترا وهولندا،.... إلخ. وبلغ مجموع الحملات العسكرية البحرية التي شنتها أروبا على الجزائر المحروسة في القرن السابع عشر، خمسة عشرة حملة بينها أربع حملات فرنسية: خلال ربع قرن : حملة : (دوق دوبوفور ). حملتا: دوكان 1683 -1684). حملة: ديتري ('1689). فإذا استثنينا مثل هذه الحملات العسكرية المنظمة والمكثفة على مدينة الجزائر وعلى بعض المواقع الاستراتيجية على امتداد سواحل القطر الجزائري والتي كانت تبوء بالفشل الذريع بعد حصار أو إنزال محدود أو حتى قصف عشوائي على الأحياء المدنية، فإن البحرية الجزائرية قد فرضت نفسها في المعادلة الدولية في البحر المتوسط. ومع بداية القرن السادس عشر وتكريس التحالف الجزائري التركي، بقيادة الأ خوين عروج وخير الدين، برزت الجزائر كقوة بحرية متطورة ومسيطرة، قوية الشكيمة، رهيبة الجانب، يحسب لها الأعداء ألف حساب، قبل الإقدام على أية مغامرة حربية ضدها، خشية ضرباتها الانتقامية الموجعة التي لم تكن تتردد في تسديدها الى نحور المعتدين لردعهم وعقابهم، وتحصيل الإتاوة المفروضة عليهم، والذين لم يكن بمقدورهم إلا الخضوع لمشيئة أولي الأمر في المحروسة وهم صاغرين. وأمام هذا الواقع المر الذي وجدت أروبا الغربية نفسها مرغمة علي التعايش معه، بالنظر لاستحالة تغييره بالقوة العسكرية والأعمال الحربية، المكلفة في الرجال والعتاد والتي أثبتت فشلها واندحارها بالسرعة الفائقة، رأت دوائر العواصم الأوروبية أن تزيد من تاكتيكاتها الحربية واستراتيجياتها العسكرية باللجوء، إضافة إلى حربها المصيرية المعلنة وغير المعلنة ضد الجزائر المحروسة، إلى أسلوب الحرب الخفية التي تتخذ من العمل السري التآمري سلاحا ومعولا لهدم أسوار وقلع المدينة الصامدة التي عجزت عن اختراقها قذائف المدفعية الثقيلة التي كانت تصب حممها على المدينة الصامدة إنطلاقا من العمارة الحربية للأساطيل المعادية والتي كثيرا ما تسبق الانزالات البحرية على الشواطئ المحاذية، وتعتبر حملة شارل كان سنة 1541 نموذجا لمثل هذه الحملات الشرسة التي كانت دوما تنقلب هزيمة نكراء على أصحابها بحيث تنتهي بتبديد شملهم وكسر شوكتهم ودحرهم وهم يجرون أذيال الخزي والعار. ولا يزيد مروسة إلا مجدا وفخرا واعتزازا بدورها في الدفاع عن شواطئ جنوب غربي المتوسط والبوابة الشمالية للقارة الإفريقية باعتبارعا دار الجهاد والمحروسة المحمية بعناية الله. جاسوس أوروبي أعدم بالمدفع الجزائري العملاق بدأت حروب أوروبا السرية ضد الجزائر المحروسة، وغزو معاقلها بعشرات الجواسيس والمخبرين، مع بداية احتدام الصراع الدامي في عرض البحر الأبيض المتوسط بين التحالف المسيحي الغربي والعالم العربي الإسلامي، والذي زادته عنفا وضراوة دعوات باباوات روما لملوك أروبا وبارونات الاقطاعيين والمغامرين والمتعصبين، للتحضير والمشاركة في حروبهم المقدسة ضد الإسلام والمسلمين، والمعروفة بالحروب الصليبية، والتي لانرى داعيا هنا للخوض في أسبابها الحقيقة بعيدا عن دعاوى البطالة التي حاولت تبريرها والتي سرعان ما فضحت نفسها وفضحت أصحابها. لكن سمات هذه الحرب السرية ضد الجزائر المحروسة، بدأت بالتشكل والظهور حسب بعض المؤرخين منذ مطلع القرن السادس عشر، بسبب تنامي دور الجزائر في المتوسط بفضل قوة ونشاط أسطولها الذي تمكنت بواسطته من فرض نفسها وبسط هيمنتها على مختلف أرجائه، ومراقبة الحركة البحرية التجارية والعسكرية الجارية بين موانئه وكذا الداخلة اليه والخارجة منه. لقد لجأت القوى الأوروبية لهذه الحرب الخفية، بعد سلسلة الإخفاقات والهزائم التي منيت بها، إثر كل محاولاتها إخضاع الجزائر المحروسة بالقوة العسكرية المتحالفة ضدها لحصارها وتدميرها والحد من عنفوان بحارتها ورياسها، وجبروت أسطولها القوي و السريع والمتيقظ أبدا، تلك المحاولات اليائسة لم تهدأ في واقع الأمر منذ غزوة لويس العاشر(1270م) وحتى حملة شارك العاشر (1830م)، مرورا بعشرات الهجمات والإغارات التي تعرضت لها مدن وسواحل إيالة الجزائر من طرف كل القوى الأوروبية المعادية، وعبر فترات زمنية متعاقبة، باءت في مجموعها بالفشل الذريع والهزيمة النكراء، الأمر الذي دفع هذه القوى الى تدبير نوع جديد من الحرب الضروس، أشبه ما تكون ب (الحرب الباردة) أو الحرب النفسية التي تعتمد أساسًا على بث الدعايات المغرضة والإشاعات الكاذبة من خلال نشر الريبة والتشكيك في المؤسسات والقيادت والسياسات المنتهجة في البلاد عن طريق العملاء والجواسيس والمخبرين الذين يتم زرعهم كالفطر السام عبر المراكز الحساس، في ربوع الوطن أو استقطابهم بشتى الوسائل المغرية وطرق الإبتزاز أحيانا وشراء الذمم أحيانا أخرى، ثم تجنيدهم للتجسس على مرافق البلاد الحيوية لصالح الأعداء المتربصين، وتطويعهم أيضا لتنفيذ الخطط السرية ذات الطابع العسكري أو الفنسي، وكلاهما مدمر يضرب في قلب الوطن والمواطن فيدمي ويوجع ويتسبب في كوارث رهيبة تحطم همم الرجال وتفت في عضد الأبطال، وتطفئ جذوة العزيمة والإيمان بعدالة القضية وقدسية الوطن خاصة عند ضعاف النفوس، قليلي المرؤة والشهامة وعديمي الشرف والضمير الذين باعوا أنفسهم للشيطان وكانوا بلاءً ووبالا على الأمة والوطن، وخدمًا طيعين وعبيدا خائعين في خدمة الأعداء المتربصين بالشعب والوطن وعاصمته الجزائر المحروسة والمحمية بعناية الله، كما كانت تعرف دومًا. والتاريخ حافل بالأمثلة المؤسفة بهذا الخصوص فهذا حاكم وهران (الرازحة تحت الاحتلال الإسباني)، يجنّد القايد حميد (1563م) وأعوانه، لجمع المعلومات عن المواقع الحيوية في المحروسة التي كان شارل كانت يحضر لعزوها (1541م). بعدها وخلال ثلاثة قرون بذلت الدوائر الفرنسية والأوروبية كل ما أمكنها من خبث وجهد لتجنيذ الريّاس الجزائريين، كما حدث مع الرايس مصطفى القبطان العائد من معركة نفارين (1827م) على متن الفرقاطة (مفتاح الجهاد) في مقدمة الأسطول الجزائري المشارك في تلك المعركة، أثناء توقفه في ميناء الإسكندرية حيث كلف الجنرال غيليرمون نفسه عملاءه العاملين في مصر مثل هودر وليسيبس وريمبر ، بالعمل على تجنيده مهما كان الثمن، في الوقت الذي كانت فده الجيوش الفرنسية تجري الاستعدادات الأخيرة، لبداية حملتها الإستعمارية ضد الجزائر المحروسة. جيوش الخفاء تغزو المحروسة منذ أن أبرم الملك الفرنسي فرانسوا الأول إتفاق أو معاهدة التجارية والصداقة مع نظيره السلطان العثماني سنة (1535)، سعت السلطات الفرنسية عبر الباب العالي للحصول على موافقة الجزائر على تعيين قنصل فرنسي مقيم فيها، فكان لها ذلك وتم لأول مرة تعيين بيرتول قنصلا في المحروسة، وإستمر القناصل الفرنسيون بالتوافد على البلاد حتى بلغ عدد الذين إستلموا هذا المنصب لغاية (1829م) أكثر من ستين قنصلا، رغم فترات قطع العلاقات بين البلدين خلال الأزمات الحادة التي كانت تمر بها أحيانا. بذلك يكون التمثيل الديبلوماسي الفرنسي بالجزائر، متميزا عما كانت عليه الحال مع بقية دول أروبا خاصة تلك المطلّة على البحر، كإسبانيا، إنكلترا، السويد، هولندا، الولايات المتحدة الأمريكية، البندقية، مالطا، سردينيا.... وغيرها، على أن تمثيل هذه الدول ظل دومًا دون التمثيل الفرنسي أهمية نطرا لاعتبارات عدة تتعلق بالجغرافيا والتحالفات مع الباب العالي وإنعكاسات الصراعات الأوروية أوروبية وفي حوض البحر الأبيض المتوسط. ولعل الميزة المشتركة بين كل هذه الممثليات القنصلية الأوروبية في المحروسة، هي تكفلها التام بتجنيذ الخونة، وإيواء الجواسيس واحتضان المارقين بهدف جمع المعلومات الأمنية والسرية عن المرافي الحيوية، وتحويلها الى الدوائر المختصة في بلدانها، للاستفادة منها عند الضرورة التي لم تكن غادية أبدا إن كان في الأعمال العسكرية أو في حبك المؤتمرات وإثارة الإضطرابات لضرب الإيالة من الداخل بزعزعة استقرارها وتدميرها أسس أمنها ونظامها الجمهوري الفتي والمحاط بالأعداء ومتربصي الدوائر الذين اقتنعوا بعدم جدوى حملاتهم العسكرية المتلاحقة على مدن وموانئ البلاد فراحوا يجربون حظهم بمثل هذه الحرب الباردة، وقطعان جنود الخفاء من رهبان ومبشرين ومغامرين وأسرى سابقين وبحارة وتجار متجولين، إلى غير ذ لك ممن تم تجنيدهم في خدمة مثل هذه الأعمال الدنيئة. وكانت أبرز أهدافه التجسس الأوروبي على البلاد، وفي المقام الأول هو المؤسسة العسكرية، وذراعها الضاربة: البحرية الجزائرية، عن إعداد قطعها، مواقع إنتشارها، قواعدها الرئيسية، خطوط إبحارها المبرمجة ومايطرأ عليها من تغييرات، كيفية تموينها، وخاصة عدتها وعتادها الحربي ونوعية تسليحها وتسليح البحارة وأعدادهم... ثم القوات البرية، ومراكز تجمعها، ثكناتها الرئيسية، تسليحها، إعدادها، تموينها كيفية تدريبها، احتياطاتها، درجة إنضباطها، وحتي الشرائح المكونة لعناصر صفوفها، والأساليب المتبعة للتجنيذ والخدمة العسكرية بشكل عام. وأخير وليس آخرا وضع الخرائط الطوبوغرافية، التي تتحدّد عليها المناطق الاستراتيجية في البلاد، والمراكز الدفاعية، والمواقع الإقتصادية والحيوية، بما في ذلك الحقول والبساتين الزراعية ومخازن الحبوب والسلع والأسواق... بالإضافة الى التضاريس الجغرافية من سهول وجبال وأرودية وغابات أيضا، وحتى الروابي والخلجان والشواطئ من حيث طبيعة وتكوين ضفافها والرياح التي تهب عليها والقرى والمداشر القريبة منها.... باختصار كانت كل معلومة مهما صغرت ومن أية طبيعة كانت، تشكل هدفا مطلوبا لقطعان الجوسيس الذين دفعت بهم دوائر القوى الأوروبية بمختلف الطرق الى مختلف أنحاء الآيالة وخاصة الجزائر المحروسة، حيث مؤسسة الحكم ومقر إقامة رؤوس الدولة، ومركز القيادات العسكرية والمدنية والدينية، ومنارة العلم والتعليم والفتوى والقضاء الأعليين وأهم مركز مالي وتجاري، باعتبارها عاصمة الدولة وأحد أهم المراكز العمرانية النشيطة على الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، والعدو العنيد لأوروبا، المتصدي لمطامعها، والمحيط لخططها الاستعمارية التوسيعية، والمنافس القوي على بسط النفوذ العسكري في حوض المتوسط، والخصم المرهوب الجانب الذي أثبت أنه لايقهر أبدا في البر كما في طول وعرض البحر الأبيض المتوسط. أمام هذه الهجمة الشرسة والحرب الدنيئة التي شنت وتشنها الدوائر الأوروبية، ضد الإيالة ومصالحها الحيوية والاستراتيجية،كان لزاما عليها إتخاذ الإجراءات الصارمة لمواجهة آثارها وتفادي مخاطرها، ولجم انتشارها واستفحالها. فسنّت لذلك قوانين خاصة نصت على عقوبات قاسية بمستوى فظاعة الجريمة المرتكبة في حق الوطن والأمة، والتي لم يكن يتردد في تطبيقها الحاكم مهما كان شأن المتهم الذي تثبت عليه تهمة إرتكاب جريمة الخيانة، بحيث يخضع للاستجواب والتحقيق ويسلط عليه العذيب الشديد، إلى أن يقر بكل مالديه من معلومات وأسرار، ليحال بعدها الى الجلاد ليضرب عنقه أمام الملأ في الساحة العامة. وكان القناصلة المشبوهون يتعرضون للضرب مع الاحتجاج الشديد اللهجة لدى دولهم كما جرى العرف والعادة، لكن في حالات خاصة قد يتعرضون للإعدام دون تردد، كما حصل مع القنصل الفرنسي الكاهن لوفاشي سنة (1683م) ، الذي ثبت أنه كان يتخابر مع أسطول معادي، مستخدما نشر غسيله بترتيب عين وقطع ملابس ذات لون. سياسة الاستيطان الأوروبي الفرنسي قامت على نهب الأراضي وإبادة الجزائريين عمليات نهب الأراضي ولعبة التشريع المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان "عند دخول الجيش الفرنسي، أكبت السفن الآتية من مرسيليا وإسبانيا وإيطاليا جماهير غفيرة من الأوروبيين لاذمة لهم ولاضمير، متكالبين على بيع العقارات وشرائها.... " الإدارة الفرنسية تحايلت للاستيلاء على الأملاك الوقفية مراسم 1844 1846 حولت الوثائق العرفية إلى رسمية لنهب العقارات الجزائرية هجرة الأروبيين سنة 1866 بلغت 200 ألف نسمة، بعد أن كانت 160 ألف سنة 1856 بعد إقدام القوات الغازية الفرنسية على احتلال مدينة الجزائر في صيف عام 1830 تبنت هده الأخيرة عملية توسع رغم أن وضع الجزائر ظلّ غير واضح لفترة طويلة بعد الغزو، فقد تساءل الرأي العام، هل هي مستعمرة استغلال تنقل إليها رؤوس الأموال للاستثمار وتنقل منها المنتجات التي لايمكن إنتاجها في الوطن الأم فرنسا، مثل التوابل والبهارات والبن والشاي والسكر وغير ذلك من منتوجات المناطق الحارة؟ أم هي مستعمرة توطين يوطن فيها فائض سكان فرنسا وأوروبا من المهاجرين بأعداد كبيرة، مثل كندا أو أستراليا. ورغم أنه لم يكن هناك أي وجه للشبه بين أستراليا والجزائر، إلا أن فرنسا الاستعمارية تجاهلت الحقائق الجغرافية والبشرية والتاريخية، وحاولت توطين فرنسين وأوروبين عبر البحر. الاستيطان الفرنسي بدا في مصادرة الأراضي الصالحة للزراعة والغابات البالغة اندالك بين خمسة ملايين هكتار وسبعة ملايين هكتار، الواقع كان أعمق من ذلك بكثير، إذ كان الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين الجزائريين هو المظهر المادي الواضح للاستيطان، إلا أنه كان في واقع الأمر هو الذي يشكل السياسة الفرنسية في الجزائر، يمكن ترك بصماته الواضحة على كل نواحي الحياة في الجزائر بحيث ظلت العلاقة التأثيرية بين الاستيطان والتشريع وبين الاستيطان والسياسة الأهلية وبين الاستيطان والمجتمع. عمليات نهب الأراضي ولعبة التشريع بمفهوم دومنيك بمجرد استقرار الاحتلال الفرنسي بالجزائر حتى صادر مساحات واسعة من أراضي الأهالي وادعى لنفسه حقوق ليست له على أرض الجزائر، وكل ذلك قبل أن ينجح في اجتذاب المهاجرين الذين لايمكن الاستفادة من الأراضي المصادرة بدونهم، لهذا تورطت الإدارة الاستعمارية فيما يسمى لعبة التشريع وتطويع القوانين لاستخدامها كأسلحة للنهب، في حين كان يفترض فيها حماية الحقوق. وتنفيذا لسياستها أعلنت سلطة الاحتلال الفرنسي رغم تعهدها باحترام ممتلكات الأهالي، على تكوين قطاع أملاك الدولة تحت إسم «الدومين» وضمت إليه بموجب مرسم 08 سبتمبر 1830 م أراضي الحكام العثمانية من الدايات والباشاوات والبايات وبعض الكراغلة الذين كانت قد أعادتهم طردا الى تركيا. ولكن الإدارة الفرنسية لم تكتف بالاستيلاء على هذه الأراضى أو «الدومين»، بل سرعان ما مدت يدها إلى أراضي الحبوس أو الأوقاف الدينية فأرادت ضمها إلى املالكها حيث تحرم الشريعة الإسلامية ذلك، لهذا لم يكن في وسع المستوطن تمليكها للمستوطينين الذين قال فيهم المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان: «بعد دخول الجيش الفرنسي، أكبت السفن الآتية من مرسيليا وإسبانيا وإيطاليا جماهير غفيرة من الأوروبيين لاذمة لهم ولاضمير، مجبولين على الشجاعة والمغامرين مولوعين بحب الدراهم والدنانير، فانتشروا كالبلاء المستطير متكالبين على بيع العقارات وشرائها.... " وهؤلاء لايمكن أن يحملوا رسالة حضارية، كما تدعي الدوائر الاستعمارية. الإدارة الفرنسية تحايلت للاستيلاء على الأملاك الوقفية وأمام عائق أملاك الوقف بدأت السلطات الفرنسية تبحث عن مخرج، وجهت في أوائل سنة 1833م واحدا وخمسين سؤالا إلى وكيل أوقاف مكة والمدينة وكانت تلك الأسئلة تتناول تاريخ تلك الأوقاف واتساعها وشروط التصرف فيها، ولكن إجابات الوكيل لم تعجب السلطات الفرنسية، فوجهت نفس الأسئلة إلى مفتى الجزائر الذي أوضح في إجابته أنه لايجوز شرعا أن تتصرف الإدارة في أراضي الحبوس بالبيع لأن ملكية الأراضي الموقوفة تظل في يد الواهب وورثته. لذلك تحايلت الإدارة الفرنسية وأجرت الأوقاف بعقود طويلة الآجال مداها إلى تسعة وتسعين عاما، ورغم أن الإيجار المفروض كان إسميا، إلا أن السلطات كانت تتنازل عنه بعد سنة أو سنتين. وذلك يمكن القول بأن ذلك التصرف لم يكن في واقع الأمر إلا تنازلا أو بيعا تحت ستار الإيجار، بل أن بعض الفرنسيين ومنهم «مرسييه» في كتابه الملكية العقارية الإسلامية في الجزائر، يصفون تصرف الدولة في أراضي الحبوس على النحو السابق، بأنها كانت «عملية نهب حقيقية». وعلى كل حال فإن الوسائل لم تكن تعوز الإدارة الفرنسية إذ أنها بعد ضم أراضي العثمانيين (الأتراك) المطرودين والحبوس، أقدمت على مصادرة كثير من الأراضي الأخرى أو فرض الحراسة عليها كمعاقبة من يثورون عليها، كما فرضت الحراسة الجماعية على أراضي ملك لقبائل بأكلمها بحجة أن تلك القبائل تترك أراضيها دون زراعة، ذلك أن بعض الأهالي يهجرون أراضيهم نجاة من الإرهاب الفرنسي، حيث ظهرت أوضاع واستقزازات لم تكن تضمن لهم العيش بهدوء وسلام مع جيرانهم الجدد من المستوطنين، كما لم تكن توفر لهم الأمن من النهب. وهكذا ظهرت أسطورة الأراضي الشاغرة التي أرسلت العناية الإهلية فرنسا لاستصلاحها واستزراعها وهذا ما نلاحظه اليوم في فلسطين الجريحة من أعمال نهب، مراسم 1844 1846 حولت الوثائق العرفية إلى رسمية لنهب العقارات الجزائرية وهكذا أدى تطبيق المراسم العديدة منها مرسوم 1844م الذي جعل الوثائق العرفية وثائق رسمية وغيرها من القرارات الخطيرة. وقد تأكدت بقرار آخر صدر 1846 م ثم النصوص القانونية منها، «القرار المسيخي» الشهير سنة 1863م والمعروف باسم «سيناتوس كونسلت». وكذلك النصوص القانونية التي أصدرتها محكمة الجزائر في20 ماي 1868م الى فقدان الأهالي لأراضيهم الزراعية، ثم سرعان ما ضاعت أراضي الغابات والمراعي وعندئذ تحول يأس الأهالي الى سخط تمثل في استمرار المقاومة الشعبية في شكل ثورات طيلة القرن التاسع عشر حيث لم تكن مجرد حركة تعصب، كما تدعي بعض الدراسات المغرضة بل كانت ثورات شعبية أيدها الشعب، لأن الجهاد أصبح الهدف ا لذي يشتاق إليه كل عربي باعتباره الوسيلة الوحيدة لاستعادة أراضيه. إلا أن هدا الجهاد أستغله الفرنسيون للاستيلاء على مزيد من الأراضي، وهكذا إستمرت الحلقة المفرغة، فإن سخط الأهالي كان يتحول الى ثورات وكان الفرنسيون يتخذون من هذه الثورات ذريعة لمصادرة بعض أو كل أراضي القبائل الثائرة. إذن استخدم الفرنسيون القانون الذي يفترض فيه أن يحمي الحقوق ليعتدوا على حقوق الأهالي في سلسلة من التشريعات الجائرة التي لم يكن الهدف منها تنظيم الملكية العقارية كما يقول الفرنسيون، بل الاستيلاء على أخصب الأراضي لتوزيعها على المستوطنين الفرنسيين والذين يتزايدون في إعداد مضطردة حيث الجدول التالي: السنوات 1830 1832 1833 1840 1850 1855 رجال // // 4.596 12.028 51.007 55.255 نساء // // 1.545 9.159 37.212 43.035 الأطفال // // 1.671 8.017 37.529 57.317 المجموع 600 4858 7.812 27.204 125.748 155.607 أما الجدول التالي فيبين توزيع هؤلاء المستوطين على المقاطعات الثلاث لمدة ثمانية عشرة سنة الأولى: السنوات 1837 1838 1839 1844 1845 1846 1849 1853 1854 1855 مقاطعة الجزائر 9.825 12.008 14.434 53.140 66.954 73.075 57.810 62.440 67.309 71.288 مقاطعة وهران 3.909 4.699 5.219 11.427 16.540 22.586 35.246 41.464 45.016 51.393 مقاطعة قسنطينة 3.015 3.317 3.470 10.833 11.827 11.507 19.551 20.288 31.062 32.926 وكانت جنسيات المستوطنين في الجزائر سنة 1855 على النحو التالي: فرنسيون 86.969 إسبان : 42.569 إيطاليون: 9.082 مالطيون: 6.536 ألمان: 6.040 سويسريون: 2.105 بلجيكيون وهولانديون: 444 إنكليز وايرلانيون : 434 بولونيون 290 برتغاليون 285 إغريق 94 أجناس مختلفة : 869 هذه الأرقام تتحدث عن نفسها وتبين إعدادهم وأجناسهم في منتصف القرن التاسع عشر. وفي عهد الأمبراطورية الثانية ورغم سياسة الامتيازات بقيت هجرة الأروبيين الى الجزائر مستمرة. وفي سنة 1866 أصبح عدد الأوروبين يبلغ 200 ألف نسمة، بيد أنه كان يبلغ 160 ألف سنة 1856 . سياسة الاستيطان في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة بعد هزيمة فرنسا في معركتي «سيدان» و«ميتز» ، إستسلم الأمبراطور الفرنسي نابليون الثالث مع حوالي مائة ألف جندي فرنسي الى البروسيين (الألمان) وقادها «بيسمارك» عندئذ إنقلاب في باريس ألغي على إثره نظام الأمبراطورية الثانية وتم الإعلان عن قيام الجمهورية الفرنسية الثالثة ذات الميول اليسارية في شهر سبتمبر 1870م، فاستقبل أوروبيو الجزائر ذلك بحماس شديد تحول الى هيجان واضطراب ضد السلطة المحلية، وضد الجزائريين الذين تعرضوا لتهديداتهم. ذلك أن الإعلان عن قيام نظام جمهوري، يعتبر انتصارا لهم لأن هذا النظام قد خلصهم من مشروع نابليون الثالث المتمثل في إنشاء مايعرف ب «المملكة العربية» كما خلصهم أيضا من السلطة العسكرية ونفوذها القوي، الذي كان أكبر عقبة أمام أهدافهم وطموحاتهم، رغم ما وصلوا اليه من سطوة ونفوذ وقد بالغوا في فرحتهم لدرجة أنهم فكروا في الانفصال عن وطنهم الأم فرنسا والاستقلال بالجزائر، ولو بمساعدة أمريكا أو بريطانيا في صورة ما إذا عجزت فرنسا في التصدي للعزو البروسي المتوقع. فقد قاموا فعلا بحركة تمرد في الجزائرووهرانوقسنطينة ولكنهم فشلوا في النهاية، خاصة بعد أن داهمتهم ثورات الثوار الأهالي في مطلع عام 1871م بزعامة عائلتي المقراني والحداد، وكذلك ثورات الصبايحية بالحدود الشرقية وثورة أولاد خليفة بالشريعة وتبسة، وأولاد عيدون في الميلية، وبني مناصر في حجوط ومليانة وشرشال، وغيرهم في مناطق عديدة من البلاد. على تكثيف التعمير الفرنسي في المنطقة الوهرانية، ذلك أن هذه العملية قد تعثرت من جراء الثورات والانتفاضات الشعبية المتواصلة ضد هؤلاء الدخلاء المحتكرين للبلاد والعباد، وقد تعرض عدد من المستوطنين الى صعوبات جمة، وخاصة الجدد منهم، لأنهم لم يتأقلموا مع البيئة الطبيعية والبشرية للمنطقة من جهة، وتعرض محاصيله الزراعية للتلف من جراء عوامل مناخية كقلة الأمطار، أو البرد الشديد أو الرياح الهوجاء، أو عوامل أخرى كآفة الجراد أو الأمراض النباتية أو خرق المزراع من طرف الأهالي الغاضبين على وجودهم من جهة أخرى. ورغم ذلك فقط خطط النواب والإدارة الاستعمارية مشروع إنشاء ثلاثمائة قرية استيطانية جديدة في الجزائر خلال ثلاث سنوات، إبتداء من سنة 1881م، نصفها (هي 150 قرية) ستبنى على مساحة ثلاثمائة ألف هكتار، تعتزم السلطات الاستعمارية أن تفتكها من أيدي الأهالي، لذلك طلبت الإدارة الفرنسية في الجزائر، اعتماد خمس مليون فرنك لتشييد هذا المشروع. وفي هاته الفترة بدأت السلطات الاستعمارية تعمل على توسيع المناطق المدنية، وتبنى القوى الاستيطانية تحت رقابة الحاكم العام السيد "ألبير قريفي" وأول حاكم مدني صرف في الجزائر (1879 1881) وهو من الحزب الجمهوري لذلك عمل على تقليص صلاحيات الإدارية العسكرية التي اختصر حكمها إلا على الناطق النائية والجنوبية. وبعدما عرفت المنطقة الوهرانية بعض الهدوء واستتباب الأمن، قررت المصالح الاستعمارية في الجزائر تعميرها، لتجعلها مقاطعة أوروبية، وبدأت كالعادة في سن القوانين العقارية، فجاء قانون 18 أفريل 1887م الذي كان أشد عفنا على الجزائريين وأكثر خبثا ومكرا في تحويل الأراضي من أيدي الجزائريين إلى الأوروبيين، لهذا دعم هذا القانون ونشط التعمير الرسمي الذي اعتزمت السلطات الاستعمارية إنجازه في هذه الجهة من البلاد، غير أنه لم يف بالغرض المطلوب بعد عشر سنوات من تطبيقه فغيرته بقانون جديد يوم 16 فيفري 1897م لتدفع بهذه العملية إلى الأمام. هذا وتبع هذه العمليات سياسة الإدمامج التي بلغت أوجها منذ أن صدر مرسوم إلحاق الجزائر إداريا بفرنسا سنة 1881م، وظل معمولا به حتى سنة 1896م، وبمقتضاه أصبحت كل شؤون الجزائر من اختصاص الوزارات بباريس ومصلحة الضرائب لوزارة المالية هناك، هكذا أصبحت كل إدارة في الجزائر تتبع للوزارة المختصة بباريس، وبذلك فقد الحاكم العام للجزائر كثيرا نم سلطته إبتداء «من تيرمان» الذي حكم الجزائر من 1881 إلى 1891م فتدعمت سلطة المستوطنين وأصبحوا أسياد البلاد الحقيقيين وبدون منازع. وقد غضت السلطات الفرنسية النظر عما يرتكب من ظلم وعجرفة ومآس وفضائح من طرف المستوطنين، والتي تلعب الحكومة الفرنسية دورها الطبيعي كحكم معدل ما بين أطماع المعمرين المتزايدة ومصالح الآهالي، حتى تحرك ضمير البرلمان الفرنسي خلال سنوات 1890 و1892 فقرر فجأة أن يهتم بالسياسة المطبقة على الآهالي في الجزائر. قام البرلمان الفرنسي بإرسال عدة بعثات إلى الجزائر لتقضي الحقائق والنظر في أحوال الأهالي والتفكير في مصيرهم ضمن جشع المستوطنين ودراسة إمكانية استقلال الجزائر عن فرنسا اقتصاديا وحتى سياسيا. ولذلك تألفت لجنة برلمانية للتحقيق من ثماني عشرة عضوا برئاسة «جول فيري » أحد رواد الاستعمار الفرنسي، وقد زارت هذه اللجنة الجزائرية لمدة ثلاثة وخمسين يوما تفقدت خلالاها مائة وإثنين من المراكز المختلفة للأوروبيين والمسلمين، وقدم «جول فيري» تقريرا تحت عنوان «حكومة الجزائر»، أكد فيه فضائح المعمرين واستنكر فيه أيضا سياسة الإدماج الإداري وتطبيق قانون الأهالي الذي تذمر منه السكان. لهذا عين «جول فيري» حاكما عاما جديدا للجزائر وهو السيد «كامبون» (من 1891 1897) مكان «تيرمان» وقد وكل له رئيس الجمهورية الفرنسية مهمة مزدوجة: عليك أولا أن تبرهن للأهالي على اهتمام فرنسا، بهم، وتذكرهم بأننا نحبهم ثم بعد ذلك عليك استرجاع استقلال إدارتنا، ثم زوده بسلطات قوية وواسعة ليطبق سياسة معتدلة ويحد من أطماع المعمرين الأوروبيين الذين حاولوا عرقلة كل الإصلاحات الجديدة لفائدة الأهالي كما أنب «جول فيري» عقلية المستوطنين في الجزائر، والذين لم يعترفوا بأي حق سوى حقوقهم في بلاد عربية، ثم قدم النائب «شارل جونار» تقريرا سنة 1892م أشار فيه إلى إعادة النظر في النظام القائ في الجزائر،وطالب بإعطائه بعض الحقوق للمواطنين الجزائريين كما اقترح تكوين مكتب مصالح الجزائر بباريس: لإعطاء سياسة الجزائر دفعة مطابقة لوجهة نظر وشروط السياسة الوطنية. ولكن وفاة «جول فيري» في 17 مارس 1983، قد عطل برنامج وأعمال اللجنة البرلمانية، وبذلك تصاعد نفوذ المستوطنين واستفحل خطرهم وأصبحوا ينادون بتغيير الوالي العام «جول كامبون» وإعطاء الجزائر الاستقلال الإداري. وإنشاء مجلس الوفود الماية، وإنشاء ميزانية مستقبلة للجزائر منفصلة عن الميزانية الفرنسية، بحيث تخصص إيرادات الجزائر للصرف عليها. ثم توالت القوانين العقارية والتشريعات التي حاولت الاستيلاء على المزيد من أراضي الأهالي تحت ستار «تنظيم الملكية العقارية» وإقامة الملكية الفردية على أسس فرنسية. وبفعل هذه التشريعات، تم نهب معظم الأراضي الخصبة لصالح المتسوطنين والتي كانت بحوزة الجزائريين على النحو التالي: مساحة أراضي الأراضي الاستيطان في 1850م............ 000.115 هكتار زادت ثانية 1870 م إلى ........... 000.765 هكتار زادت ثانية سنة 1900 م إلى............. 000.1682 هكتار وتواصلت الزيادة إلى أن بلغت حوالي خمسة مليون هكتار عشية استردادنا للسيادة الوطنية سنة 1962م. ويلخص الكاتب الفرنسي النزية «مرسال إيقريطو» موقف فرنسا من أراضي الآهالي بقوله :«إن سرقة الأراضي كات باستمرار سهلة التنفيذ فهي تبدأ بالاستيلاء على الأراضي وإقرار لأمر الواقع ثم يتدخل القانون لتبرير وتغطية ذلك النهب بطبقة من الطلاء الذي يضمن حقوق الملاك الجدد». وبعد الاستقلال بادرت السلطة الثورية في الجزائر بإرجاع الحق التاريخي للشعب الجزائري، بعدما انقشع ذلك الطلاء السميك، بإنشاء قطاع «التسيير الذاتي» للفلاحين من الأراضي الزراعية التي فر منها المستوطنين الظالمون والسفاحون خوفا من قصاص الشعب وقد تركوا هذه الأراضي لأصحابها الشرعيين، ثم كانت «الثورة الزراعية» تحت شعار «الأراضي لمن يخدمها» وذلك في غياب عقود ملكية هذه الأراضي التي طمسها الاستعمار، فردت الأراضي إلى جميع الفلاحين الذي حرموا منها طيلة فترة الاحتلال اتفاقيات الهدنة بين دولة الأمير عبد القادر وجيش الاستيطان الفرنسي اتفاقية" دي ميشيل" و معاهدة "تافنة" بين الجنرال "بيجو" وجيش مقاومة الأمير بعد أن تولت انتصارات الأمير وجيشه الفتي، على قوات الاحتلال اضطر هذا الاخير على الرضوخ الى الاستسلام أمام قوة مقاومة الشعب الجزائري على الغرب حيث ابرمت اتفاقية هدنة مع المقاومة سميت باتفاقية "دي ميشيل" وهو جنرال الفرنسي الذي كان يقود حملة استيطانية شرسة تصدى لها جيش الامير عبدالقادر الجزائري ..الذي بايعته القبائل حضرها جميع أهل غريس امنهم لحشم، شرقي، وغربي، وخالدي، وعباسي، وإبراهيمي، وحساني، وعوفي، وجعفري، وبرجي، وشقراني، وغيرهم كبني السيد دحو، وبني السيد أحمد ابن علي، والزلامطة، ومغراوة، وخلوية، والمشارف، وكافة أهل وادي الحمام. معلنين جمعيا بطاعته ونصرته والرعاية له، بحيث أنهم عاهدوه بأن يحموه بما يحمون به أنفسهم وأموالهم. وأن ينصروه نصرا مؤزرا. حضر ما ذكر من العلماء والأشراف السيد الأعرج، والسيد محمد بن حوا بن يخلف وأخوته. والسيد محمد بن الثعالبي والسيد عبد الرحمن بن حسن الدحاوي وإخوته، والسيد محمد بن عبد الله بن الشيخ المشرفي وقرابته، وكافة أولاد السيد أحمد بن علي. حاصلة جميع علماء غريس وأشرافه حضروا لهذه البيعة الميمونة ورضوا بها، وحضرها كاتبه محمد بن عبد القادر عامله اللّه بلطف في الباطن والظاهر. نص اتفاقية "دي مشيل" في رجب الفرد سنة 1248 هجرية الموافق ل 27 نوفمبر عام 1832 ميلادية بادر حاكم وهران إلى عقد هدنة مع الامير عبد القادر في (1249 28 فيفري 1838) أعترف فيها بإمارته على كامل البلاد في مقابل إقراره لفرنسا بالسلطة على مدن: الجزائر ومستغانم ووهران وأرزيو. "إن قائدي الجيش الفرنسي في وهران الجنرال دي ميشيل، والأمير عبد القادر بن محمد الدين اعتمدا واتفقا على ما يأتي ذكره من الأمور: 1) منذ يوم تحريره (الصك) يصير ترك الحروب،والخصومات بين الفرنسيين والعرب، وكل من الجنرال دي ميشيل والأمير عبد القادر يجتهد في إلقاء الألفة بين شعبين اقتضت الإرادة الإلهية أن يكونا جنبا إلى جنب، ولأجل ذلك يتعين وكلاء من الأمير عبد القادر بوهران ومستغانم. وأرزيو كي لا تقع الخصومة بين الفرنسيين والعرب، كما أنه يقام وكيلا عن فرنسا ضابط فرنسي في معسكر. 2) يصير احترام ديانة الإسلام وعوائد أهله. 3) يلزم رد الأسرى من الفريقين. 4) يصير إعطاء الحرية الكاملة للتجارة. 5) يلتزم العرب بإرجاع كل من يفر إليهم من العسكر الفرنسي ويلتزم الفرنسيون بتسليم كل منهم يفر إليهم من أهل الجرائم الهاربين من القصاص إلى وكلاء الأمير في المدن الثلاث. 6) من أراد من الأوروبيين أن يسافر إلى داخلية البلاد يجب أن يكون مصحوبا بتذكرة تكون عليها علامة وكلاء الأمير. ويصححها الجنرال وبذلك يحصل على الحماية في جميع الأقاليم". وبعد المعاهدة ألتفت الأمير إلى أحوال البلاد، وجعل من تمصيرها وتعميرها الأمر الأساسي لنجاح الثورة، وتركيز الحكم، ولذلك لم يأل جهدا في تشييد الحصون، وإقامة القلاع، كما لم يفتأ جاهدا في صنع السلاح، وإنتاج الذخيرة الحربية. في الوقت الذي يعمل فيه على تنظيم صفوف الشعب، وتوحيد الجماهير حوله، دفاعا عن الوطن و حماية للدين، وفي أسرع وقت استطاع أن ينشئ دولة فتية بكيانها، ودستورها ونظامها، وجيشها، واستطاع أن يسد كثيرا منا لفجوات في بنائه الإداري، والعسكري، مما جعل مؤرخا فرنسا يقول: "كان يقيم العدالة بحزم فيتخذ مع أعدائه القدماء التسامح، كان الأمن مسيطرا تاما على الطرق في كل ولايته، الأمر الذي جعل الأهالي يردون هذا المثل: يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردا على رأسه تاج من ذهب دون أن يصيبه أذى. " لقد كون جيشا والمشاة والمدفعية، وصنع البارود والبنادق، وبدأ العمل في تطبيق مشاريعه التجارية والإقتصادية والتصنيعية في كل من "تنس" و "أرزيو"... " كان ذكيا حازما وعاملا مجدا لا يبدأ عملا إلا أكمله. لقد كان يتمنى أمرا واحدا وهو أن يكمل كل مشاريعه الخلاقة التقدمية قبل مفارقة الحياة". نقض الهدنة من طرف الفرنسين ولو أتيحت للأمير فسحة من الوقت واسعة لأصبحت دولته من الدول الكبرى، لها مكانتها في العالم، ولكن الفرنسيين قوم غدارون لا يعرفون للعهود قيمة، ولايقدرون المواقف الإنسانية حقها، فكانوا كما قال الأمير شكيب أرسلان: "كانت معاهدات الدول الإستعمارية مع أهالي الأقطار التي تضع نصب أعينها الاستيلاء عليها هي في الغالب محاطات استراحة بين الحملة والحملة، ومنازل استجمام بين مراحل الحرب لايغر، بحيث لاتعدم عذرا لدى توفر القوة في نقض المعاهدات التي لم تبرمها منذ البداية إلاّ على نية النقض". فعمدوا إلى نقض الهدنة بجملة من الالتواءات والأباطيل، وعديد من التفسيرات العقيمة للفظة "هارب" التي يريدون أن يحملوها غير معناها المراد والمقصود في نص المعاهدة. وذلك من أجل فرض السيطرة الفرنسية على رجال قبائل الدوائر والزمالة اللاتي أعلنت موالاة تريزيل حاكم وهران ورضوا بحكمهم عليهم، وطلبوا منه مساعدتهم على الانتقال إلى أحواز مدينة وهران حيث يشملهم حكمه. نقض تريزيل الهدنة ولما يمض عليها أكثر من عام واحد: وكان جواب الأمير على هذا قوله: "وإن كنت ولابد معتمدا على إنفاذ ماصورته أفكارك من إدخالهم تحت حوزتك فأطلب وكيلكم من عندي، وأختر لنفسك مايحلو، وميادين المعركة تقضي بيننا، ومسؤولية إهراق الدماء وإتلاف الأموال راجعة إليك وعليك". ونادي في قومه بالجهاد العام، وهو يردد: "هيا بنا أيها المسلمون إلى الجهاد، وهلموا إليه باجتهاد، وأرفعوا عن عواتقكم برود الكسل، وأزيلوا من قلوبكم دواعي الخوف والوجل. "أما علمتم أن من مات منكم مات شهيدا، ومن بقي نال الفخار وعاش شعيدا؟". وقد استجاب الناس لندائه، وتجندوا للجهاد، وماهي إلا جولات وصولات في الميدان حتى أدرك الفرنسيون أنهم لا قبل لهم بهذا الأمير وقوته رغم ماحاولوه من بث التفرقة، وزرع روح التخاذل بين جماهير الشعب. ورغم أن قوات الجنرال "تريزيل" كانت متركبة من : (5000) جندي من المشاة، وفرقة من الخيالة، وأربعة مدافع من القطع الكبيرة، وعشرين عربة تحمل زادا، عدا العربات الإحتياطية، وجيش الدوائر والزمالة، رغم كل هذا فإن الأمير قد استطاع بفضل مهارته وقوة وعزيمة جيشه، الذي لايزيد عن(2000) فارس و (1000) من المشاة، أن يهزمه في معركة (سيق) بغابة حرش مولاي إسماعيل، ويكبده خسارة(150) جنديا بين قتيل وجريح. واستطاع في اليوم الموالي لهذه المعركة أن ينزل بقوات تريزيل الهاربة ضربات قاسية في معركة المقطع الشهيرة شرق مدينة أرزيو. وهذا محمد نجل الأمير يحدثنا في تاريخه تحفة الزائر عن هذه الحادثة الكبرى فيقول: "أما الجنرال تريزيل فإنه لما رأى أن طريقه الذي جاء عليه قد سد في وجهه انعطف راجعا إلى وهران عن طريق أرزيو. ولما رآه الأمير أنه سلكها خف في ألف فارس انتخبهم من عساكره وأردف كل فارس منهم عسكريا من المشاة، وسبق بهم إلى مجاز نهر هبرة المعروف ب : "المقطع" وليس لذلك النهر مسلك غيره، فأحاطت جيوش المسلمين بالجنرال وعساكره أضرموا عليه نار الحرب في حال السير من كل جهة، واستمروا على ذلك إلى أن قاربوا المقطع، وكان الأمير وصل إليه فلما رأته مقدمة الجنرال أرتدت على أعقابها، واضطرب العسكر الفرنسي، وخاض بعضه في بعض، واختل نظامه وألجأه المسلمون إلى غياض النهر وأذاقوه نكال الحرب، وأثخنوا به بالقتل والأسر، واستولى الغرق على عدد كثير منهم، واستولت الأيدي على العجلات ومافيها من الذخائر والمدافع، واكب المسلمون على جمع الغنائم والأسرى إلى الغروب، وكان التعب أخذ منهم مأخذه، وفي هذه الفرصة أنسل الجنرال تريزيل ومن بقي معه من الجيش إلى ساحل البحر، ومن هناك جدوا في الهرب إلى أرزيو تاركين القتلى والجرحى وسائر ماخرجوا به من وهران في أيدي المسلمين. وفي الساعة السابعة ليلا دخولا إلى أرزيو على أسوأ حالش. وهكذا توالت انتصارات الأمير في حين منيت فرنس بالهزائم مما حدا بها إلى عزل "تريزيل" وتولي كلوزيل مكانه لينتقم لموتى معركة المقطع، ولكن دون جدوى رغم أن قواته التي جمعها وحشدها بلغت (11000) حنديا. ومهما تكن تلك الفرصة التي مكنت (كلوزيل) من آختلال معسكر العاصمة بعد أن أخلاها الأمير من كل شيء، فإنه خرج منها بعد يومين ليدخلها الأمير كي يجدد ما خربه العدو، ويصلح ما أفسده وأحرقه من معالمها لأن الأوغاد من قبائل الدوائر والزمالة المتنصرين تخلفوا فيها وأشعلو النيران في أغلب دورها الشهيرة ومن حسن الحظ أن اليوم كان ممطرا جدا بحيث لم تستطع النيران أن تؤثر فيها فانطفأت. وهكذا أيضا كانت هذه الإنتصارات ضربة قاضية للجيش الفرنسي الذي جعل يتحاشى مواجهة الأمير في الميدان، ويحجم عن الاشتباكات مع قواته، لأن معركة المقطع تركت آثارها السيئة فيه، فأعان هذا الإحجام الأمير في ميدان الإستعدادات العسكرية. وبعد شهور معدودة من معركة المقطع، وقعت معركة "وادي تافنة" حيث تقابلت فيه قوات الأمير من الجنرال بيجو وقواته، وأنهزم بيجو وفقد من رجاله (3500) جندي، وخرج عنه مايقرب من (500) جندي يهتفون بسقوط فكرة الإحتلال الكامل التي يدعو ويتعصب لها. حدث هذا في نفس الوقت الذي هزمت فيه القوات الفرنسية بقيادة كلوزيل أمام حامية قسنطينة وانكسرت وتحملت ويل الهزائم الشنيعة الشهيرة على يد رجال الحاج أحمد باي زيم بايليك الشرق، ورائد المقاومة به. معاهدة تافنة بين الجنرال بيجو وجيش مقاومة الامير إزاء هذا التقدم الذي حصل عليه الأمير، وفي الميدان العسكري، أضطر بيجو إلى عقد صلح آخر معه سمي ب: "معاهدة تافنة" في يوم 30 ماي 1837. نص الاتفاقية 1) إن الأمير يعترف بسلطة دولة فرنسا على مدينتي الجزائرووهران. 2) يبقى لفرنسا في إقليموهران: مستغانم ومزغران وأراضيهما، ووهران وأرزيو وأراضيهما، يحد ذلك شرقا نهر المقطع والبحيرة الذي يخرج منها جنوبا بخط ممتد من البحيرة المذكورة، فيمر على الشط الجاري إلى الوادي المالح على مجرى نهر سيدي سعيد. ومن هذا النهر إلى البحر بحيث يصير كل ما في ضمن هذه الدائرة من الزراضي للفرنسيين، وفي إقليمالجزائر: مدينة الجزائر مع الساحل، وأرض متيجة. يحد ذلك شرقا وادي القدرة ومافوقه، وجنوبا رأس الجبل الأول من الأطلس الصغير إلى نهر الشفة مع البليدة وأراضيها. غربا نهر الشفة إلى كوع مزغران، ومن ثم بخط مستقيم إلى البحر. فيكون ضمنه القليعة مع أراضيها، بحيث يصير كل ما في داخل هذه الدوائر من الأراضي للفرنسيين. 3) على دولة فرنسا أن تعترف بإمارة الأمير عبد القادر على إقليموهرانوإقليم تيطري، والقسم الذي لم يدخل في حكم فرنسا من إقليم مدينة الجزائر لجهة الشرق بحسيب التحديد المعين في الشرط الثاني. ولا يسوغ للأمير أن يمد يده لغير ماذكر من أرض الجزائر. 4) ليس للأمير حكم ولا سلطة على المسلمين من أهل البلاد المملوكة لفرنسا، ويباح للفرنسيين أن يسكنوا في مملكة الأمير كما أنه يباح للمسلمين أن يستوطنوا في البلاد التابعة لفرنسا. 5) أن العرب الساكنة في أرض الفرنسيين تمارس ديانتها بحرية تامة. ولهم أن يبنوا جوامع بحسب مرتبهم الديني تحت رئاسة علماء دينهم الإسلامي. 6) على الأمير أن يدفع للعساكر الفرنسيين ثلاثين ألف كيلة منا لحنطة ومثلها من الشعير بمكيال وهران، وخمسة آلاف رأس بقر يؤدي ذلك كله إلى مدينة وهران على ثلاثة أقساط: الأول في غرة أغسطس إلى الخامس عشر من سبتمبر سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وألف، والقطين الآخرين يدفعان كل قسط بانتهاء كل شهرين. 7) يسوغ للأمير أن يشتري من فرنسا البارود والكبريت وسائر ما يحتاجه من الأسلحة. 8) إن الكول أوغل الذين يريدون أن يقيموا في تلمسان أو غيرها من المدن الإسلامية لهم أن يتمتعوا بأملاكهم بكامل الحرية ويعاملون معاملة الحضر، والذين يريدون منم الانتقال إلى الأراضي الفرنسية تكون لهم الرخصة على بيع أملاكهم أو إيجارها بكل حرية. 9) على فرنسا أن تتخلى للأمير على أسلكة "رشقون"ومدينة "تلمسان" و"قلعة المشور" مع المدافع القديمة التي كانت فيها قديما. ويتعهد الأمير بنقل الذخائر الحربية، والأمتعة العسكرية التي تعود للعساكر الفرنسية في تلمسان الى وهران. 10) المتجر يكون حرا بين العرب والفرنسيين، وللجميع أن يتمتعوا بالتبادل في كل من الأرضين. 11) يكرم الفرنسيون عند العرب كما يكرم العرب عند الفرنسيين وكل مايملكه أو يتملكه الفرنسيون من الأملاك في بلاد العرب يكفل لهم حفظه بحيث يتمتعون به بكل حرية ويلزم الأمير أن يدفع لهم الضرر الذي تخدثه النوائب فيها. 12) يكون رد المجرمين من الطرفين بالتبادل. 13) يتعهد الأمير بأن لايعطي أحدا من الدول الأجنبية قسما من الشاطئ إلا برخصة من فرنسا. 14) لايسوغ بيع من محصولات أو لوازم الإقليم، ولا شراء إلا في الأسواق الفرنسية. 15) لدولة فرنسا أن تعين في المدن التي في مملكة الأمير وكلاء ينظرون في أشغال الرعايا الفرنسية، وحل المشكلات التجارية فيما بينهم وبين العرب، وكذلك للأمير أن يضع وكلاء من طرفه في المدن التي تحت إدارة دولة فرنسا". فكانت هذه العاهدة اعترافا صريحا من حكومة فرنسا بإمارة الأمير التي أصبحت تشمل ثلاثة أرباع مقاطعة الجزائري زيادة عن ولاية وهران كلها، باستثناء ما ذكر. كما كانت هذه المعاهدة أيضا فرصة أخرى للأمير أشتغل فيها بأحوال الرعية فأدّب الخونة الإنتهازيين، وألف القلوب بين القبائل في القرى ومختلف الجهات وبث عيونه ليترصدوا العدو عن كثب وعين عمالا له في مجانة وسطيف، والأغواط، والجهات الصحراوية حتى الزيبان وبسكرة. وفي طليعة دعاته البركاني الذي استطاع أن يكسب ود غالب القرى الصحراوية. ولما رفض محمد التيجاني الإنضمام إلى صفوف الأمير، وأعتصم بقصر عين ماضي توجه إليه الأمير نفسه. وحاصره مدة خمسة أشهر ونيف ثم هزمه ودخل الحصن. وبذلك أصبحت الصحراء كلها تحت حكمه تدين بطاعته. ولم يغفل الأمير وهو يجول في نحاء القطر، أن يشيد المعقل ويصلح الحصون والمراكز الضرورية لحفظ أمل البلاد، وأن يبني مصانع للسلاح وأخرى للبارود، وثلاثة للمدافع، واعتنى بالجيش فدربه ونظمه على حسب الأساليب العصرية، ومن بين الطرق التي استعملها أنه كان يأمر بعض جنوده بالانضمام إلى الجيش الفرنسي على أن يفروا بسلاحهم ويلتحقوا بالجيش، وهي نفس الطريقة التي استعملها جيش التحرير في ثورة أول نوفمبر 1954م. وكدليل على هذا : المنشور التالي الذي أعتاد الأمير توزيعه سريا بين مختلف الطبقات وخاصة من كان في حكم وسيطرة العدو، وجنود الاحتلال، على غرار ما كانت تقوم به الجبهة وجيش التحرير خلال حرب التحرير الأخيرة. نقض المعاهد وبينما كان الأمير يجد في عمل البناء والتشييد، إذا بالفرنسيين يعمدون مرة أخرى إلى نقض المعاهدة بما لديهم من الأباطيل الأكاذيب، وطرق المغالطات اللفظية والتأويلات السفسطائية "المقصودة". ولكن الأمير الذي لم تنطل عليه هذه الترهات، والأباطيل الفرنسية المكشوفة، قطع دابر هذا النقاش البيزنطي، وأعلم الفرنسيين في(27 رجب 1255 / 16 أكتوبر 1839) بإنتهاء معاهدة الصلح، والرجوع إلى حالة الحرب الأولى، دفاعا عن الوطني، وحفظا لكرامة الشعب وصونا لحقوقه وشرفه، فتهول الموقف جدا لأن الفرنسيين بعد جدال طويل ومناقشات حادة في مجلسهم الوطني، قرروا مواصلة الحرب وإكتساح البلاد طولا وعرضا. وأستعد الأمير من جهته للأمر، فحشد الجيوش، ورتب الكتائب، ونظم الخطط، واستكمل كل ما يلزم للأمر. ثم هاجم العدو بعنف وشدة، هو وعماله في مختلف المقاطعات وبخاصة في متيجة حيث أباد عاملة ابن سالم كل "الكلون" هناك وأتلف مزارعهم، وهي الطريقة التي أتبعها جيش التحرير الوطني الجزائري في ثورة أول نوفمبر 1954 . وأخذت المعارك بين الأمير وجيش الاحتلال تتطور وتشتد، وتكبد المحتلون خسائر لاتقدر في الأرواح والعتاد، أمتعض لها القواد الفرنسيون، وطاش عقلهم، فأستنجدوا بفرنسا التي أمدتهم بثمانين ألفا من الجنود مع ما يلزمهم من العدة والذخيرة، قادهم بيجو عن طريق البحر صوب الجزائر. ولكن هذا لم يفت في عزيمة الأمير، ولم ينل من قوته المعنوية، فرغم تساقط مدنه الصناعية وقلاعه الحربية إحداها تلو الأخرى في يد العدو، إلاّ أنه مافتئ يجاهد ويقاوم في كل الجهات التي يراها صالحة لمنازلته في البلاد الداخلية بعيدا عن السواحل، لأن العدو كثرت قواته وتواليت نجداته حتى أصبحت أعداده كأفواج الجراد. وتمكن الشيوخ والأطفال الفرنسيون في هذه الواقعة من الوحشية مالا يتصور، فقتلوا الشيوخ والأطفال والنساء، وفيها أستشهد الخليفة محمد بن علال الذي أبدى شجاعة كبيرة في المعركة، وكان صفي الأمير في الجهاد، وعضده الأمين في الإدارة والكفاح. الأمير في المغرب الأقصى ولما تكاثر العدو وانتشر في أنحاء البلاد التجأ الأمير إلى بلاد المغرب الأقصي، ونزل بضواحي وجدة من أطراف الريف فرحب به أهل تلك الجهة وألحوا عليه أن يقبل بيعتهم له أميرا عليهم نظرا لما يعلمونه عنه من قوة الشكيمة والشجاعة والبطولة، إلى جانب خلقه الحسن وتدينه، غير أن الأمير أمتنع عن قبول هذه البيعة قائل "إني دخلت بلاد السلطان لا لأكون ضده أو لأخذ منه ملكه فهذا لايقول به عاقل". وإنما بقصد الاحتماء بهم، لميدوه بما يعنه على طرد العدو من الوطن، وكل أمنيته هو تطهير البلاد من المحتلين وصون شرف الشعب من أن يلوثه البغاة المعتدون. ولم يرتح العدو لوجود الأمير في البلاد المغربية التي رحب به أهلها ورأى في ذلك خطرا يهدد "حضوره" المزعوم بالبلاد الجزائرية فسعى لدى عبد الرحمن بن هاشم سلطان مراكش كي يخرجه من البلاد أو يكفه على الأقل عن كل بادرة تظهر منه من أجل استرداد وطنه الجزائر وكان ذلك بلاد جدوى لأن الأمير تغلب معنويا على عقليته وحمله على الوقف إلى جنابه في واقعة ( وادي إيسلي 12 أوت 1844). في نفس الوقت الذي كانت فيه البوارج الفرنسية ترمي بقنابلها ثغري: طانجة وموغادور. العودة إلى أرض الوطن من جديد وبما أن العساكر المغربية غير قادر على مواجهة الفرنسيين، رضخ السلطان إلى عقد الصلح في (10 سبتمبر 1844) على شروط أملاها عليه بيجو من بينها طرد الأمير من الأراضي المراكشية والقبض عليه في أي فرصة تتاح من أجل سجنه، أو قتله، أو تسليمه إليه، وفعلا حاول هذا السلطان "المسكين"، تنفيذ مسرحيته الهزيلة يوم بعث إليه يستقدمه إلى عاصمته فاس في زيارة رسمية، إلاّ أن الأمير تفطن للمكيدة، وعلم أصل الخديعة، وأجابه بممنانعة جيشه في ذلك، ودخل من جديد في 1845إلى أرض الوطني، وأخذ يهجم على معاقل الاستعمار مسلطا سيفه في وجه العدو ودارت معركة كبيرة بينه وبين كافيناك في سيدي إبراهيم هزم فيها الأخير وذلك في شهر سبتمبر 1845. وفي 1846 استطاع أن يجدد قواته ويجمعها. وجعل يفتح البلاد من جديد حتي بلغ جبال جرجرة. وظهرت براعته في سرعة تنقلاته الكثيرة بين القبائل بحيث يصبح مكان ويمسي في آخر مما جعله يكلف العدو مغبة التيه في مجاهل التلول الوهرانية وسهولها طيلة شهرين كاملين بحثا عليه، وتفتيشا عن قواته بينما هو يجول فاتحا وعهدا البلاد في أرجاء القبائل الكبرى وأراضي متيجة والأغواط ولهذه سموه "أبا ليلة وأبا نهار". وكاد الأمر يرجع إلى حيث بدأت لتستقيم الحالة للأمير، ولكن قوات العدو كانت أكثر فلم يجد بدا من الإنسحاب إلى جنوب وهران، ثم إلى بلاد مراكش مرة أخرى، بينما كان الثائر بومعزة يقود الثورة في حوض الشلف وجبال الظهرة والونشريس. فعادت فرنسا من جديد إلى سلطان مراكش تطلب تسليمه حسب الشروط المعلومة والمتفق عليها، ومازالت به حتى هز جيشا جرارا قوامه خميسون ألف لمحاربة الأمير، قادة ولداه: أحمد ومحمد: وجرت معارك عنيفة وضاربة أضطر إليها الأمير إضطرارا وألحق بالمغاربية أفدح الخسائر والهزائم. الأمير في فرنسا وبعد ثلاثة أيام مضت كلها، في أحكام عقد التسليم، وتنظيم الشروط اللازمة لحفظه وحفظ حاشيته وسائر أتباعه، سواء من رغب في الهجرة معه، أو فضل البقاء في البلاد، بعد كل هذا توجه إلى مرسى الغزوات حيث كانت تنتظره البارحة هو وصحبه وزقلعت بهم لتمخر عباب البحر، وتشق طريقها في وسط أمواجه المتلاطمة. وبينما الأمير وصولها إلى المشرق إذا بها تلقى أمراسها "بمرسى طولون" في 024 محرم 1264 / غرة جانفي 1848) وإذا بحاكم طولون يقف أمام الأمير ليقول له إني مأمور بإنزالك هنا في برج "لاملاك" الحربي حتى تأتي الأوامر الجديدة من باريس. فتأسف الأمير لهذه الخيانة وقال في رسالة وجهها إلى الملك الفرنسي: "لو كنا نعلم أن الحال يؤول الى ما إليه آل، لم نترك القتال حتى تنقضي منا الآجال". في قصر" أمبواز" وبعد أيام من نزوله طولون نقل إلى مدينة "بو"ولم تمض عليه ستة أشهر فيها حتى نقلوه إلى سرايا "أمبواز" التابعة لمقاطعة "أورليان" حيث قضّى هناك أربعة سنوات وستة أشهر. ومما يذكر في هذا الصدد أن الأمير عرضت عليه فرنسا، بعد أن أخلفت الوعد، بواسطة "دوماس" أن يتخذ من فرنسا الوطن الأم له وأن يسكن حيث شاء في مقابل منحها له أراضي. وأملاك وأموالا، مع سماحها لكل من يريد الإقامة ولايسكن معه، ومن أصحابه وذويه، ولكنه رفض وقال: "إني لاأقبل هذا العمل ولو فرشت لي سهول فرنسا ومسالكها بالديباج". وأعظم من هذا أنها عرضت عليه سكنى "باريس" أسوة بخديوي مصر إبرهيم باشا فقال: "إن إبراهيم باشا يرى باريس وغيرها من أمصار فرنسا منتزها له يمرح فيه كيف شاء. وأما أنا فلا أرى فرنسا إلا سجنا لي ولمن معي، فلا فرق عندي بينطولون وباريس«. في باريس لقد تعرض الأمير بفرنسا لأنواع الإهانات والمضايقات من جراء غطرسة المسؤولين الفرنسيين، وسوء معاملتهم الوحشية له، ولم ينته هذا العسف وذاك التضييق عليه إلا بعد أن تولى نابليون الثالث الحكم فبادر برفع ذلك عليه. ثم زاره الى قصر "زمبواز" فسأل عن أحواله، ورفه عنه بعض الشيء، ثم إستدعاه رسميا لزيارة باريس التي دخلها في(14/01/1249 28/10/1852) فكان يوما مشهودا قابله فيه الجمهور بالترحاب والإكبار، وغصت شوارع باريس بالخلائق رافعين أيديهم تحية له. وأقيمت على شرفه المآدب الفاخرة، من طرف الوزراء ورجال الدولة، ووجهاء الشعب الفرنسي، وبخاصة مأدبة نابليون الثالث. تناول الأمير فيها مختلف الأحاديث: العلمية مع العلماء، والعسكرية مع الحربيين، والسياسة مع رجال السياسة، مما جعل الجميع يعجبون به وبذكائه، وخبرته في كل الشؤون. وقد أتيحت للأمير، في هذه الزورة، أن يضيف صوته وأصوات أصحابه إلى قائمة الناخبين لفائدة نابيون الذي ما أنفك يعطف عليه. الأمير في الشرق وبعد هذا صدرت الأوامر بالإفراج عنه فتوجه الى القسطنطينية عن طريق صقلية ووصلها يوم الجمعة (28/03/1269ه = 9/01/1853م). وقبل أن ينزل ضيفا على الدولة العلية توجه الى زيارة قبر أيوب الأنصاري) الصحابي الجليل، ثم دخل المدينة. وخلال إقامته بها أجتمع بالسلطان عبد المجيد خان، كما قابل الوزراد والأعيان، وسفراء الدول الأجنبية، وتحادث معهم في الشؤون العالمية. ثم توجه إلى "بروسه" حيث نزل بالقصر السلطاني، وجعل يتجول بين الآثار والمشاهد. وهناك وافاه الزوار ولحق به بعض المهاجرين الجزائريين من دمشق عندما سمعوا به هناك، وفيها ختن أولاده وأولاد الفقراء زمن الزلزال العظيم الذي حدث هناك. ولم ينس أن يقوم برحالة الى الأستانة، ومرسيليا، وباريس للمرة الثانية. في دمشق وفي (1272 ه / 1856م) توجه الأمير الى دمشق الشام بعد أن أستاذن من السلطان رغبة منه في الإستقرار بها. وفي طريقه اليها وافته عائلات آل أرسلان وغيرها بجبال لبنان وكلهم يرغب في إقامته عندهم وهو يعتذر لهم، وهكذا حتى وصل الى دمشق، فنزل بداري (القباقبي) الحكوميتين، وأتخذهما دار سكناه، وبعد مدة زار بيت المقدي وطاف بين مختلف المعالم الإسلامية، والمسيحية. ثم رجع الى دمشق بعد أن عرج على قبر الأمام النووي. حادثة دمشق وفي تلك الأيام حدثت إضطرابات، وقلاقل في جبال لبنان بين النصارى والدوروز، كما كات تحصل من قبل. ولكنها في هذه المرة إشتدت حتى بلغت درجة تكاد توصف بالحرب. ورغم ما أجراه الأمير، وغيره، ومن مقابلات وتدخلات لدى الوالي التركي حتى لاتصل الإضطرابات على الأقل الى دمشق، رغم هذا فإن الوالي تصامم ولم يحرك ساكنا، لأنه يجهل ما كان يجري في الأحياء بين الجماعات من أحاديث تنم على عداء المسلمين للنصاري الذين إضطهدوا إخوانهم الدروز بجبال لبنان. وإذ جف القلم بما هو كائن، فإن شرارة الفتنة قد إطنلقت بدمشق في (21/12/1860). وحرك ساكنها طفل صغير، فامتدت الى صفوف اصطفت للقتال، ذهب ضحيتها خلق كثير. وكان للأمير في هذه الحادثة المؤلمة مواقف مشرفة تدعو إلى الإعجاب إذا إستطاع إن ينقذ أكثر من خمسة عشر ألف من النصارى بعث بهم إلى منازله التي غصت بهم. وبعد خمسة عشر يوما إستطاع الأمير أن يحول (عشرة آلاف) جندي فرنسي إلى فرنسا بعد أن كانوا يستعدون لنسف (بيروت) بقنابلهم المدمرة، ويفرق جميع المراكب التي كانت ترابط هناك منتظرة تطور الأحداث. وكان لموقف الأمير الإنساني في هذه الحادثة صدى عظيم في الأوساط العالمية فجاءته رسائل الشكر مصحوبة بالنياشين وشارات الفخر والتقدير من جميع ملوك ورؤساء الدول، ونوهت به كبريات الصحف العالمية وأشادت بخصاله الكريمة، ومواقفه الإنسانية. في الحجاز وعلى إثر هذه الحادثة بمدة زار الأمير حماة وحمص، وتوقف في الأخيرة عند قبر سيف اللّه خالد بن الوليد. ثم رغب في أداء فريضة الحج، فركب الى الإسكندرية حيث أستقبله قناصل الدول الأجنبية ووجهاء الشعب المصري وأعيانه وخديويه. وأقيمت له موائد التكريم، ثم توجه على إثرها الى السويس. فجدة، فمكة. وقبل دخوله اليها أراد شريف مكة أن يستقبله في مركب رسمي فأعتذر مفضلا دخولها كأبسط الناس. وبعد أن أدى مناسك الحج زار مدينة الطائف. ثم توجه الى المدينة لزيارة قبر نبي الإسلام، ورسول السلام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. وكان حيثما حل في طريقه إليها يستقبل بالحفاوة والإكرام. وفي المدينة المنورة مكث شهرا كاملا معتكفا بجوار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وخلال إقامته بها زار مختلف المشاهد والعالم العربية الإسلامية. وأخيرا قفل راجعا الى دمشق، وحل بها في (19 محرم 1282 ه / 20 جوان 1864 م) وأستقبل من طرف أهاليها بحفاوة عظيمة، وإجلال كبير. جولته الى الأستانة وفرنسا ولندرة وفي (27 ذي القعدة 1282 ه / 10 أفريل 1865 م) قام بزيارة بيروت فالأستانة حيث أجرى محادثات عدة مع المسؤولين أسفرت عن عفو السلطان العثماني علي المنفيين في حادثة دمشق، وبعدها توجه الى مرسيليا، فليون فباريس، وأجرى سلسلة من المحادثات مع نابليون وكافة الوزراء والأعيان والرجهاء. ثم رجع الى دمشق بعد أن عرج على (الندرة) عاصمة إنجلترا التي أقام فيها أربعة أيام. في مهرجان تدشين قنال السويس وفي (رجب 1286 ه / نوفمبر 1869م) دعى الأمير لحضور مهرجان إفتتاح "قنال السويس" الذي حضر إليه أعيان العالم كله، فلبي الدعوة وحضر إلى هناك، وأجتمع بجميع الملوك والوزراء والأعيان. وأخيرا قفل راجعا الى دمشق. وفي (1269 ه) أشيع خبر موته في الأوساط وإنتشر في أصقاع العالم، وفي الحين كذب بواسطة التلغراف، أما الأمير فإنه شكر كل من أشاد بخصاله في رسائل التعازي والصحف. وقال: مرضه ووفاته كان الأمير في شبابه وكهولته يتمتع بصحة جيدة. وفي أخريات أيامه أصيب بآلام وأوجاع خفيفة بالمثانة وحصر البول، فتردد على الأطباء كثيرا. وكان يخف عليه المرض أحيانا ويشتد أخرى حتى وافاه الأجل في منتصف ليلة السبت 19 السبت 19 رجب عام 1300 ه / 24 مايو 1883م في قصره بمصيف دمر عن عمر ستة وسبعين عاما كلها كفاح وجهاد وبطولة، ونقل جثمانه الى داره بدمشق. وبعد أن جهز جثمانه وصلى عليه في الجامع الأموي الكبير شيع الي مقره الأخير في جامع الشيخ الأكبر بالصالحية في مركب رهيب ضم كبار العلماء والأعيان ووزراء الدولة وضباط الجيش، والجماهير الشعبية كبارا وصغارا، رجالا ونساء، ودفن بجوار قبر الشيخ محي الدين إبن العربي. وقد زرنا قبره في صيف عام 1958 في إطار رحلة الطلبة العرب التي نظمت من القاهرة عبر البحر من ميناء الإسكندرية. وتوقفنا عند رأسه ورأس شيخه محي الدين بن عربي، ودعونا اللّه أن ينصر ثورتنا، ويثلج صدره حتي هو في القبر، وإستجاب والحمد اللّه والشكر له وتحقق ذلك في صائفة عام 1962م. النواة الأولى لتحضير ثورة التحرير الجزائرية قادة المنظمة السرية ينحازون اللجنة الثورية للوحدة والعمل مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، العربي بن مهدي، رابح بيطاطا، عقدوا أول إجتماع في شهر مارس من عام 1954 مصطفى بن بولعيد العقل المدبر لتحضير الثورة وتسليحها كان الوحيد الذي لم ينكشف أمره من طرف مخابرات الاستعمار مهمة بن بولعيد في المنظمة العسكرية السرية قبل حول عام 1954 الذي كان أهم محطة من محطات مقاومة الشعب الجزائري كان هذا الأخير منذ أن حط الغزاة أرجلهم عام 1830 على أرضهم الطاهرة فقد اعلنوا الحرب المقدسة على جيوش الحملة الصلبية الأروربية التى قادتها فرنسا بمباركة الكنيسة ، من مقاومة الأمير عبد القادر، ثورة سيدي الشيخ ، ثورة المقراني ، ثورة الصحراء ، مقاومة لالانسومر وصولا إلى ثورة أول نوفمبر دفع الجزائريون 10 ملايين شهيد فكان يكاد تمر سنة إلا وانطلقت مقاومة مسلحة لتحرير المحروسة ................................ على إثر الخلافات والأزمة الحزبية التى كانت تعيشها حركة الانتصار للحريات الديمقراطية التي كان يتزعمها مصالي الحاج، خلال سنتي 1953/195،عقد قادةهده حركة مؤتمرا في الجزائر العاصمة شهر أفريل من عام 1953 ، أتخذوا فيه قرارات ضد الزعامة الفردية، واختيار المؤتمر لجنة مركزية جديدة، هذا الإجراء لم يضع حدا للخلاف والنزاع، القائم حيث عقد أنصار مصالي الحاج إجتماعا في بلجيكا، انتخب فيه مصالي، زعيما للحركة، مدى الحياة كما خرج هذا الإجتماع بحكم بالإعدام على المناضلين، وعلى بعض أعضاء اللجنة المركزية. وعلى إثر هذا الخلاف، إنقسم الحزب الى إتجاهين مصاليين من جهة والمركزيين من جهة ثانية، ولعل هذا الخلاف عجل خصوصا المناطق المجاورة بالجزائر الساخنة بثوراتها ومطالبتها، من المستعمر الفرنسي، بالحرية والإستقلال، ظهور إتجاه ثالث، أطلق على نفسه اللجنة الثورية للوحدة والعمل كان أقطابها من المنظمة العسكرية السرية التي كانت تعمل في الخفاء والسرية التامة منذ عام 1947 . كيف تشكلت اللجنة الثورية للوحدة والعمل اللجنة الثورية للوحدة والعمل تشكلت في أول تشكيلة لها من أربعة أعضاء وهم مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، العربي بن مهدي، رابح بيطاطا، الذين عقدوا أول اجتماع لهم في شهر مارس من عام 1954 لتدارك الوضع قبل فوات الآوان، حيث قرر هؤلاء الابطال. جمع خيرة المناضلين الثوريين حول ا للجنة الثورية للوحدة والعمل على كل المستويات الوطني. التحضير لعقد مؤتمر تأسيس يضم أعضاء المنظمة العسكرية وغيرهم من المناضلين المتحمسين للثورة. الحصول على فتوة من الجامع الأزهر على شرعية الثورة والجهاد في الجزائر وفعلا تسربت هذه الفترة في جريدة الأهرام المصرية في غضون جوان 1954. جمع الأسلحة وأحصاء عام لها المخزونة منها والمملوكة لأصحابها سواء حربية، أو بنادق صيد. الإتصال بأعضاء البعثة في الخارج: بن بلة أحمد، محمد خيضر، آيت أحمد، لإخبارهم بشكل الحركة الجديدة وتعيينهم أعضاء فيها ومايجري في البلاد من صراعات وخلافات داخل حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بين إتباع مصالي الحاج، واللجنة المركزية. وعلى أن تقوم البعثة بالاتصال خصوصا بممثلي تونس صالح بن يوسف النائب الأول عن الحزب الدستوري التونسي والزعيم علال الفاسي عن حزب الاستقلال المغربي لتوحيد الكفاح المسلح ضد الاستعمار في شمال إفريقيا وكذلك السلطات المصرية وأن الأخوة أعضاء اللجنة الثورة للوحدة والعمل، عازمون على تفجير الثورة مادام الوقت والظروف تسمح بذلك خير من ضياعها لأن الثورة في تونس والمغرب، يشك في نجاحها إذا لم تتحرك الجزائر، فبإمكان الاستعمار القضاء على الثورتين، التونسية والمغربية اللتان تعتبران جناحان لجسد الجزائر وعلى ذلك أصبح من الضروري أن تتحرك الجزائر وبقوة منتظمة وثورة شاملة في كل القطر الجزائر. كما أن إنشغال فرنسا في حربها ضد الشعب الفيتنامي وانشغالها لفرصة ثمينة، وعامل فعال لنجاح الثورة في الجزائر، لذلك سرع أقطاب اللجنة الثورية للوحدة والعمل بالإتصالات المكثفة بمن يرونه مؤيدا ومؤمنا للعمل الثوري، حتى وإن كان البعض متشائما أو محتفظا، ربما الثورة تفشل كما فشلت انتفاضة عام 1945 التي قدمت قربانا لها مايزيد عن 45 ألف شهيد بين خراطة وسطيف وقالمة وغيرها. مصطفى بن بولعيد العقل المدبر لتحضير الثورة وتسليحها كان الوحيد الذي لم ينكشف أمره من طرف مخابرات الاستعمار إن البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد الوحيد الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب وعضوا في اللجنة المركزية ومسؤول المنظمة العسكرية السرية بمنطقة الأوراس، الذي لم تكتشف فرنسا أمره حتى يوم تاريخ إندلاع الثورة المباركة في 01 نوفمبر 1954 وقد كان لمصطفى بن بولعيد ذخيرة هائلة من الأسلحة الحربية منذ توليه مسؤولية المنظمة العسكرية السرية بالأوراس، سواء كان هذا السلاح المجموع والمشترى من ماله الخاص أو من مساعدات التي يتلقاها من الصندوق الخاص للمنظمة العسكرية السرية، وكذلك من إشتراكات المناضلين. وعلى ضوء هذه المعطيات والإمكانيات المادية والأدبية التي يتمتع بها مصطفى بن بولعيد فقد سهل في إقناع أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل بهذه الأماني التي توجد في الأوراس دون غيرها من المناطق الأخرى، التي إنكشف سر تنظيمها العسكري السري حيث ألقي القبض على الكثير منهم، وعلى هذا بقيت المنطمة العسكرية السرية معطلة وجامدة نسبيا أو كليا في بعض الجهات منذ إكتشافها من طرف المستعمر بعد إلقاء القبض على أحد أعضائها يدعى خياري... من تبسة بالإضافة الى النزاعات والخلافات داخل حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية وإنقسام هذه الحرية الى إتجاهين: المصاليين والمركزيين، وأن هذا الخلاف والنزاع لم يؤثر في صفوف مناظلي الأوراس كما تأثرت به في الجهات الأخرى من الوطن بنسب متفاوتة، وأن هذا الخلاف لعله كما يقال: في بعض الأحيان (الخلاف رحمة) حقا كان إنشقاق حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية رحمة على الجزائر ومناضليها، حيث بسببه برزت الرؤية للأفق والوضوح الساطع والتنقية في صفوف المناضلين فتبين طريق الحق والحقيقة التي تنشد إليه بلادنا أرض الوطن، منذ أن وطأت أقدام الإستعمار، فزرع فيها الفساد والظلم والطغيان، والإستيلاء على ممتلكات الشعب ومقدساته وداس على الحرمات، وما إلى ذلك من التعديات الأخرى فبرزت نخبة من صفوف الحركة سئمت السياسة والديماغوجية واختارت الطريق الواضح المؤدي الى الحرية والاستقلال أو الاستشهاد في سبيل الله والوطن. مهمة بن بولعيد في المنظمة العسكرية السرية إن التقسيم السياسي للحركة في الجزائر الى ثلاثة نواح تم حسب التقسيم الإداري الفرنسي: ناحية قسنطينة، ناحية الجزائر، ناحية وهران، وكل ناحية لها دوائر ولكل دائرة فيها أقسام وكل قسم يتفرغ الى فروع وكل فرع يحتوي على خلايا. لقد تم تعيين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة العسكرية السرية بمنطقة الأوراس سنة 1948 ، وقد أختير لهذا المنصب لعدة خصائص يمتاز بها البطل الشهيد وهو إخلاصه للوطن وتفانيه لخدمته وهو يتمتع بسمعة رفيعة عالية في وسط قبائل الأوراس وخصوصا أنه ينتمي الى عرش توابة من دائرة أريس قلب الأوراس ومنبع الثورة حيث كانت هذه القبيلة تتربع على مساحة كبيرة من الدائرة وهي تشتمل على أربعة دواوير ولكل دوار قائد يحكمها، كما لعب دورا كبيرا في كبت الخلافات وحسمها بالطرق السلمية بين القبائل والتي يختلقها المستعمر ليوقع بين القبائل من خلافات وتشتيت الصفوف وقتل بعضهم البعض، كما كان يتمتع بثروة هائلة تغنيه عن إغراءات الاستعمار وتكفيه حاجياته وماتحتاجه المنظمة العسكرية السرية عند الضرورة. كما كان مصطفى بن بولعيد تحت هيكلته مايقرب من سبعة وعشرين (27) من خيرة المناضلين يساعدونه في تنفيذ مخططات المنظمة العسكرية السرية في كل وقت وحين سواء في تدريب المناضلين، على السلاح أو على حرب العصابات وكذلك بنقل وجلب الأسلحة التي يشتريها مصطفى بن بولعيد من جنوب شرق الجزائر ووادي سوف وزريبة الواد والجنوب التونسي وحتى من طرابلس، وهذه الأسلحة كانت من مخلفات الحرب العالمية الثانية وتحزن هذه الأسلحة، عند البعض من أعضاء المنظمة السرية المساعدة له لأنهم أهل ثقة وصدق له وللوطن. ويظهر أن بن بولعيد منذ توليه هذا المنصب على رأس المنظمة العسكرية السرية بالأوراس وهو يفكر ويخطط بجد وحذر في مستقبل الثورة في الجزائر وبجهد جاهد على حفظ وكتمان سر هذه المنظمة في الأوراس، إلى أن يأتي يوم يكتب فيه التاريخ أمجادها وفي مناطق أخرى من البلاد أيضا. ومن جملة مايدل على ذلك، وتأكيدا لعوامل الظروف، فقد استضاف بن بولعيد وتكفل بعض الإخوة من أعضاء المنظمة العسكرية السرية الخارجيين عن القانون الفرنسي والفارين من سجونها سواء من قبل الأوراس أو من شمال قسنطينة والقبائل ومن الجزائرووهران، حيث أنه في سنة 1951 ضغطت السلطات الفرنسية في الجزائر على المكتب السياسي للحزب بموجب تسليم منضليه الفارين من السجون المعتقلين بعد اكتشاف المنظمة العسكرية السرية عام 1950 من طرف أحد أعضائها بتبسة يدعى خياري... وكذلك الفارين من عدالتها، ولكن مصطفى بن بولعيد بما أنه أحد أعضاء المكتب السياسي رفض فكرة تسليم الأخوة الفارين من السجون أو غيرهم خصوصا من سجن عنابة مثل بن عودة مصطفى، زيغود يوسف، وبليل، رابح بيطاط، وعبدالقادر بكوش وبن طوبال، والسويداني وغيرهم والتزم بتكفله لهم والحفاظ عليهم وتنقلهم من المناطق التي تواجدون فيها ونقلهم الى الأوراس ووزعهم عى ا لمنضلين (أمر رؤساء الأقسام على الاتصال بهم باستمرار وبتكليفهم ببعض المهام كتنشيط المناضلين خلال الإجتماعات الدورية لهم حتى لايشعروا بالغربة والقلق والملل وأن هذا العمل له شرف عظيم سواء كان بالنسبة الى الأخوة الفارين من قبضة العدو، كما هو شرف أيضا للبطل الشهيد مصطفى بن بولعيد الذي لم تذهب أعمال الفاضلة النضالية دون نتيجة حيث لاحظنا أنهم فيما بعد لبوا الدعوى وقت الحاجة والضرورة الملحة لنداء الثورة الجزائرية عندما أتصل بهم بن بولعيد فرادى في الجهات التي يتواجدون فيها والتي رجعوا اليها سنة 1952 ببطاقات تعريف بأسماء مستعارة والمستملة من البلدية المختلطة أي (دائرة أريس حاليا) من طرف المناضل والعضو في المنظمة العسكرية السرية والذي كان يعمل كموظف إداري في دائرة أريس. إبن بولعيد ودوره التوفيقي في مؤتمر 22 لما برز الخلاف في غضون شهر سبتمبر 1953 بين صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية واشتد الصراع، بين المصاليين وأعضاء اللجنة المركزية، وفي غضون شهر مارس من عام 1954 إشتد الخلاف والنزاع بين الإتجاهيين ففي هذه الحالة تمسك المناضلون في الأوراس بوحدتهم والحفاظ على وحدة الصف والنضال من أجل الحرية والاستقلال فقام مصطفى بن بولعيد بدور الوسيط في حسم هذا الخلاف والنزاع لأنه لايخدم مصلحة الوطن والتوفيق بين أعضاء اللجنة المركزية والمصاليين حيث كان مصطفى بن بولعيد يدعى لدى زملائه باسم (الخالص) ولكن محاولته لم تأت بنتيجة حيث كل من الإتجاهين تعصب وتمسك بفكرته وفي شهر مارس 1954 بدأ مصطفى بن بولعيد يتحرك ويفكر مع زملائه الأعضاء الأربعة الى تحضير مؤتمر يجمع نخبة من أعضاء المنظمة العسكرية السرية ومن المناضلين المخلصين والمحبين للحرية والاستقلال ومن الذين لايقولون للثورة المسلحة ضد الإستعمار (لا). فشكلت لجنة مؤقتة لحين تزكيتها من طرف المؤتمر المقبل أطلقت على نفسها إسم «اللجنة الثورية للوحدة والعمل» من أربعة أقطاب وهم السادة: مصطفى بن بولعيد محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، وأنضم اليهم فيما بعد ديدوش مراد وبقي كريم بلقاسم متمسكا بحياده إلا أنه بعد إقناعه من طرف مصطفى بن بولعيد بتزويده بالأسلحة والمتفجرات التي هي مخزونة بعضها في الأوراس وأكثرها في بلدة قمار بوادي سوف وهكذا يتأكذ لنا والتاريخ أن مصطفى بن بولعيد لعب دوا إيجابيا وفعالا لما له من سمعة طيبة وإمكانيات مادية ومعنوية لا نجدها بهذا القدر لدى غيره كما أنه من الملاحظ كما سبق أن ذكرنا أنه هو الوحيد الذي شغل ثلاثة مناصب في الحركة في المكتب السياسي وفي المنظمة العسكرية السرية وفي اللجنة المركزية ورغم إكتشاف العدو المستعمر الفرنسي اكتشافه للمنظمة العسكرية السرية وفي اللجنة المركزية ورغم اكتشاف العدو المستعمر الفرنسي اكتشاف للمنظمة السرية 1950 إلا أن منطقة الأوراس بقيت لم يكشف أمرها وهذا لدليل على أن مصطفى بن بولعيد كان مسؤولا للمنظمة العسكرية بالأوراس وأن أعضاءها كانوا يعملون في كنف السرية التامة كما كان يتمتع بشعبية واسعة في أوساط الشعب الأوراسي مما يجعل الإخوة أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل يثقون فيه، وبدأ مصطفى إبن بولعيد بالاتصالات المكثفة لإقناع البعض من المناضلين من المنظمة العسكرية السرية والذين يعرفهم معرفة تامة من جهات أخرى في الشمال القسنطيني وبلاد القبائل بالخصوص، فشرح لهم موقف اللجنة الثورية للوحدة والعمل المشكل مؤقتا، وبرنامجها الثوري ودعاهم الى عقد مؤتمر في شهر جوان 1954 بحي الناضور بالمدينة بالعاصمة، وقد إنعقد فعلا هذا المؤتمر الذي جمع خيرة مناضلي حركة الانتصار للحريات الديمقراطية والذين ينتمون إلى المنظمة العسكرية السرية والبالغ عددهم 22 مناضلا تغيب واحد منهم فقط. وعند إفتتاح المؤتمر المجتمعين على أن يكون مصطفى بن بولعيد رئيسا للمؤتمر إلا أنه من حسن أخلاقه وتواضعه والأشغال الكبيرة التي تنتظره تنازل عن هذه الرئاسة الى المناضل السيد محمد بوضياف وفعلا فقد تواصل الاجتماع على أحسن مايرام ودرس البرنامج المقدم للمؤتمر الذي يدعو المناضلين في أساسه الى العمل الثوري نظرا للظروف التي تعيشها البلاد وخوفا من تشتيت أكثر لمناضلي الحزب الثوريين ونظرا للكفاح الذي يخوضه الوطنيون بالقطرين الشقيقين التونسي والمغربي وكذلك في الأماكن الساخنة في قارتنا السمراء، وفي الهند الصينية وخوفا من ضياع الفرصة الثمينة للشعب الجزائري تقرر في المؤتمر أنه يجب على المناضلين اليقظة والتحرك بكل قواهم ومساعيهم وبإمكاناتهم المادية والمعنوية والروح الثورية في تحضير جدي وفعال من أجل تفجير ثورة عامة شاملة، تمتاز عن غيرها من الثورات التي سبقت وعلى أن تكون هذه الثورة شاملة كاملة في كل نقطة من ربوع الوطن الجزائر، وحتى لاتنحصر هذه الثورة في جهة واحدة من البلاد، فهذا ربما يسبب لها الإجحاظ في مهدها. إلا أنه من الملاحظ أن بعضا من الإخوة المؤتمرين كانوا على موقف متحفظ شأنهم أن هذه الثورة ربما ستؤول إلى ما آلت اليه حوادث خراطة، سطيف، وقالمة، عام 1945 والتي ضاع ضحيتها ما يقرب من 45 ألف شهيد. وعلى هذا فإن مصطفى بن بولعيد أكد للمستمعين أن ظروف حوداث قالمة وخراطة وسطيف عام 1945 ليست الظروف التي نعيشها اليوم إذا أن الوعي السياسي والظروف الدولية قدوصلت الى درجة أحسن وأرقى في وقتنا الحاضر عن غيرها في عام 1945 وأن الإمكانيات المادية والبشرية والتنظيم السياسي المحكم الذي غطى كل القطر الجزائري وإمكانية تفجير الثورة سواء منها المادية هي موجودة أكثر من ذي قبل ومتوفرة في كل القطر الجزائر وبالخصوص في الأوراس الذي يعتبر المخزن الكبير للأسلحة الحربية وماتمتاز به المنظمة من مواقع إستراتيجية وموانع قريبة من الحدود التونسية وطبيعة سكانها بقدر طبيعة الأرض والعادات والتقاليد وأن مصطفى بن بولعيد قبل حضور هذا المؤتمر إتصل بالمرحوم والمجاهد المسعود بلعقون المسؤول السابق لدائرة أريس في حزب الشعب فأخبره مصطفى بن بولعيد بمشروع الثورة في الجزائر فأيده وأوحى اليه قبل أن يقدم على ذلك أن يتصل برؤساء الأقسام في الأوراس المسؤولين المباشرين على القاعدة الحزبية والذين بقوا على الحياد لاهم مصاليين ولاهم مركزيين، وعلى ذلك قام مصطفى بن بولعيد بالاتصال بهم فرادى وبعدما باركوه على هذه الفكرة وأيدوه استدعاهم للاجتماع للمبايعة والتأييد وهم الإخوة عاجل عجول مسؤول القسم بأريس الذي تحت هيكلته ما يقرب من 800 مناضل، وكذلك الطاهر النويشي مسؤول قسم عين القصر والذي تحت هيكلته مايقرب من 300 مناضل، وكذلك قسمة بريكة وعين التوتة وبسكرة فعوض عليهم مصطفى بن بولعيد برنامج الثورة وطلب منهم تزكية البرنامج فوافق الإخوة رؤساء الأقسام بالإجماع وبايعوه كمسؤول وممثل للأوراس في كل مناسبة تدعو الى مزيد من التدعيم داخل المؤتمر المقبل واللجنة الثورية للوحدة والعمل وكانت تحت هيكلة مصطفى بن بولعيد 25 عضوا من المنظمة السرية العسكرية هم أيضا بايعوه ووافقوا على برنامج الثورة ولذلك كان مصطفى بن بولعيد ممثلا على الأوراس وعلى مناضليها بالإجماع. وقد قال كلمته المشهورة للمؤتمرين عندما التمس تخوف البعض منهم وتخفضهم من برنامج الثورة... أعطوني هذه المرة الفرصة أفجر فيها لوحدي الثورة « وفي الأوراس الأخير بعد الاتصالات المكثفة إقتنع الإخوة بوجوب الثورة ووعدهم بن بولعيد بتزويد المناطق التي لاتملك ولا في حوزتها الأسلحة الحربية كالشمال القسنطيني والقبائل والجزائر الكبرى أما وهران فكان العربي بن مهيدي وزملاؤه رمضان مالك، وبوصوف عبد الحفيظ خططوا برنامجا لجلب الأسلحة من المغرب الشقيق ومن سبته المستعمرة الإسبانية في أراضي المغرب الشقيق وذلك عن طريق البر والبحر وللأسف كانت حادثة غرق أحد قوارب صيد كانت محملة بالأسلحة قرب شطوط الغزوات الجزائرية وعلى متنها ستة مناضلين الذين غرقوا هم أيضا. ورغم هذا فإن السعي الى تحضير الثورة في الجهة الغربية وهران لم تتوقف رغم الظروف والخلاف الحزبي الذي أثر بكثير على مناضلي حزب حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية حيث أن مصالي الحاج إبن المنطقة وهو من الغزوات من دوار بني سهل. وبعد التنظيم السري المحكم وإعادة التنظيم وهيكلة مناضلي منطقة وهران فقد شكوا في تفجير الثورة أول نوفمبر بما لديهم من إمكانيات ضعيفة فلم يتوقف بن مهيدي وزملاؤه في طلب الأسلحة وجلبها من سبتة المغرب وتخزينها في المنطقة وتنظيم الأفواج والاستعداد إلى إعادة الكرة من جديد عام 1955. تكليف مصطفى بن بولعيد بالاتصال بمصالي الحاج وبعد المؤتمر22 كلف إبن بولعيد من طرف اللجنة الثورية للوحدة والعمل بالاتصال بمصالي الحاج وإعلامه بانبثاق اللجنة الثورية للوحدة والعمل من خلال مؤتمر 22 وعرض عليه برنامج هذا المؤتمر والموافقة عليه حتى يصبح شرعيا ولمصالي الحاج أن يكون عضوا عاش في اللجنة المنبثقة من المؤتمر. إلا أن مصالي رفض بتاتا برنامج لجنة مؤتمر 22 وقال بالحرف الواحد لمصطفى بن بولعيد : «أنا الذي أقرر الثورة من عدمها وأن الشعب لم ينضج بعد ولم يكن مستعدا لتفجير الثورة في هذه الظروف بالذات ولتحقيق ذلك يجب أن تمتلأ السجون بالمناضلين والشوارع بالدماء والمتظاهرين، عند ذلك نكون قد وصلنا الى مرحلة النضج الفعلي الكامل وعند ذلك يمكن لنا أن نضمن ونحقق ثورة مسلحة في الجزائر والمؤتمر القادم هو الذي يقرر ذلك... وعلى أثر ذلك رجع بن بولعيد خائبا منه فأجتمع بالأقطاب الخمسة الأعضاء في اللجنة الثورية للوحدة والعمل وأخبرهم ماتمخض عنه اللقاء مع مصالى الحاج، وعلى ذلك قرر أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل في البدء الفعل لتحضير الثورة في الجزائر، فقسموا الجزائر إلى خمسة مناطق قيادة وهي كالتالي: منطقة الأوراس تحت قيادة مصطفى بن بولعيد ومهمة أخرى تضاف اليه هي مهمة التسليح. 2 منطقة قبائل أسمندو «الشمال القسنطيني» بقيادة ديدوش مراد. منطقة القبائل بقيادة كريم بلقاسم. منطقة الجزائر بقيادة رابح بيطاط. منطقة وهران بقيادة العربي بن مهيدي. كلف السيد بوضياف محمد بالتنسيق بين المناطق في الداخل والخارج وخصوصا البعثة التي توجد في مصر وهم أعضاء في اللجنة الثورية للوحدة والعمل: أحمد بن بلة، محمد خيدر، آيت أحمد ولكل قائد منطقة له على الأقل ثلاث نواب. وعلى أثر هذا التقسيم إتفقت القيادة مهامها بعين المكان وفي كل منطقة مختص بها وذلك من أجل دراسة ماتحتاجه كل منطقة والقيام بالأعمال التالية وعرضها في الإجتماع المقبل لهم وهي كالتالي: إحصاء عدد المناضلين الملتزمين والمحبين والمؤيدين للثورة. إحصاء عدد الأسلحة الحربية التي يمتلكها المناضلون وغيرهم من أفراد الشعب وكذلك بنادق الصيد أو مسدسات. قائمة وخريطة بأماكن الماء والمخابئ والقمم والجبال والأدوية ومراكز العد ومن ثكنات وشرطة ورجال الدرك وحراس الغابات المسلحين وقيادة الدواوير والأسلحة التي يمتلكونها. شراء اللباس العسكري وأدواته. الأمر بإسراع جمع المحاصيل الفلاحية وحصدها وبذرها. جمع الإشتركات والتبرعات والزكاة والامتناع من دفعها أو تسليمها الى المصاليين أو المركزيين وشراء الأسلحة الحربية من طرف المناضلين أو بمعونة اللجنة الثورية للوحدة والعمل. وأخيرا تكليف مصطفى بن بولعيد المكلف بالتسليح على جلب ونقل مخزون الأسلحة التي ترد من بقمار بوادي سوف والتي كانت مخبأة في ثلاث مطامر عند الحاج محمد وعددها ما يقرب الى ثلاثة آلاف (3.000 ) بندقية ومسدس. الإتفاق على أن يكون إجتماع التسعة بعد مضي عام من عمر الثورة لتقويم حصيلة عام من الحرب وللتخطيط للمستقبل. وبعد هذا الإجتماع وصل مصطفى بن بولعيد الى الأوراس وعلى وجهه سمات الفرح والسرور على القرارات المتخذة في إجتماع اللجنة الثورية للوحدة والعمل فأسرع في طلب رؤساء شيخاني البشير من مدينة قسنطينة بصفته مسؤولا عن دائرة باتنة (الأوراس) وكل من رؤساء الأقسام: عاجل عجول، طاهر نويشي، عباس لغرور، إسماعيل... ، محمد شريف، بن عكشة، سليمان بن بلله وأعضاء المنظمة العسكرية السرية بالأوراس، فأخبرهم بقرارات المؤتمر واللجنة الثورية للوحدة والعمل وما يجب القيام به منا للتحضيرات اللازمة للثورة المباركة وأوضح لهم النقاط السبع السالفة الذكر بالإضافة الى ذلك طلب من رؤساء الأقسام أن يقوموا بتحريات دائمة ومستمرة لمعرفة تحركات الجيش وحركته داخل وخارج الثكنات ونوع الأسلحة وعدد الجنود وجنسيتهم وعدد الضباط والذخيرة الحربية ومكان تخرينها وخريطة عن الثكنة ومنافذها ومراكز الدرك والشرطة ومحول الكهرباء وحكام البلديات المختلطة وإلى غير ذلك من ما يدخل بالضرورة في نطاق مستلزمات الثورية للتعرف عليها وضبطها. مصطفى بن بولعيد في ليبيا لأجل الأسلحة وبعد هذا الإجتماع سافر بن بولعيد الى طرابلس عن طريق البر ليمهد السبيل ويرسم خطة الإتصال لقوافل الأسلحة التي يمكن في المستقبل أن تأتي من طرابلس وذلك مع ذلك المناضلين من الحزب الدستوري التونسي الذي هو في حالة حرب مع المستعمرين ومن أجل عقد صفقة السلاح بطرابلس والاتصال بأعضاء البعثة المتواجدين في مصر وجس النبض ومعرفة مامدى أن تكون عليه سياسية مصر وإعانتها المادية والديبلوماسية في المحافل الدولية بعد إنفجار الثورة بالجزائر، وبعد إتمام مهمته رجع ومعه أمل كبير بلاحدود بالمساعدة التي يمكن أن تتلقاها الثورة الجزائرية من مصر بشرط مسبق على أن تصمد الثورة الجزائرية ثلاثة أشهر على الأقل. وبعد هذا الإيصال بليبيا الشقيقة ومثلها مصر رجع مصطفى بن بولعيد، إلى أرض الوطن عن طريق الجنوب مارا بوادي سوف حيث إتصال بالحاج محمد الموجود بمدينة قمار الذي كان هذا الأخير محافظا على مخزون السلاح الذي إشتراء مصطفى بن بولعيد ما بين 1948 الى غاية عام 1954 هذه الأسلحة البالغ عددها ما يقرب من ثلاثة آلاف (3.000) بندقية ومسدس كانت هذه الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية في صحراء الجزائر وتونس وليبيا، واتفق مع الحاج محمد بأن يقوم بالترتيبات اللازمة لنقل هذه الأسلحة على الفور بواسطة الجمال وتبليغها الى الأماكن المتفق عليها وهي عن طريق حنقة سيدي ناجي مرورا بدوار الولجة وبدوار كميل، والطريق الثاني عن طريق (الدرمون) البرج بدوار كيمل.... وهكذا الى مكان آخر لانعلمه حيث أعطيت الأوامر بعد ذلك إلى عاجل مسؤول قسم أريس ودائرة الترابية التي تمر عليها قوافل الأسلحة بأن تنصب حراسة على هذين الطريقين لوصول الأسلحة الى الأوراس سالمة، فكان على عاجل عجول رئيس قسم أريس أن كلف الشهيد عثمان بن كعباش رئيس فرع كيمل بمرافقة القافلة وتوجيهها إلى مكانها المحدد كما كلف أيضا عثماني عبد الوهاب مسؤول فرع الولجة بنفس المهمة على الطريق المار بالولجة الى البرج بدوار كميل حيث أن هذين الطريقين هما عبارة عن بوابتين بين الصحراء وجبال الأوراس. ولكن رغم الترقب والحراسة على الطرقين فلم تجيئ قوافل السلاح المنتظرة وكان هذا السلاح قد خصصه مصطفى بن بولعيد ووعد به قادة المناطق الثلاثة: منطقة أسمندو ومنطقة القبائل ومنطقة الجزائر الكبرى، إلا أن هذا التعطيل في وصول الأسلحة، كان عمل في الحسبان أبدا، فحاول مصطفى بن بولعيد مرة ثانية الإتصال بالحاج محمد عن طريق بسكرة من أجل تنفيذ ما اتفقا عليه من نقل الأسلحة الى الأوراس ولربما السبب في تعطيل هذه الأسلحة هي الحراسة المشدة والتفتيش واسع النطاق من الحدود التونسية الى غاية حدود بسكرة ولاحظت أنا شخصيا وأنا بنفسي في قرية بادس القريبة من خنقة سيدي ناجي لاحظت الحرس المتنقل يراقبون الطرق ويقومون بالتفتيش في المداشر والخيم وفي الصحراء، حيث أن الحرس المتنقل يدعي أن هناك فلاقة تونسيون تسربوا الى أرض الجزائر وعليه فأنا شخصيا رجعت من بادس بعد إقامة ثلاثة أيام مختفيا داخل جامع القرية وعلى إتصال مع المجاهد عبد المجيد علواني الساكن بقرية بادس فأخبرني بأنه لايستطيع شراء الأسلحة من الشعب مادامت الحالة هكذا، وعند ذلك كنت مضطرا للرجوع إلى قرية الولجة مقر إقامتي لأن التعليمات لاتسمح لنا بالغياب أكثر من ثلاثة أيام وعند الوصول الى القرية يوم 28 أكتوبر 1954 وجدت المرسول الجندي بوستة ينتظرني من أجل الإصال والإلتحاق بمصطفى بن بولعيد، وعاجل عجول وشيحاني بشير هذا ما علمته من ذلك في مكان تجمع المجاهدين الذين قررت القيادة مشاركتهم في تفجير الثورة 1954. توزيع الأسلحة وبداية المقاومة النوفمبرية قبل تاريخ موعد الثورة مابين شهر سبتمبر وأكتوبر لما يئس مصطفى بن بولعيد وصول لأسلحة من وادي السوف في وقتها وقبل فوات أوانها أمر المناضلين الأعضاء في المنظمة العسكرية السرية والمكلفين بحفظ مخزون الأسلحة أمرهم بإخراجها من أجل تزويد بعض المناطق بها فأرسل الى منطقة إسمندو ليست بالكثير عن طريق الخروب إلا أن هذه الكمية سقطت في أيدي المصاليين فأمتنعوا من إرسالها الي منطقة اسمندو، وكمية ثانية وصلت سالمة الى الشهيد زيغود يوسف وبالمثل أرسلت كمية أخرى على شاحنة صغيرة 403 الى منطقة القبائل عن طريق برج المنايل وثانية وثالثة. إلا أنه بعد ذلك لاحظ مصطفى بن بولعيد حراسة مشددة بالسلاسل الممدودة على الطريق من طرف رجال الدرك الفرنسي، ذلك ربما كانوا يتحسسون بأن هناك حركة غير عادية في القطر كله من طرف المناضلين المصاليين والمركزيين الذين يطلقون بعد الإشاعات ويبثونها حول تحضير الثورة وعلى ضوء هذه المعطيات المستجدة قرر مصطفى بن بولعيد أن يتوقف عن إسرال الأسلحة الى القبائل وذلك لعدم تأمين وصولها وخوفا من اكتشاف سر حركة الثورة فأخبر كريم بلقاسم مسؤول منطقة القبائل بذلك الحدث. والجدير بالذكر أن الأسلحة التي كانت مخزونة في الأوراس ذات كمية لا بأس بها تقدر تقريبا بألف 1.000 بندقية ومتفجرات أغلبها من صنع محلي أعدها مصطفى بن بولعيد في ضيعته، إلا أن هذها لأسلحة أغلبها أصبحت غير صالحة للاستعمال من جراء تخزينها وتأثرها بالندى لمدة تتراوح من سنة الى ستة(06) سنوات وبعضها لم تغلف بالشحوم كما ينبغى لحفظها من التصدد، وقد كانت هذه الكمية للأوراس فقط ولكن عندما لم يوف الحاج محمد الوقفاء بالوعد، بنقل الأسلحة من وادي سوف الى الأوراس أصبح من الضروري توزيع البعض منها بقدر الإمكان وظروف الزمن الى بعض المنطق المذكورة آنفا. وبعد الاجتماع الأخير بتاريخ 23 و 24 أكتوبر 1954 الذي ضم الأعضاء الستة للجنة الثورية للوحدة والعمل وبعد وضع اللمسات الأخيرة اتفقوا على موعد تاريخي أول نوفمبر 1954 على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يكون فيه تفجير الثورة المباركة في كل من المناطق الخمسة: الأوراس، اسمندو، القابئل، الجزائر الكبرى، ووهران وقل عن أصله كل مسؤول نص بيان أول نوفمبر 1954 باسم لجنة الثورة للوحدة والعمل وليعيد كتابته على الآلة الراقنة أوباليد وسحبه وتوزيعه على الأفواج ليلة أول نوفمبر وأن هذه النداء موجه الى الشعب الجزائري بإسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل توضح فيه أهداف الثورة وأسبابها والحقوق والواجبات التي تتبناها والأهداف المستقبلية وعلى ذلك رجع مصطفى بن بولعيد من هذا الإجتماع الأخير الى الأوراس ومعه بشرى تحديد تاريخ إندلاع الثورة، فأرسل بطلب حضوري رؤساء الأقسام فحضروا بتاريخ 28 أكتوبر 1964 فطلب منهم اليمين على أن يكتموا سر يوم تاريخ أول نوفمبر لإنفجار الثورة الجزائرية المباركة وحثهم على الصمود واليقظة والحزم وتنفيذ كل أوامر الحركة بدقة والهجوم على المراكز المسطرة المبرمة كل حسب طبيعة والقنطة التي يوجد فيها... وبدأ مصطفى بن بولعيد في توزيع الأسلحة على الأفواج البعيدة والباقية في أماكنها وهي قسم خنشلة، ودوار يابوس بريكة، عين توتة، دوار الولجة، وأعطى التعليمات الى عاجل عجول، والطاهر نويشي، أن يخبروا مناضليهم أن يلتحقوا بأماكن التجمع يوم 30/31 أكتوبر ومعه لوازم التدريب العسكري وذلك في المكانين، دشرة أولاد موسى في ديار عائلة بن شايبة قرب أريس، وكذلك في ديار بولقواس، فتم حضور المجاهدين في ديار بن شايبة مايقرب من 300 مجاهد قاموا بفرز الأسلحة الصالحة وغير الصالحة وتنظيفها وكذلك المثل في ديار بولقواس تحت إشراف الأخ الشهيد الطاهر نويشي مسوؤل قسم عين القصر فكان مصطفى إبن بولعيد بمعونة كل من نائبه الأول شيحاني البشير، ونائبه الثاني عاجل عجول بترتيب كل الترتيبات اللازمة وفحص قوائم الأفراج النهائية وأماكن الهجوم ووسائل نقلهم فخصص الى باتنة أربع أفواج للهجوم على الثكنة ومحطة بنزين وعلى رجال الدرك والشرطة ومحول الكهرباء وفوجين إلى فم الطوب وفوجين للهجوم على الخزناجي وثلاثة أفواج على ميناء المعدنى الكائن بأشمول وفوج الى تكوت وفوجين الى أريس، وفوج الى عين توتة، وفوجين الى بريكة وفوجين الى بسكرة والأفواج الأخرى التي كانت في عين المكان فوجين الى خنشلة مقسمين علي خمسة فرق صغيرة على الحاكم والثكنة العسكرية وعلى رجال الدرك ومحافظة الشرطة ومحول الكهرباء ولدوار الولجة أربعة أفواج موزعين على فرق صغيرة من أجل التنف يذ تسعة (09) عمليات بين لمصار والولجة وطامزة، وتبردقة، حيث أن فرق الولجة لم تتمكن من تنفيذ العلميات خصوصا بدوار طامزة وتبردقة وذلك لبعد المسافة وضيف الوقت ومهما كان الحال والإستعدادات اللازمة لتفجير الثورة لم تكن كافية لتنفيذ جميع العمليات المسطرة في البرنامج لأن الوقت كان ضيقا لم يتسع من الوقت ولم يسمح كشف سر تفجير الثورة في تاريخها خوفا من تسرب أسرارها وأخبارها الى المستعمر وتذهب مجهودات القادة والثورة ككل عرض الرياح فالظروف حتمت وفرضت نفسها على القيادة السرعة في العمل وفي التنفيذ قرار لجنة الستة من أجل تفجير الثورة مهما كان الحال والإمكانيات والظروف المحاطة بالعمليات. والجدير بالملاحظة أن العمليات الخمس التي تم تنفيذها بقيادة عباس الغرور كانت في المستوى المطلوب ويشهد لها البطل بن بولعيد وحتى الإستعمار وكتب عليها في عدّة مقالات. مكان من نصب عباس لغرور الهجوم على الحاكم ومعه إثنان من المجاهدين ومعهم البنزين لإحراق دار الحاكم ودخل مقر الحاكم وتبادل معه بإطلاق النار فجرحه جرحا خفيفا وحاول أشغال البنزين ولكن بدون جدوى ولم تعرف أسباب عدم احتراقه ثم بعدها أراد فتح الباب الصغير الذي يدخل عليه الى الثكنة ليساعد الفرقة الثانية بقيادة سعدي معمر وأربعة مجاهدين ويحمل قائد الفرقة بندقية موزي من صنع الماني والمجاهدين الأربعة بالمفرقعات فقتلوا ضابطين وبعض من الجنود ورجعوا ناجحين. والفرقة الثالثة عثماني التجاني وأربعة مجاهدين معه من نصيبهم أطفاء المحول الكهربائي قبل بدأ العمليات وحراسته وعدم السماح التقرب منه وذلك في حدود الساعة الواحدة بعد منتصب الليل. والفرقة الرابعة يقودها غزالي بن عباس ومن معه من المجاهدين الأربعة ومن نصيبهم مركز الشرطة وهم عزل من أي سلاح إلا القنابل اليدوية المصنوعة محليا، فأذن غزالي ومن معه الجهاد في سبيل الله والله أكبر... وكانت رشاشات العدو من الثكنة تطلق وابل من الرصاص فظن أن هذه الطلقات من المجاهدين، فالشرطة تخاذلت وأندهشوا فجمعهم بن عباس غزالي وفي يده (قرن شمة) وأدخلهم في سجن محافظة الشرطة وقفل عليهم وأخذ ما يوجد هناك من أسلحة ومسدسات. والفرقة الخامسة بقيادة مشرود علي وأربعة من المجاهدين كلفوا بتنفيذ عملية الهجوم على رجال الدرك بسلاح واحد يحمله قائد الفرقة فتم تبادل إطلاق النار بين المجاهدين ورجال الدرك فجرح دركي واحد. يوم 28 أكتوبر 54 بين عباس لغرور ومصطفى بن بولعيد قال الأخير لعباس بعد العلميات إنسحب الى الجيار، فرد عليه عباس لغرور وقال : سأحتل خنشلة وأبقى فيها نعم كانت الأسلحة والدعم فعلا قد تم لما تمكن لغرور من احتلال خنشلة يوم واحد قبل وصول التعزيزات من العدو. وكان مصطفى بن بولعيد قبل ثلاثة أيام من الثورة اتفق مع حارسين من حراس سجن (لامبيز) على طريقة إخراج المساجين قبل يوم تاريخ الثورة أي ليلة 30 أكتوبر 1954 فحضر مصطفى بن بولعيد في مكان الموعد إلا نه لم يجد الحارسين المتفق معهما فرجع الى مدينة دائرة أريس للاستمرار في تنفيذ برنامج الثورة. وفي ليلة أول نوفمبر إنفجرت الثورة في الأوراس وفي كل نقطة من الجزائر فكان صداها الكبير والرعب في صفوف المستعمر والفرحة في نفوس الشعب الجزائري حتى وإن كانت هذه العلميات لم تكن في المستوى المطلوب بذلك للأسباب عدّة فالحمد لله نفذ بعضها وحالت أسباب عدة دون تحقيق وتنفيذ باقي العلميات، والشيء المرغوب فيه هو أن الثورة مست كل المناطق الخمسة وهذا ما أسر مصطفى بن بوعليد عندما سمع الأخبار عن طريق المذياع صباح يوم الإثنين أول نوفمبر 1954 يوم الإثنين الذي يصادف ميلاد محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، فقال مصطفى بن بولعيد وهو يهتز بالفرح الثورة ناجحة كانت شاملة وعامة في ربوع الوطن حتي ولو كانت العمليات فيها بأبسط الوسائل والطرق لتنفيذ خطة الثورة، فإن ثورة نوفمبر العظيمة إمتازات بسرية تامة والدليل على ذلك أن الاستعمار لم يتفطن لها رغم قدرة مصالح المخابرات والأمن. من معارك الثورة جيش التحير الجزائري معجزة معركة الجرف عام 1956 ثمانية أيام للشهادة والنصر بأوراس النمامشة الجيش الاستعماري يفقد20 طائرة و700 قتيل عندما ينتصر الحق يتهاوى الباطل وتخونه الحيلة، وعندما يصدق المجاهد في طلب الشهادة، يكتب له النصر والحياة معا، فينال أجر الشهيد وغبطة النصر المبين. ثور نوفمبر بسنواتها السبع، ويومياتها التي أمتزج فيها الألم بالأمل والنصر بالشهادة، هي أعظم من أن توصف معاركها بلسان القلم، ولاينقل بصدق مفاخرها وبعض البلاء الحسن لأبطالها إلا من عاش الحدث وكان في ساحة الوغي، ولاعجب أن إيمان المجاهدين جندا وقادة لأن لصلابته الحديد والنار، وتقهقرت لعزمهم غطرسة جيس الإستعمار المدجج بأحدث أسلحة الفتك والدمار في أكثر من واقعة، ومنها موقعة الجرف التي جرت بمنطقة وإن كانت جبلية إلا أنها جرداء عارية ليس فيها مايقي حتى الطير من حر الصيف أو برد الشتاء، ورغم ذلك فقد إحتضنت هذه الأرض الطيبة المجاهدين ومازالت تحمل في أديمها وفي هوائها ونسيمها رائحة الحب وحرارة الدم الذي ضمخ أخاديد وتضاريس قلعة الجرف الطاهرة. فرق كبير جدا بين أن تسمع عن وصف معركة وبين أن تقف على أرضها وتسمع أحاديث الواقعة من أهلها الذين يروونها كأنها وقعت منذ قليل فقط. المنظمة الوطنية للمجاهدين بتبسة أصدرت كتيبا بمناسبة مرور 33 سنة على وقوع معركة الجرف وكان مجاهدو تبسة ومواطنوها خير من يحكي عن المعركة وخير من تيذكرها، وقد جاء الكتيب بمعلومات ضافية ووافية عنها ربما لم تتوفر من قبل، وأمانة للتاريخ ننقلها كما صدرت عن مجاهدي وسكان المنطقة، وكما نشرتها منظمة المجاهدين بتبسة في كتيبها المذكور مع بعض التعديلات والتحويلات التي تقتضيها طريقة العرض الصحفي، ولاننسى أن ننوع بهذه المبادرة المحمودة التي أقدمت عليها منظمة المجاهدين لولاية تبسة في التعريف والتاريخ لإحدى أعظم معارك ثورة التحرير الكبرى، والتي من خلالها أدرك الإستعمار البغيض أنه لإبقاء له في أرض ثارت عليه بما عليها وبمن فيها، ونتمنى أن تكرر مثل هذه المبادرات لكتابة تاريخ ووقائع ثورة أول نوفمبر المجيدة، فلماذا لايكتب وينتقل التاريخ ممن صنعوه أو عاشوه وعاصروه؟ المعركة في يومها الأول 22 /09/1955 في فجر يوم 22/09/1955 دخلت القوات الفرنسية فيإشتباك مع وحدات المجاهدين الموجودة بقلعة الجرف فبدأت بقصف مدعفي مكثف كتمهيد لوحداتها، على جبهات ثلاث (شرقية وشمالية وجنوبية) ثم تقدمت كتيبية دبابات يتبعها فيلق مشاة من اللفيف الأجنبي بإتجاه المدخل الشمالي لقلعقة الجرف، وبإقترابها من المدخل بادر المجاهدون بالهجوم وتم إحراق الدبابتين الأماميتين وعطب أربعة أخرين، والحقت خسائر فادحة بالقوات الإستعمارية بحيث لم ينج من فيلق المشاة إلا قليل. وفي الجولة الأولى من التلاحم تقهقرت قوات الإستعمار، وغنم المجاهدون كميات هائلة من الأسلحة الأتوماتيكية، كما ردت القوات الإستعمارية من الجنوب والشمال، خائبة وغنم المجاهدون كميات أخرى من الأسلحة الأتوماتيكية الحفيفة، وتم عطب 18 شاحنة وإحراق البعض منها بالجهة الشمالية. وهكذا تقهقرت القوات الإستعمارية في هذه الجولة، لتعاود الكرةب أسراب من الطيران المقاتل، مركزة قصفقها على موقع الجرف ب حيث أن المشاهد من الناحية الشرقية(بألدرمون) أو بناحية »السطح« يرى بعينه المجردة كومة الدخان وهي تعلو السماء، وتواصل القصف المكثف حوالي نصف ساعة ثم حاولت القوات الإستعمارية التقدم على الجبهات الثلاث فنشبت المعركة على أشدها بين الجانبين لمدة ثلاث ساعات متتالية، وضربت القوات الإستعمارية من الخلف على الجبهات الثلاث، فسادها إرتباك وذعر مخيف ، وقد حاولت التخلص من الهجومات الخلفية بإدخال سلاح المدفعية في المعركة، لكنه لم يجد نفعا نتيجة تقارب مواقع الطرفين، وتواصلت المعركة في اليوم الأول وحاولت القوات الفرنسية نجدة قواتها وتعزيزها عن طريق الإمدادات المتلاحقة فأصبحت المعركة على جبهات متعددة، جبهة المجاهدين بموقع الجرف، هجوم إستعماري مقابل، وحدات من المجاهدين تطوق القوات الإستعمارية المشتبكة مع الجبهة الأولى إشتباك ثاني لصد نجدات العدو المتلاحقة وإستمر الوضع على هذا المنوال، ولما غابت الشمس وخيم الظلام الدامس تقدمت وحدات المجاهدين لأحكام الحصار على القوات الإستعمارية قبل القضاء عليها تماما،و وغنم أسلحة أتوماتيكية معتبرة وكميات هائلة من الذاخيرة ومدفعين (بازوكا) وجهاز إرسال وإستقبال لاسلكي. مواجهات اليوم الثاني 23/09/1955 في الصباح الباكر بدأت القوات الإستعمارية قصفها المدفعى الطويل المدى بناحية »الدرمون« شرقا والبطاريات الثانية من »السطح« غربا، وبمجموعة بطاريات أخرى تمركزت شرق »رأس العش« وعلى إثر هذا القصف الطويل المدى بدأت القصف بمدعية الهاون لتغعطية تقدمها نحو مرابطي القلعة »المجاهدون) وحينها إشتعلت المعركة وتواصلت اليوم كله، ورغم نجدات العدو المتلاخقة الواحدة تلوى الأخرى، إلا أن العدو لم يستطيع الإقتاب من موقع الحرب (مقر الإدارة). في مساء هذا اليوم قدمت نجدات من المجاهدين لفك الحصار عن إخوانهم فإشتعلت النيران بين الطرفين من جديد، ولم يفلت من قواته إلا القليل ممن فروا بدون سلاح. ولما يئست القوات الإستعمارية من عدم جدوى نجدات قواتها لجأت الى القصف بالمدفعية ليلا، فطبقت المثل اليهودي القائل»علي وعليكم«. وقائع اليوم الثالث في فجر مبكر حاولت القوات الإستعمارية التقدم على جبهات ثلاث تحت غطاء قصف المدافعية والهاونات، ومع بزوغ الشمس إقتربت قوات العدو من مواقع المجاهدين فإشتعلت النيران بين الطرفين على أشدها لمدة أربع ساعات، ولم تستطيع التقدم، وإضطرت إلى التقهقر خلف منطقة العلميات بقليل ، بدأت هجوما جويا بواسطة أسراب الطائرات المتوالية (يحتوي السرب على 12 طائرة مقنبلة) فأغارت بشكل مكثف علي الجبهة الجنوبية لمنطقة المعارك، وبعد إسقاط طائرة إستطلاعية من طرف المجاهدين إنتقل القصف الى الجبهة الجنوبية، وقد تصدى المجاهدون للسلاح الجوي وأسقطوا طائرتين مقاتلتين بمنطقة العلميات، مما حعل الموقف يتغير بعد سقوط الطائرات الثلاث، ووصلت نجدات جوية مكثفة غطت كامل منطقة العمليات المتربعة على أكثر من أربعين كلم2. إبتعد سلاح الجو عن موقع الجرف في نقبلته على سلسلة وادي »مسحاله، ووادي هلال والبياضة، وجبل العلق«، وتدخل سلاح المدفعية والهاونات بقصفه موقع الجرف كخطة تمهيدية وتغطية بتقدم قوات العدو التي واجهتها نيران المجاهدين لمدة أكثر من ساعتين متتاليتين وأجبرتها على التقهقر تاركة وراءها في الجبعة الشرقية دبابتين وثلاث مصفحات تشتعل نارا، ومنها عربة القيادة التي فر منها قائد العمليات الذي تم القضاء عليه على بعد حوالي 80 متر منها، وهكذا فشلت القوات الإستعمارية في تقدمها وفي قصفها الجوي بالمدفعية الطويلة المدى والهاونات وسجلت إنهزامها للمرة الثالثة في المعارك وقد أصابتها إنتكاسة معنوية شديدة، بالإضافة الى الخسائر المادية ومنها: ثلاث طائرات (إثنتان قتالية وواحدة إستطلاعية) دبابتين، وثلاثة مزنجرات، وغنم كميات هائلة من الأسلحة الخفيفة الأتوماتيكية، وكميات معتبرة من الخراطيس، بقيت جثث العساكر في ساحة المعركة. أحداث اليوم الرابع في هذا اليوم وفي الصباح الباكر حاولت القوات الإستعمارية التقدم تحت مظلة قصف المدفعية والهاونات على الجبهات الثلاث إلا أنها أصطدمت بوحدات من المجاهدين المتقدمة التي تم توزيعها وأحذت أماكنها ليلا، وبذلك وقعت القوات الإستعمارية في فخ لم تكن تتوقعه ومنيت على الجبهات الثلاث بخسائر كبيرة تعد بالمئات من القتلى والجرحى. وقد أصيبت القيادة الإستعمارية بذهول وبدأ زمام الأمور يفلت من يدها، وسادها الإرتباك وبعد الكر والفر لوحدات المجاهدين في اللحظات الحاسمة، تدخلت مدفعيةج العدو بقصفها المكثصف في منطقة العلميات وخارجها كما تدخل سلاح الجو بالقصف المركز على الجبهة الجنوبية موسعا قصفه الى »حليق الذيب ومسحالة، ووادي هلال أم الكماكم« فركز قصفه على منطقة (جبل البطنة الواقعة غرب وادي هلال وأعالي جبل أم الرجمة والبياضة)، بعدها إكتشف العدو تحرك وحدات المجاهدين بهذه المنطقة، تبعا لتقدير الموقف من طرف قيادة المجاهدين، وأثناد تقدم قوات العدو صوب قلعة الجرف وقع الإصطدام وأجبر العدو على التوقف والتقهقر تاركا جثث قتلاة بمشارف قعلة الجرف ملقية على الأرض وبجانبها أسلحتها ومعداتها الذاتية. شاهد المراقبون من المجاهدين الملكفين بالإتصال والأخبار إرتباكا شديدا في صفوف تجمعات القوات الإستعمارية برية وفي قوافل متلاحقة من البغال محملة بالأسلحة والدخيرة جمعت بمنطقة التجمع الجنوبية بالقرب من مركز (رأس العش) وحينها قررت القيادة الثورية إرسال ثلاث مجموعات الدو المتوجدة شقر مركز (رأس العش) فالحقت بها خسائر وأصباها الرعب والإرتباك في صفوفها وإستدراجها الى نواحي (جبال الزرقاء وفم المشرع، وأم الكماكم، وقرن العش) للدخول في الفخ المنصوب لها للقضاء عليها، وشل حركتها، وقد نفذت الخطة في مساء اليوم الرابع للمعركة وكانت ناجحة وموفقة، وقد تم توزيع وحدات المجاهدين ليلا وأخذوا مواقفهم إستعدادا لليوم الخامس للمعركة، وأرسلت درويات إنتخارية لكشف مدى قوة العدو في مراكز تجمعات على الجبهات الأربع المحيطة بمنطقة الجرف، والإتصال بوحدات المجاهدين في الخلف وبالدوريات العاملة لتأمين الخطوط(بخناق الأكحل، وجبال كيمل أريس) لطلب نجدات المجاهدين وتأهبها لتنفيذ الخطة المتفق عليها حسب تقرير الموقف، وقد وصلت معلومات تفيذ بأنق وات إستعمارية كبيرة جدا قدمت من باتنة وتلاغمة، وسطيف وبريكة، وبوسعادة وبسكرة، تمركزت على طول الخط الفاصل بين جبال أوراس وجبال النمامشة وضربت حصارا على طول خط وادي عبدي ووادي العرب بهدف قطع الإتصال بين وحدات المجاهدين. اليوم الخامس في الصباح الباكر قامت القوات الإستعمارية بقصف مدفعي مركز على منطقة الجرف وقمم الجبال المجاورة على فترات ثلاث متتالية تبعها قصف جوي شاكل غطى كمل منطقة العمليات والمناطق المجاورة (مايربو على 40 كلم2) إلتزم المجاهدون خلاله أما كنهم وحوالي العاشرة صباحا حاولت القوات الإستعمارية التقدم من الجبهات الثلاث واحدثت جبهة رابعة من الناحية الغربية، وبمجرد ما أن إقتربت من واقع المجاهدين إستبكوا معها إستباكا عنيفا أجبر العدو على التقهقر تاركا وراءه جثث قتلاة وكلابه التي ضلت سبيلها وإرتفع عويلها، بالإضافة الى الجرحى الكثيرين الذين لم تستطيع القوات الإستعمارية حملهم، وتلقت بهذا القوات الإستعمارية هزيمة أخرى زادت في عزيمة المجاهدين رغم إستشهاد العديد من الهشداء والجرحى الذين نقلوا الى المراكز المعدة للعلاج ال أولي ودفن الشهداء. اليوم السادس للمعركة في هذا اليوم وكعادتها لجأت القوات الإستعمارية الى بدء معركتها اليائسة بالقصف المذعى المركز على منطقة قلعة الجرف في فترات متلاحقة ولإعطاء فرصة لتقدم وحداتها عبر الجهبات الأربع، ثم تلاه القصف بقطع الهاون لتغطية تقدم العدو المدعم بالدبابات وفيالق اللفيف الأجنبي وكلاب التفتيش، ضنا من قادة العدو أنهم سيجون جثث المجاهدين، ولكن بمجر إقترابهم من خطوط دفاع المجاهدين فوجئوا بوابل من النيران المسددة بإحكام حيث لم يفلت منها عساكر العدو كلابه، وحاولت القوات الإستعمارية بكل مالها من قوة أن تتقدم ففشلت ، وإنكسرت في الجبهات الأربع وإضطرات الى الإنسحاب الى مراكز تجمعاتها الخلفية التي سادها إرتباك كبير ، وقد تكبدت خسائر باهضة بمئات من القتلى والجرحى وتحطيم دبابابتين وقتل ما يزيد عن 50 بغلا محملا بالسلاح والذخيرة. وفي المقابل فقد إستشهد العديد من المجاهدين وجرح عدد آهر منهم وبات واضحا أن الأمر لامحالة سيحسم لصالح المجاهدين الأبطال، الذين ضربوا مثالا رائعا في الصمود والصبر والصلابة رغم المعاناة وآلة الحرب الإستعمارية الجهنمية وعساكرها. اليوم السابع للمعرك منذ بزوغ ضياء اليوم بدأ العدو كعادته المركز ب المدفعية الطويلة المدى على قلعة الجرف والمناطق المجاورة لمنطقة العلميات ثم قام سلاحه الجوي بقنبلة منطقة الجرب بأسراب متتابعة ومتلاحقة(2 طائرة تليها 12 طائرة مقنبلة)، دام القصف الجوى حوالي نصف ساعة وبعده حاولت القوات الإستعمارية التقدم على الجبهات الأربع بالمشاة المعززة بقصف مدافع الهاون تمهيدا لتقدم جيوشها المرابطون بمنطقة العمليات تركوا القوات الإستعمارية تتقدم أكثر فأكثر تنفيذا للخطة الثورية لحرب العصابات وذلك قبل الإشتباك معها، وبتوظف المجاهدين تكتيك مرونة الحركة معرفتهم بمسالك ومنعرجات التضاريس الجبلية أصبحت القوات الإستعمارية محاصرة بوحدات المجاهدين الخلفية وشددت الخناق عليها في المواجهات الأربع مما سهل القضاء عليها وإلحاق الخسائر الكبيرة بأفرادها، وغنم كميات معتبرة من الأسلحة الأتوماتيكية الخفيفة والرشاشا الثقيلة والذخيرة، بحيث صعب على المجاهدين حملها جميعا فآضطروا الى إخفائها في مخابئ ريثما تحين فرصة نقلها الى مر اكز وقواعد جيش التحرير الوطني، ولم ينج إلا القليل والقليل جدا من القوات المتقدمة »الإستعمكارية « التي أقحمها قادة الإستعمار الذين كانوا يظنون أنهم بإمكانهم القضاء على المجاهدين في صبيحة اليوم الأول ويمثل جثث البعض منهم في الشوارع الرئيسية من المدن كعادتهم وذلك تكتمل نشوة الغطرسة الإستعمارية، إلا أنا إنكسرت شر إنكسار في الجبهات الأربع وقد فاز بالشهادة عدد من المجاهدين وأصيب عدد آخر بجراح متفاوتة، بعدما أيقنوا أن النصر لهم. يوم الحسم في وقت مبكمر بدأت القوات الإستعمارية القصف على موقع الجرف وقصف ثان تمهيدي لعزل المنطقة كخطة جديدة للدخول بكل قوة الى موقع الجرف ثم بدأت الهجوم بفيالق من اللفيف الأجنبي المدعم بالدبابات بالقرب من المرابطين بقلعة الجرف، فأشتدت المعركة بين الطرفين كاليوم الأول للمعركة، وتوصل الهجوم أكثر من خمس ساعات والنيران مشتعلة، وجثث عساكر العدو من اللفيف الأجنبي تتساقط وخبراء الحرب القادمون من الهند الصينية يتقدمون بقواتهم الى الأمام... ووحدات المجاهدين التي كانت تتعزز فتحت نيرانها من خلف اقوات العدو التي فوجئت بحصار مضروب عليها فحاولت التراجع والتقهقر للخلف فلم تفلح ، فتهاوت أمام ضاربت المقاومة، عبر الجبهات الأربع فإنتصر المجاهدون إنتصارا باهرا إعتبروا نصرا من ربهم لنصر قضيتهم، ولم ينج من قوات العدو إلا القليل فروا مذعرون مذهولين نتيجة الصدمة التي أصابتهم بسبب الهزيمة في المعركة التي دامت ثمانية أيام بلياليها وبسبب خسائر اليوم الثامن التي كانت 12 دبابة وعشرات القتلى والجري. مناورات الجيش الاستعماري طيلة عمر معركة الجرف قام العدو قبل الغروب بسحب وحدات كثيرة من مراكز تجمعاته بالجبهة ونقلها في إتجاه الشريعة وبئر العاتر، وهذه الحركة جعلت قيادة الثورة تتوقع إحتمالين إثنين. * الأول أن هذا الإنسحاب هو خطة مبيتة من العدو للإنقضاض من جديد على مواقع المجاهدين في اليوم الموالى وهو 30/09/1955. والإحتمال الثاني هو إندحار العدو الذي ذاق مرارة الهزيمة مما جعله ينسحب بعدما خاب أمله في النصر. وهذا ماكان بالفعل بعد دراسة التقرير الإستطلاعي والتأكد من قائمة الشهداء والجرحى وعملية الإخلاء، قررت القيادة في المساء إنسحاب جزء من مجموعات المجاهدين والقادة. وقررت القيادة إبقاء القائد شيحاني وجماعته بداخل الملجأ لمدة بعينة، كما أبقت مجموعات من الجرحى والمعطوبين العاجزين على التحرك بمنطقة الجرف بعدما زودوا بأسلحة أوتوماتيكية وكميات هائلة من الذخيرة وقنابل يدوية لإستعمالها عند الضرورة (هذه الأسلحة من الغنائم) كما زودوا بالغذاء وطلب منهمعدم السماح بالقبض عليه أحياء ، وقد مكث المجاهدون والمعطوبون والقائد شيحاني بالقلعة خلال 06 أيام متتالية ولم تستطيع القوات الإستعمارية التوغل بداخل الوادي للإقتراب من قلعة الجرف ومشاهدة ملاجئ القادة التي تحيط بها صخور كبيرة وفي الأخير تمكن القائد شيحاني بشير المعتصم بالملجأ غرب وادي مسالحة الى مقر القيادة وتوقف بمركز القلعة قبل أن يتصل بدورية من المجاهدين كانت عائدة من مقر القيادة بخناق الأكحل للإلنحاق بمقر ناحية الشريعة وقامت بمساعدته على الوصول الى مركز العلق بعد جهد ومستقة. وبالرغم من آلام التعب والمشقة البادية على وجهه إلا أن خبر دخول قضية الجزائر منبر الأمم المتحدة أنستهم كل المتاعب إذ سجلت يومها قضية الجزائر في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد من 15 دولة من الدول الأفروآسيوية الجنرال بوفر قائد الفرقة الثانية للمشاة بالجيش الإستعماري. . (تجابة قواتنا أعتف عمليات هحومجي تصدت لها عمليات التمشيط والتطهير في قلعة الجرب بجبال أوراس النمامشة جبل قاحل مجدب وكنود، والمرابطون به أشداء كالصخور التي لاتنفتت). شيحاني بشير قائد المعركة (نصرنا محقق لامحالة، ومعارك الجرف يخلدها تاريخ الأمة الجزائرية وإنتصارنا فيها يعتبر أكبر درس لفرنسا يذكرها بهزائمها في معارك الهند الصينية). وبعد أن توقف القائد يومين للراحة تحت حماية وحدات من المجاهدين بقيادة عباد الزين وعون عمر قرر الإلتحاق ببقية القيادة بالخناق، حيث وصلها في يوم 12/01/1955 وسجلت الفرحة الكبرى بالإنتصار و الإلتحاق القائد بها، ثم وقع إجتماع مصغر للقادة تم فيه دراسة نتائج المعركة وماترتب عنها من إيجابيات وسلبيات، وتم تعيين قائد لمنطقة سوق أهراس، وقائد لناحية جبال بنى صالح. وقائد لمنطقة سدراتة لتدعيم القادة الأوائل المتوجدون بتلك المناطق وبعد ذلك واصلت القيادة وجهتها من الخناق إلى جبال وغابات كيمتل وأريس إستعدادا لخوض مارك أخرى حتى النصر. في نهاية الأسبوع الأخير من سيبتمبر تم توجيه القادة المعينين للإلتحاق بمناطقهم لمواصلة العمل الثوري في ربوع المنطقة الأولى أوراس النمامشة، ويذكر هؤلاء القادة وغيرهم أنهم رأووا في حياتهم كثيرا من الرجال الشجعان ولكن قليل منهم من جمع بين الشجاعة وعبقرية التنظيم والقدرة على جمع مئات من الرجال حولهم، وقيادتهم للمعركة والخروج منها ظافرا كشيحاني بشير المدعو (سي مسعود) الذي جمع بين الشجاعة والشخصية والمهارة التنطيمية وكان رحمه الله بسيطا في مظهره إنسانيا في معاملته، وبفضله وحسن تدبيره إستطاع المجاهدون الخروج من المعركة منتصرين رغم كل المصاعب وتمكنوا من سكر شوكة الإستعمار وأعطوا بذلك دفع قويا للثورة، فهؤلاء الأبطال قد كتبوا بالسلاح شيئا في تاريخ جزائر الثورة بعد أن أنزلوا ضربات موجعة بجحافل الإستعمار القادمة من الهند الص ينية وأحبطوا المخططات الجمهنمية، فأمام صلابة المجاهدين وإيمانهم بقضيتهم المصيرية تحطمت جحافل العود لأنها إصطدمت بصهرة صلداء لايؤثر فيها الحديد والنار، وتعد معركة الجرف حدثات فاصلا في تاريخ الثورة التحريرية ووقعة حاسمة بدلت مسار الثورة ضد الإستعمار الفرنسي بشكل جذري جعل المؤرخين يصنفون الأحداث التي شهدتها منطقة أوراس النمامشة حسب قترتين. الأولى: أحداق وقعت قبل الجرف تمثلت في المعارك والكمائن والهجومات وأفعال التخريب بكامل مدن وقرى الناحية. الثانية : أحداث وقعت إنطلاقا من معركة الجرف التي فرضت تحولا نوعيا في موازين القرى ودفعت بالثورة المقاومة للأستعمار الإستيطاني البغيض الى خط متصاعد يختلف تماما على الخط الذي حكم المقاومة الثورية في مراحلها الأولى، أن معركة الجرف كسرت الآلة العسكرية للجيش المستعمر، القادم من الخرب الصينية المقدر ب 50 ألف عكسري مدعما بقوات الحلف الأطلسي بما لها من إمكانيات حديثة كان لها صدي كبيرا مما جعل القائد زيغود يوسف يشن هجومات موسعة عبر كامل تراب المنطقة الثانية(الشمال القسنطيني) للضرب بقوة كل مراكز العدو أينما كانت كخطة أولية لوقف وشل نجدات العدو المتجهة نحو الجرف. كما أشرنا سابقا فإن معنويات العدو إبتداء من اليوم الثاني للمعركة بدأت في الإنهيار، فكان الجندي الفرنسي يقاتل عن غير أمل في النصر وكثيرا ما يحاول التنصل من القتال، حفاظا على حياتهم وبذلك إنخفظت معنويات العدو الى درجة خطيرة مما رجح كفلة المجاهدين وعلى مدى أسبوع عن المارك وقد تجلت بذلك صلابة وإرادة المجاهدين وإيمانهم بعدالة قضيتهم وهو ماجعل المجاهدين يسجلون أروع صفحات البطولة والنصر، وقد بلغ صدى المعركة المحافل الدولية أثناء إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة مما عزز ال 15 دولة الأفروآسيوية والتي سبق لها في مؤتمر باندونغ الرتفاق على جدولة القضية الجزائرية في جمعية الأمم بكل إعتزاز وفخر وبذلك فندت المزاعم الإستعمارية في قوله »كمشة من الفلاڤة« كما أحفقت كل المحاولات الإستعمارية في قوله في مساومات التفاوض منطرف الجنرال بيجار ممثل السلطة الإستعمارية. نتائج معركة الجرف بدء المعركة من 22 / 09 إلى 29/09/1955 ثم مواصلة فك الحصار الى يوم 06/10/1955 خصائر العدو البشرية 600 700 إصابة الطيران 20 بين الإصابة والعطب والإسقاط الدباب 10 مونجرات 30 شاحنات 60 أسلحة 150 ذخيرة حمولات 20 بغلا لاسلكيات 2 جهاز المواشي 100 بين إبل وبغال * مائر المجادين الشهداء مايقرب من 170 الجرحى 40 50 الأسلحة 05 قطع التموين كميات كبيرة الألبسة كمية كبيرة أحرقت * المجاز الشعبية الضحايا المدنيون 100 خسائر في الحيوانات مئات القطيع حرق المنازل أكثر من 30 مشتة ودوار نهب الحيوانات 5000 رأس من الإبل والغنم والبقر الكلمة التي قالها قائد المنطقة الخامسة الذي تم القبض عليه من طرق السلطات الإستعمارية التي حاكمته عسكريا على يد جلادي الشعوب المضطهدة كلمته »يكفي الجزائر فخرا وإعتزازا بأنها لقن فرنسا الدرس الذي لاتنسافه في معركة الجرف، الجزائر مستعدة بأبنائها لتلقين فرنسا المزيد من الدروس الى أن يتحصل الى إستقالها التام غير المشروط«،. وصدق الله العظيم إط يقول (رجال صدقو ماعاهدوا اللّه عليه. فمنهم من قضي نحبه ومنهم مينتظر ومابدلوا تبديلا) صدق الله العظيم . ردود افعال السلطة الاستعمارية الفرنسية تجاه الثورة الجزائرية رئيس الحكومة بيير منديس" ليس هناك إنفصال ممكن للجزائر عن فرنسا." وزير الداخلي الفرنسي فرنسوا ميتران " الجزائر مقاطعة فرنسية وجزا لا يتجزأ من فرنسا.. المفاوضات مع هذا البلد ستكون الحرب،." مدرسة جان درك بسكيكدة لتلقين إغتصاب النساء وإستعمال الكهرباء في الأماكن الحساسة المخابؤات الاستعمارية جنت جماعة بلونيس لاختراق جيش التحرير القاضي جان بيرار مبعوث فرانسوا ميتيران وزير العدل لدى ماسوبالجزائر صرح رئيس الحكومة بيير منديس في البرلمان الفرنسي ردا على بعض النواب الجزائريين الذين طالبوه بقمع تمرد المجاهدين وتحقيق الإندماج بسرعة "لا تخافوا، إنّ الأمة لن تسمح لأحد بازن يخاطر بوحدتها، وليس هناك إنفصال ممكن للجزائر عن فرنسا... وسنضرب بشدة، وبعد عودة الأمن سنزيل البؤس على الجزائريين ...الدولة المصرية أنّها وراء ذلك، وفي تصريح آخري قال " هناك مواطنون شنوا حربا على وطنهم ولكن الشعب لم يتبعهم، وقد إتخذنا الإجراءات الصارمة التي يقتضيها الموقف، وأعددنا وجندا جميع الإمكانيات حتى تتغلب قوة الأمة ". أما وزير الداخلي الفرنسي فرنسوا ميتران فقال "إذا كنّا نقبل الحوار مع الوطنيين في البلدين المحميين المغرب وتونس، فإن ذلك غير ممكن مع الجزائر، التي هي مقاطعة فرنسية وجزا لا يتجزأ من فرنسا، وكل الذين يتظاهرون بشيء ضد سلامة الأمة ووحدتها سيتعرضون لصرامة القانون. إنّ المفاوضات مع هذا البلد في هذه الحال ستكون الحرب، إذ لا يمكن أن تكون هناك محادثات بين البلدي في هذه الحال ستكون الحرب، إذ لا يمكن أن تكون هناك محادثات بين الدولة والعصابات المتمردة لاتي تريد الحلول محلها ". مدرسة جان درك بسكيكدة لتلقين إغتصاب النساء وإستعمال الكهرباء في الأماكن الحساسة ومن هذا المنطلق عملت السلطات الاستعمارية الفرنسية كلّ ما في وسعها لإفشالها والقضاء عليها، فشرعت في مصادرة الصحف الوطنية والقبض على المناضلين والمتعاطفين مع الثورة وكلّ شخص مشبوه فيه وزجت بالآلاف من الجزائريين في السجون والمعتقلات ومراكز التعذيب التي إنتشرت في مختلف أنحاء البلاد وتفننت في التنكيل بهم وتعذيبهم، ولهذا الغرض أسست مدرسة بسكيكدة إسمها جان درك يعلم فيها الضباط كيفية الحصول على المعلومات من الثوار بإستعمال شتي فنون التعيب النفسي والجسمي. كإغتصاب النساء وإستعمال الكهرباء في الأماكن الحساسة من الجسم والإحراق بالسجائر والغطس في الماء والتجويع والتعرض لنهش الكلاب وتسليط الأضواء الكاشفة على العينين والتعليق لمدة ساعات من اليدين أو الرجلين، وقد وجدوا شهوة ولذة في هذا العمل الإجرامي الذي إستشهد على أثره الكثير من المجاهدين، وهذه شهادة أحد الضباط الفرنسيين في رسالة كتبها إلى صديقه بفرنسا يوم 06 جوان 1956 م» صديق جون .، إني لم أشعر بالنفور والكراهية في حياتي كما شعرت بها هذه المرة أمام أعمالنا الوحشية، إنّ النازيين الألمان يعتبرون أطفالا صغار بالقياس لنا. فقد شهادت المكتب الثاني لجنود المظلات كيف يتسجوب المعتلقين، إنهم يعذبون طوال النهار إلى أن يدلوا بمعلوماتهم. ويستعملون معهم التعذيب بالماء إلى أن يخرج الماء من جميع نواحي الجسم، ثم يربط الجنود أيدي المساجين وراء ظهورهم ثم يعلقونهم في الفضاء من أيديهم حتى تتمدد المفاضل ثم يوجمعونهم ضربا. وزيادة علي هذا يستعمل الكهرباء في تعذيب المساجين بوضع سلك كهربائي في العضو الجنسي والسلك الآخر في الرأس ثم يمرر التيار الكهربائي في دفعات متتالية، وتنتهي العملية أخيرا بإثبات سكين في الشهر المخابؤات الاستعمارية جنت جماعة بلونيس لاختراق جيش التحرير ، ولما فشلت خطط الإستعمار في ملاحقة الثوار والقضاء عليهم بادر جنرالات فرنسا في محاولة إثارة مختلف التيارات الوطنية بعضها ضد بعض أملا في أن تتولى بصورة أو بأخرى إحباط طريق الكفاح المسلح، فجندت الخونة من الحركة لمساعدتهم في مهمتهم التدميرية، وسحلت جماعة بلونيس المنتمية للحركة الوطنية الجزائرية الموالية لمصالي الحاج وأرسلتهم إبتداء من عام 1955 م للجبال لمواجهة جيش التحرير، ولكن هذا الأخير تمكن من القضاء على بلونيس وجماعته إلى غري رجعة، كما سجلت بعض الجزائريين وبعثتهم ليندسو في صفوف جيش التحرير للقيام بأعمال إجرامية ضد الشعب الجزائري وينسبونها الي جيش التحرير، إلا أنّ هذه العملية باءت بالفشل لأن الأشخاص المبعوثون أبلغوا قادة الجيش بالخطة، ولإعطاء صبغة شرعية لهذه الأعمال الوحشية عمدت حكومة إدغار فور إلى إصدار قانون الطوارئ الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي يوم 03 أفريل 1955 ومنح بموجبه السلطات العسكرية الضوء الأخضر لخنق أي صوت يساند ثورة نوفمبر، ولم يقف الإستعمار الفرنسي عند هذا الحد بل أعدم الكثير من المجاهدين في سجون سركاجي والحراش ولمبيز، وأول شهيد نفذ فيه حكم الإعدام هو زبانة أحمد يوم 19 جوان1956م على الساعة الرابعة صباحا، وهذا دون أن ننسى المفقودين الذين إحتطفوا من منازلهم دون أن يعرف عليهم أي خبر إلى يومنا. ولتوسيع نظاق حربها الإبادية ضد الشعب الجزائري إستعمل الضباط الفرنسيون خبراتهم المكتسبة في حرب الفيتنام التي إنهزموا أثناءها في معركة ديان بيان فو، فقام الجيش الفرنسي بعملايت تمشيط واسعة النطاق تدخل ضمن مخطط شال بقصف الجبال والقرى الحساسة بالطيران والمدفعية بقنابل ممنوعة دوليا والقتل الجماعي وإنتهاك الحرمات بإغتصاب النساء وتطبيق سياسة الأرض المحروقة، بحرق الغابات بوصفها ملجأ للمجاهدين وتطبيق مبدأ المسؤولية الجماعية الذي يقضي بمعقابة كل سكان القرية في حالة التعاون مع المجاهدين أو إلحاق ضرر بمصالح العدو، وتكون منطقتهم مسرحا للمعارك، وهذه شهادة على سبيل المثال للكاتبين دومينيك داريو وفيليب فينيو في كتابهما الجزائريون في حرب "حدث يوما ما أن شيخا عمره ستون سنة، كان يرافقه حفيده إبن أثنى عشرة سنة، فجأتهما دورية من المظليين كانت قتوم بعلمية تمشيط للنطقة فإحتطفت الطفل، أما الشيخ فقد أعدم بالرصاص، بعد أن كسرت ذ راعاه ورجلاه بعصا غليظة لا لسبب إلا لأنه جزائري ". 882.820 جندي استعماري الى غاية 1960 عندما عجز الجيش الفرنسي عن القضاء على الثورة في عامها الأول ، إتخذت الحكومة الفرنسية قرارا يوم 23 أوت 1955م بإستدعاء الجنود الإحتياطيين فمن من 70000 جندي عام 1954 إلى 882820 عكسري عام 1960 إضافة إلى العتاد الحربي من طريان ومدفعية ودبابات وقنابل النابلم بتدعيم من الحلف الأطلسي. ولما علم بزن قوة وصمود جيش التحرير تمكن في المساندة الماديةوالمعنوية لأهل البوادي أنشأ المستعمر المناطق المحرمة وقام بعزل سكان الأرياف عن الثورة وأجبرهم في أواحر سنة 1957 م على مغادرة مساكنهم وأراضيهم والرحيل الجماعي، ووضعتهم في محتشدات تحت الحراسة لاتتوفر على أدنى وسائل الحياة محاطة بسياج منه الأسلاك المكهربة لمنعهم من الإتصال بجيش التحرير، عاشوا فيها حياة قاسية بلغ عددهم 2600 ساكن وجمعت حوالي مليون نسمة، إلا أن هذا العمل لم ينقص من عزيمتهم في مساندة الثورة إذ أصبحت هذه المحتشدات مراكزا للمقاومة. ولا يقاف تسرب الجنود والأسلحة من الحدود عمدت إلى وضع حواجز بأسلاك مكهربة أطلق عليها إسم خط موريس وبلغت على الحدود الشرقية 450 كم وعلى الحدود الغربية 750 كم، وأنشأت بالقرب منها مراكز للمرقابة وردارات وزرعت الألغام على طول الخط. ولتعزيز أعمالها الحهنمية أصدرت السلطات الفرنسية يوم 07 جانفي 1957 م قرارا خول بموجبه الجنرال ماسو Massu كلّ الصلاحيات البوليسية والعسكرية وترك له كامل الحرية في مواجهة معركة الجزائر العاصمة إرتكب خلالها أبشع الجرائم المنافية للإنسانية من تعذيب وقمع المظاهرات وإغتيالات بدون تهم وقتل البطل العربي بن مهيد شنقا بعد تعذيبه على يد رجاله في السجن بالجزائر العاصمة بأمر من الحكومة الفرنسية يوم أن ألقي القبض عليه صدفة من طرف جنود بيجار في 15 فيفري 1957 بمدينة الجزائر، وأعلنت السلطات الفرنسية آنذاك بأنه إنتحار وإستلزم سنين من بعد إستقلال الجزائر ليعترف الجنرال بول أو ياريس Paul Oussaresses الذي كان يحمل آنذك رتبة مقدم في كتابه الذي صدر بباريس يوم 3 ماي 2001م تحت عنوان »أجهزة خاصة الجزائر 1955 م 1957 م« بأنه قتل شنقا وهذه مقتطفات مما جاء من كتابه حيث يقول في»الغرفة وبمساعدة رؤسائي كبلنا العربي بن مهيدي ثم شنقناه بكيفية توحي بالإنتحار، ولما تأكدت من وفاته فككت أغلاله ونقلته الي المستشفى قبل إجراء مكالمة هاتفية مع ماسو قائلا له: جنرالي لقد إنتحر بين مهيد وجثمانه في المستشفى وسأتيك بتقرير صباخ غدٍ. القاضي جان بيرار مبعوث فرانسوا ميتيران وزير العدل لدى ماسوبالجزائر أما فيما يخص التعذيب، فإنه كان مسموحا به بل ومطلوبا وفرانسوا ميتيران وزير العدل كان له مبعوث لدى ماسو في شخص القاضي جان بيرار وهو يحمينا وكان على إطلاع كامل بما يجري في الليل. لم أكن أشعر بالحقد ولا بالشفقة كل ما كان ماثلا في ذهني هو أنّني أمام وضع بالغ الإستفحال وتحت يدي شخص متورط بشكل مباشر في عملية إرهابية وكلّ الوسائل مقبولة لإرغامه على الكلام«. ولم يكن بن مهيد الضحية الوحيدة بل قتل أيضا عى يده محامي جبهة التحرير علي بومنجل الذي ألقى من الطابق الأعلى للعمارة بكل برودة هذا نهيك عن لعشرات من الجزائريين المجهولين، وما بول أو ساريس إلا صورة طبق الأصل للجيش الفرنسي لأن أمثاله كانوا بالألاف. وعندما فشلت الأساليب القميعة والحرب الإبادية في إخماد الثورة والتأثير علي نفسية الجزائريين لجأ الإستعمار الفرنسي إلى إغراء الشعب الجزائرب بإصلاحات إقتصادية وإجتماعية لعلها تبعده عن مساندة المجاهدين، وهذا ما بادر به الحاكم العام للجزائر سوستال في محاولته الإصلاحية في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتدعيمها لهذا المنهج ألقي رئيس الجمهورية الفرنسية الجنرال ديغول عام 1958 م خطابا بمدينة قسنطنية وعد فيه بإصلاحات شاملة تتمثل في بناء 20000 مسكنا، وتوفير 40000 منسب شغل، وفتح المدارس لإستيعاب أكبر عدد من الأطفال الجزائريين، ورفع أجور العمال وأنفق علي هذا المشروع أزيد من 200 مليار فرنك فرنسي لإسترجاع السلم، والحقيقة أنّ سياسة الإصلاحات ماهي إلا حل سلمي للمشكل باطنه إجهاض الثورة وعندما لم ينجح ديغول في هذا المسلك بادر إلى المناورات ال سياسية سلم الشجعان وتقرير المصير. ..................................... ردود الفعل الفعل الداخلية والخارجية حول ثورة نوفمبر استفتاءالجنرال ديغول يوم 08 جانفي 1961 م 26 في من الفرنسين كانوا مع تقرير مصير الشعب الجزائري بريطانيا ساندت فرنسا الاستعمارية ودعمتها باسلحة الحلف الاطلسي الأب جوبيك كرلان مواقفه المساندة للثورة الجزائرية كلفته السجن عام1956 بمجرد إندلاع ثورة نوفمبر إستولى الهلع والفزع على أورروبي الجزائر وإعتبروه زلزالا يهدد كيانهم ومصيرهم في هذا البلد وطلوا الحماية من الجيش وحمل السلاح وقمع ثورة نوفمبر، وقد شرعوا فعلا في إعداد الميليشيات وشراء الأسلحة، وهذا رد فعل طبيعي ومتوقعلأنّ المعمرين الأوروبيين منذ الوهلة الأولى لإحتلال الجزائر كانوا أكثر عداوة للشعب الجزائري. من الحكومات الفرنسية التي تعاقبت على الجزائر، وخاصة منهم الإقطاعيون وبقوا على موقفهم هذا إلى يوم الإستقلال، ماعدا القليل جدا منهم يحسبون على عدد الأصابع لا يتجاوزون عشرة أشخاص منهم من دفع حياته ثمن مساندته الفكرية العلنية لثورة الجزائر، وهم أودان Audin وإيفتون Yveton أمّا اليهود رغم جذورهم العميقة في تاريخ الجزائر ورغم الضمانات التي منحتها للأوروبيين وإياهم جبهة التحرير، إلا أنهم وقفوا مع الجهاز الإستعماري وليس هذا فقط، بل تدخلت حتى الدولة الصهونية في شؤون الجزائر بإرسالها لحوالي مائتي شخص من مواطنيها لتدريب وتدعيم المنظمة العسكرية السرية O.A.S في عمليتها الإرهابية المعرقلة لإستقلال الجزائر، لأن الدولة اليهودية كانت تري في إستقلال الجزائر تدعيمها جديدا للشعب الفلسطيني في كفاحه المسلح ضدها. ووقفت كلّ الطبقة السياسية الأوروبية بالجزائر من رؤساء البلديات إلى الحاكم العام موقف عدائيا من ثورة نوفمبر، وبدون البحث عن دوافعها وبواعثها وإيجاد الحلول لها، لجأت إلى البحث عن أسبابها في الخارج فطلب الأوروبيون بخنقها ثم حنقها، وإعتبروا محركييها عبارة عن عصابات إرهابية ولقبوهم بالفلاقة المتعصبين الضالين وهي تريد دمج القضية الجزائرية مع الملف المغربي والتونسي لعرضه على هيئة الأمم المتحدة، والشعب الجزائري ليس معنى بهذه العلميات الإجرامية، وأنّ جميع التدابير الصارمة ستتخذ ضد مرتكيبها، وألقصوا تهمة تحريكها في البداية بمصالي الحاج، وإتهموا مصر والدول الشيوعية بتخريضها. أما الحركة والخونة من الجنس الجزائري أصحاب الإمتيازات أمثال القياد والباشاغات فقد أغرقوا الحكومات الفرنسية ببرقيات الولاء المتعاطفة والمساندة لهم، وإستنكروا ونددوا بهذا العمل الإرهابي مطالبين بقمع مرتكيبها، ويحتجون ضد أي فكرة ترمي إلى فصل الجزائر عن فرنسا، وهذا تصريح النائب الدكتور المعروف إبن جلول مناصر الإندماجية مخطابا السلطات الفرنسية في البرلمان "أرجو أن لا يحلق القمع إلا بالمجرمين، ثم لابد من تحقيق الإندماج تماما وفورا لتصبح الجزائر فرنسية حقيقة وعمليا " أما رجال الدين المسيحي في الجزائر مثل المواطنين الأوروبييين وقف أغلبيتهم إلى جانب الحكومة الفرنسية وطلبوا بقمع الثورة، وأرجع رجال الكنيسة وعلى رأسهم الاردينال دوفالDuval السبب إلى لوضع المأسوي الذي يعيشه الشعب الجزائري، ومع ذلك عترفون بزن فرنسا بذلت جهودا في تحسين مستواهم المعيشي، إلا أنه يجب هنا الوقوف عند الموقف الشجاع المشرف لأب جوبيك كرلان L'abbé Jobic Kerlan ، والذي تعرف عن مأساة الشعب الجزائري بوجوده في الجزائر وإتصاله بصديقه المناضل الشهيب باجي مختار الذي تأثر به، فأبعد منسوق أهراس سنة 1956 م لمواقفه المساندة للثورة الجزائرية والذي كلفته فيما بعد توقيفه ووضعه في السجن. أما الصحافة الأوروبية اليمينية الصادرة في الجزائر أمثال La dépêche Algérienne و écho d'Alger الخ، فأجمعت بصوت واحد على وجوب خنق هذا التمرد ومحاربته بكلّ الوسائل، وطلبت الصحف اليسارية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الجزائري والمعروفة بتلاعبها بالألفاظ أمثال الجزائر جمهورية Alger répubicain بالخبز والعمل لحل مشكل الثورة، وكأنّما الشعب الجزائري ليس لديه كرامة ولا شخصية، ونفس التصريحات صدرت بالصحف الفرنسية اليمينية واليسارية ماعدا أنّها ركزت مثل الطبقة السياسية الفرنسية على التحريض الخارجي من المعسكر الشيوعي وبالأخص مصر. أما المثقفون الفرنسيون فمنهم من وقف ضد ثورة نوفمبر ومنهم من كان له موقف معتدل، ماعدا الفيلسوف الشهور جان بول سرتار الذي أيدي الكفاح التحرير للشعب الجزائري مند بدايته إلى نهايته. أما الشعب الفرنسي فلم يولي إهتماما بثورة نوفمبر عند إنطلاقها لأن معركة كانت بعيدة عنه، ولم يأخذها بجد إلا عند إستدعاء الجنود الإحتياطيين وتمديد مدة الخدمة العسكرية إلى سبعة وعشرين شهرا، وقد تسبب قرار رستدعآء الشبان الإحتياطيين في عدة مظاهرات قاموا بها ضد إستخدامهم في حرب الجزائر، كما حدث يوم 05 سبتمبر 1955 م في محطة مونبارنس ويوم 11 في محطة ليون بباريس، وقد تطور موقفهم بمرور السنين، ففي البداية كان نصف الشعب الفرنسي يؤيد الجزائر فرنسية والقليل منهم من ط الب بالحكم الذاتي والإندماج وهذا حسب صبر الآراء الذي قامت به الصحف الفرنسية، ثم تطور إبتداءً من سنتي 1957 و 1958 م لما شعروا أنّ حرب الجزائر حقيقية، فأيد أغلبيتهم استفتاءالجنرال ديغول يوم 08 جانفي 1961 م 26 في من الفرنسين كانوا مع تقرير مصير الشعب الجزائري إستقلال الجزائر والدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، ولعرفة موقف الفرنسيين من قضية الجزائر نظم الجنرال ديغول يوم 08 جانفي 1961 م إستفتاء صوت فيه الشعب الفرنسي بنسبة 75.26 ٪ لصالح تقرير مصير الشعب الجزائري وعلى الصعيد العالمي بذلت حكومة كلّ من مندس فرانس وغي مولي مجهودات كبيرة لتحسيس الدول الغربية والويات المتحدة للوقوف إلى جانبها في حربها ضد الجزائر، وخوفت أمريكا من المد الشيوعي الذي سيحلق بها إنّ نالت إستقلالها، فوقفت كلّ من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانبها ودعمتها سياسيا في هيئة الأمم المتحدة وعسكريا بمدها أسلحة الحلف الأطلسي، وهذا ما صرح به سفير الولايات المتحدة للصحافة في باريس »أمريكا تؤيد تأييد ا مطلقا السياسة الفرنسية في شمال إفريقيا«.، وهنا تجدر الإشارة للموثق المشرف الذي أبداه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي والذي أصبح فيما بعد سنة 1961 م رئيس الولايات المتحدة ألا وهو جون كنيدي في محاضرته التي ألقها يوم 02 جويلية 1957 م المساندة لحركات التحرر العالمية في آسيا وإفريقيا والتي عالج فيها بالأخص ثورة الجزائر وفضح سياسة فرنسا الإستعمارية، وقال لماذا لا تدافع أمريكا عن الحرية في فريقيا وآسيا؟ فإعتبرت الحكومة الجمهورية الأمريكية هذه المحاضرة بمثابة تشجيع للثوار الجزائريين لأنها كانت ترى أنّ القضية الجزائرية مشكل داخلي لفرنسيا بينما كان رد الفعل الفرنسي شديد اللهجة إتجاه كنيدي. أما الإتحاد السوفياتي فصرح خوربتشوف »أنّ الإتحاد السوفياتي لا يتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وأنّ الحل السليم لهذه القضية يمكن أن يوجد بأن تؤخذ بالإعتبار الحقوق المشروعة والمصالح الوطنية لشعوب الإتحاد الفرنسي«. أمّا المعسكر الشيوعي بإستثناء الصين ويوغوسلافيا التي وقفت في السنين الأول مع الثورة الجزائرية، فإنّ معظم الأنظمة الشيوعية الأخرى لم تعترف بثورة نوفمبر إلا إبتداء من الستينيات أي بعد أن أصبح النصر مؤكدا. كما هددت فرنسا لكل من تسول له نفسه من الدول الأجنبية التدخل في شؤون الجزائر بإعتبارها جزءالايتجزئ منها، وقامتب ضغوطات ديبلوماسية علي الدول العربيةوتهديد إذاعة صوت العرب بالقاهرة، وهذا ما جعل جامعة الدول العربية عند إنطلاق ثورة نوفمبر تتذبب وتتردد في مساندتها لقضية الجزائر، ورغم هذه التهديدات إلا أنّ هناك بعض الشخصيات السياسية العربية ساندت الثورة التحريرية منذ إنطلاق أول رصاصة وعلى رأسهم السوري أجمد الشقيري الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، كما طلب النواب السوريون من حكومة بلدهم بمقاطعة فرنسا إقتصاديا وسياسيا، هذا دون أن ننسى الموقف المشرف للمملكة العربية السعودية التي طلبت من الجامعة العربية منذ الوهلة الأولى أي في يوم 13 ديسمبر 1954 م برفع قضية الجزائر علي هيئة الأمم المتحدة، لكن جامعة الدول العربية التي كان يرأسها وزير خارجية لبنان ألفريد النقاش رفضت هذا الطلب، ولم تبد جاعة الدول العربية تأييدها المطلق للثورة الجزائرية إلا إبتداء من إجتماعها المنعقد يوم 29 مارس عام 1956 م والي إتخذت فيه قرارا شجاعا وبالإجماع جاء فيه مايلي: »لقد قررت جامعة ا الدول العربية أن تؤيد تأييدا كاملا وبدون تحفظ الشعب الجزائري في كفاحه من أجل إسترجاع الإستقلال، وستقدم جميع البلدات العربية الأعضاء مساندتها للشعب الجزائر الأعزل الضعيف بجميع الوسائل التي في إمكانها لمواجهة حرب قاسية شنت عليها بدون أي مبررا« وإبتداء من هذا اليوم بدأت جميع الدول العربية تدعيم الجزائر سياسيا وماديا................