في خطوة لا تخلو من دلالات سياسية وجيوسياسية هامة قام الرئيس بوتفليقة نهاية الأسبوع الماضي بإجراء تعديل حكومي عميق وجذري، ورغم أن رئيس الجمهورية احتفظ بعبد المالك سلال في منصب الوزير الأول إلا أنه قام بتغيير وزراء الداخلية والخارجية والعدل، ويربط المتتبعون للشأن الوطني بشكل مباشر بين هذه التغييرات العميقة في الجهاز التنفيذي والتحضيرات لرئاسيات 2014 من جهة ومحاولة نزع فتيل التشنج والاحتقان الذي تشهده بعض القطاعات منذ أشهر من جهة أخرى. لم يجد أشد المعارضين للرئيس بوتفليقة من مأخذ في التعديل الحكومي الأخير سوى التلويح مجددا أن رئيس الجمهورية قام بوضع رجال ثقته في المناصب الحيوية، في إشارة إلى تعيين الطيب بلعيز في منصب وزير الداخلية والطيب لوح في منصب وزير العدل والحقيقة أن اختزال ما قام به بوتفليقة في عملية جراحية عميقة في جسد الطاقم الحكومي، في هذه النقطة ؛ أي تعيين »الطيبين« )بلعيز ولوح( هو من قبيل إما السذاجة أو التضليل، فمعلوم ويكاد يكون عرفا أن أي رئيس جمهورية في العالم وفي أعرق الديمقراطيات عندما يعمد إلى تعيين الطاقم الحكومي وأيضا مساعديه ومستشاريه فإن من أهم المعايير التي يراعيها إضافة إلى الكفاءة والنزاهة يأتي معيار الثقة والولاء في المقام الأول وإلا كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يأتمن هذا الوزير أو المستشار على أسرار ومسؤوليات حساسة وهامة وبالتالي تكرار أسطوانة رجال الرئيس ووزراء الرئيس هو كلام ساذج وسطحي. أما من حيث أهمية التعديل الحكومي الجديد والذي حمل دخول أحد عشرة وزيرا جديدا إلى فريق سلال ، من بينهم أربعة ولاة فإن الملاحظة الأولى التي يمكن رصدها هو أن رئيس الجمهورية عمد إلى تعيين وزراء تكنوقراط وإبعاد الوزراء المتحزبين وهي خطوة مفهومة ، بل مطلوبة في حكومة سيكون منوطا بها التحضير وإجراء الانتخابات الرئاسية القادمة. لكن بمعزل عن استحقاق الرئاسيات فإن ما يلاحظ في التعديل الحكومي الجديد هو أن رئيس الجمهورية حرص على الابتعاد عن معيار التمثيل الحزبي والسياسي وغلب معيار التخصص والخبرة والكفاءة. بالنسبة للإبقاء على عبد المالك سلال في منصب الوزير الأول يمكن القول أن الأمر كان متوقعا، بالنظر إلى كون الرجل أثبت طيلة السنة الماضية أنه يمتلك قدرة هائلة على التعامل مع كافة الأزمات فهو يجمع بين الصرامة والانضباط والجدية ، إضافة إلى طبعه الهادئ والمرن وهو ما ساعده على التعامل مع عدة ملفات حساسة وخطيرة، ليس أقلها اندلاع الاحتجاجات في الجنوب للمطالبة بمناصب الشغل وقد أبدى سلال قدرا كبيرا من المسؤولية في إدارة هذه الأزمة. ومن بين التعديلات اللافتة في الطبعة الجديدة لحكومة سلال هو نقل الطيب لوح إلى وزارة العدل، وتشير هذه الخطوة إلى رغبة رئيس الجمهورية في متابعة قضايا الفساد وإصلاح العدالة بشكل مباشر، وذلك أن الطيب لوح هو من أبناء القطاع وثانيا كونه من الوزراء الذين يحظون بثقة الرئيس لكفاءته وانضباطه. ومن التغييرات الهامة أيضا التي قام رئيس الجمهورية هو استقدام الدبلوماسي المخضرم رمطان لعمامرة إلى منصب وزارة الخارجية، والحقيقة أن الدبلوماسية الجزائرية تعرضت في الأشهر الماضية أو لنكن أكثر دقة ونقول أن طوال وجود مراد مدلسي في وزارة الخارجية سجلت الدبلوماسية الجزائرية تراجعا واضحا في الأداء والحضور وكان لزاما إحداث تغيير في هذه الحقيبة الهامة، بالنظر إلى التحولات والرهانات التي تشهدها المنطقة ، ويمثل تعيين السفير والخبير الأممي رمطان لعمامرة وزيرا للخارجية إضافة هامة للدبلوماسية الجزائرية، فالرجل يصنف من الخبراء والعارفين بقضايا ومشاكل منطقة الساحل وأيضا من المتواجدين داخل المؤسسات الدولية منذ فترة ليست بالقصيرة ، وبالتالي هو على إطلاع مباشر على التحولات والصراعات الإقليمية والدولية. ويضاف إلى ذلك نقل عبد القادر مساهل وزارة الاتصال، لما لهذه الوزارة من حساسية، خاصة في الفترة القادمة مع بدء التحضير لفتح الإعلام الثقيل أمام الخواص بعد المصادقة على قانون السمعي البصري الجديد، وبالتالي يمثل استقدام رجل دولة ودبلوماسي محترف للتعامل مع هذا القطاع مفهوم ومقبول. لكن يجب التنوية أن هذه التعديلات على المستوى السياسي والأمني والدبلوماسي والإعلامي ليست فقط إيجابيات حكومة سلال في طبعتها الثانية ، فقد عرفت الحكومة الجديدة دخول وزراء جدد قدموا من مناصب المسؤولية وعلى سبيل المثال لا الحصر وزيرة البريد وتكنولوجيا الاتصالات الجديدة زهرة دردوري يشهد لها بالكفاءة والخبرة في مجال عملها حين كانت على رأس سلطة الضبط، وأيضا قدم إلى الجهاز التنفيذي في وزارة التكوين المهني والي قسنطينة عبد الوهاب بدوي والذي يملك سجلا محترما في الإدارة في كل الولايات التي عمل بها وآخرها سطيف قبل نقله إلى مدينة الجسور للإشراف على تحضيرها لاحتضان تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، طبعا إضافة إلى والي عنابة ووالي تلمسان، وكل هذه التعيينات تشير إلى أن الرئيس بوتفليقة يحاول أن يزاوج بين معيار الكفاءة والثقة من جهة ومعيار الملائمة والقدرة لتسيير هذا القطاع أو ذاك بالنظر إلى الظروف والحيثيات التي تشهدها الجزائر والمنطقة بشكل عام.