نظم فرع التكوين السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني تحت إشراف عضو أمانة الهيئة التنفيذية عبد الكريم عبادة ندوة فكرية حول »دور المجتمع المدني في ترقية الممارسة الديمقراطية في الجزائر»، حيث تطرق المحاضرون إلى مختلف المفاهيم المحيطة بهذا المصلح الذي يبقى في رأيهم غامضا من حيث أبعاده واتصاله بالممارسة السياسية حتى على مستوى الديمقراطيات الغربية التي كانت مهدا له من خلال مختلف المراحل التاريخية التي أرخت لميلاد المجتمع المدني كطرف في المعادلة مقابل المجتمع السياسي، واقع المجتمع المدني في الدول العربية وإسقاطات أخرى على الجزائر شكلت محورا أساسيا في هذا اللقاء الفكري الذي خاض فيه الأساتذة والمناضلون بإسهاب. ارتكزت الندوة الفكرية التي نشطها العضو القيادي محمد بورزام عشية أول أمس بمقر الحزب حول »دور المجتمع المدني في ترقية الممارسة الديمقراطية في الجزائر« على ثلاث محاور أساسية حاول من خلالها الأساتذة المحاضرون إطلاع المناضلين على مفهوم المجتمع المدني في الفكر الغربي والعربي في محاضرة ألقاها الأستاذ مهناس مصباح، كما تطرق المحلل الاجتماعي نصر الدين جابي إلى سوسيولوجية المجتمع المدني في الجزائر، فيما فضلت النقابية الحاجة قادوس الحديث عن دور النقابات في تعزيز الممارسة الديمقراطية في الجزائر. منشط الندوة محمد بورزام وفي عرضه للإشكالية أكد أن مفهوم المجتمع المدني ما فتئ يتطور في المجامعات الغربية لينتقل إلى المجتمعات العربية بما فيها الجزائر التي عرفت هذا المفهوم مع نهاية الثمانيات، موضحا أن هذا المفهوم لا يزال محاطا بغموض كبير بالنظر إلى القالب الإيديولوجي الذي صيغ فيه. ومن هذا المنطلق فقد عمد الأستاذ والمحلل السياسي مهناس مصباح إلى شرح الأطر النظرية والمقومات الفكرية لمفهوم المجتمع المدني، حيث أكد أن نشأة المصطلح حسب ما جاء في النظرية الكلاسيكية الغربية تعود إلى تطور الإنسان وانتقاله من الحق الطبيعي إلى العقد الاجتماعي، وقال إن المفهوم عرف رواجا واستعمالا كبيرا في عصر النهضة للدلالة على المجتمعات التي تجاوزت حالة الطبيعة، أما في الفكر الغربي الحديث فإن مفهوم المجتمع المدني يعد رابطة اختيارية يدخلها الأفراد طواعية كما أن عضويتها لا تقوم على الإجبار وذلك بهدف حماية أفرادها. واستنادا للعرض الذي قدمه الأستاذ مهناس فإن المجتمع المدني هو مفهوم شامل تنطوي تحته المؤسسات الإنتاجية، الطبقات الاجتماعية، النقابات السياسية، الأحزاب السياسية وغيرها من التكتلات والمؤسسات، في وقت يمكن لأي مكون من مكونات المجتمع المدني أن تكون له امتدادات خارج حدود الدولة الوطنية يتعامل ويتفاعل معها وتضمن له نوع من التمويل. وبالرغم من هذه المعطيات إلا أن المحلل السياسي اعترف بوجود صعوبات للتحديد وضبط مفهوم المجتمع المدني حتى على مستوى الديمقراطيات الغربية التي كانت مهدا له وهذا راجع في رأيه إلى أن المصطلح عرف تطورات فكرية كثيرة خاصة عندما انتقل إلى دول أخرى، حيث نجد أن المفهوم وظف إيديولوجيا في الدول العربية واستعمل وفق اعتبارات سياسية. أما بالنسبة للجزائر، فقد أوضح مهناس أن المجتمع المدني موجود ولا يمكن لأحد أن يقضي بغير ذلك، لكن دوره يبقى مرتبطا بمستوى تطور الدولة على عكس الدول الغربية التي تملك مجتمعا مدنيا فعالا، مع العلم أنه من أهم خصائص المجتمع المدني هو قدرته على التكيف، استقلاليته على الدولة، تعدد الهيئات التنظيمية بداخله، بالإضافة إلى وجود تجانس داخل مؤسساته، فالديمقراطية ثقافة وليست قرارات سياسية على حد تعبيره. ومن جهتها، تطرقت الحاجة قادوس مديرة المركز الوطني للدراسات والبحوث النقابية في ذات الندوة إلى الحديث عن مفهوم العمل النقابي ومبادئه ومصادره القانونية، حيث أشارت إلى أن الحوار الاجتماعي هو الشكل الديمقراطي المميز للنقابات ويختلف من بلد لآخر حسب طبيعة النظام السياسي، حيث أعربت عن أسفها عن ضعف تكوين العنصر البشري في النقابات وصعوبة الوصول إلى الأهداف التي ترسمها هذه النقابة بالإضافة إلى قلة إمكانياتها المادية وهو ما يؤثر عن مردودها العملي. وخلال النقاش الذي دار حول مفهوم المجتمع المدني تطرق المناضل والقيادي بوعزارة محمد إلى موضوع الدولة الوطنية وامتدادات المجتمع المدني خارج إطار الدولة الأم وقال إن القضية تطرح أكثر من علامة استفهام بالنظر على وجود جمعيات بالجزائر تسعى إلى الحصول على الدعم الخارجي الأمر الذي من شأنه أن يخل بالأمن القومي للبلد، كما تساءل الأستاذ محمودي عبد القادر إن كان المجتمع المدني سيساهم حقيقة في تعزيز الممارسة الديمقراطية أم هو نتاج للممارسة الديمقراطية نفسها، وتأسف للكون الجزائر لم تتبن هذا المفهوم وفق خصوصيات المجتمع الجزائري واكتفى بالتأكيد أن المعادلة المطروحة مستقبلا تقوم على أساسا التوافق بين العمل السياسي وعمل المجتمع المدني. وتواصل النقاش حول مفهوم المجتمع المدني، حيث أشار عديد من المتدخلين على الغموض الذي لا يزال يكتنف المصطلح، خاصة وان البعض يدرج الأحزاب السياسية والنقابات ضمن المجتمع المدني، فيما يرى البعض الآخر أن المجتمع المدني جاء كنتيجة لضعف العمل السياسي وهو يتعايش مع المجتمع السياسي، ناهيك عن التوظيف الإيديولوجي للمصطلح على مستوى الدول العربية وبعض الديكتاتوريات في العالم.